منوعات

القباج: خطورة كولن في تسييس الصوفية وأفكاره العلمانية

هاجم الشيخ السلفي حماد القباج المدير التنفيذي لمؤسسة ابن تاشفين للدراسات المعاصرة والأبحاث التراثية والإبداع الفكري، زعيم جماعة الخدمة التركية فتح الله غولن المقيم بالولايات المتحدة الأمريكية وأحد المتهمين الرئيسيين بالوقوف وراء محاولة الانقلاب بتركيا، واعتبر أنه يشكل خطورة على البلاد بسبب عمله على تسييس الطرق الصوفية، والتحالف مع أمريكا والجيش لنشر الأفكار العلمانية.

واعتبر القباج في مقال له، توصلت به جريدة “العمق المغربي”، أن خطورة تسييس الصوفية يكمن فيما ترسخه في نفوس المريدين من طاعة تامة للشيخ حتى لو أدى به الأمر إلى قتل والديه، وهو ما يجعل من التصوف الطرقي فرصة ثمينة لدهاة السياسة؛ الذين يريدون استغلال وتوظيف الدين لخدمة مصالحهم السياسية، وتذليل العقبات أمام أطماعهم؛ ولن يجدوا أفضل من مثل هذه الجماعات لتوظيفها.

وأضاف الشيخ السلفي في المقال الذي عنونه بـ “أين تكمن خطورة جماعة فتح الله كولن؟”، أن زعيم الجماعة يلقى دعما من الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى فيه مثالا للمجددين الإسلاميين الذين يجب عليها دعهم، كما أنه على تحالف وثيق مع قيادات في الجيش التركي الذين دعموه في تأسيس المدارس التي تنشر الأفكار العلمانية المغطاة برداء الصوفية.

وفيما يلي نص المقال كما توصلت به جريدة “العمق المغربي”: 

 

أين تكمن خطورة جماعة فتح الله كولن؟

 

كثير من الناس يجدون صعوبة في فهم كيف تُتّهمُ جماعة دينية المفروض منها أن تحرص على استقرار وطنها وسلامته من الفتن والاضطرابات، وعلى نجاح السياسيين (الإسلاميين) في حكمهم لدولتها؟!

وللإسهام في تجاوز هذه الصعوبة في الفهم؛ أود الإشارة إلى صورة من صور الخلل في تدين جماعة فتح الله كولن؛ يمكن إضافتها إلى ما قيل حول أسباب خطورة هذه الجماعة على الدولة في تركيا ..

هذا الخلل في نظري يرجع إلى كون قيادات الجماعة سيّسوا المفهوم الصوفي الذي يعتبر أول آداب المريد: إسلاس القياد لشيخه؛ مما يلزمُه بطاعته طاعة لا تقبل المراجعة ولا الاعتراض ..

ومن هنا ينشرون بين المريدين مقولات من قبيل: (لا تعترض فتنترض)، (كن بين يدي شيخك كالميت بين يدي مغسله)، (إن إسلاس القياد لشيخ يدلك على الطريق شرط في السلوك، وما كان لولي أن يأمر إلا بحق).

يقول الشيخ الصوفي عبد العزيز الدباغ:

“اعلم وفقك الله أن الولي المفتوح عليه يعرف الحق والصواب، ولا يتقيد بمذهب من المذاهب، ولو تعطلت المذاهب بأسرها لقدر على إحياء الشريعة؛

وكيف لا وهو الذي لا يغيب عنه النبي صلى الله عليه وسلم طرفة عين!

ولا يخرج عن مشاهدة الحق جل جلاله في أحكامه التكليفية وغيرها!

وإذا كان كذلك فهو حجة على غيره وليس غيره حجة عليه؛ لأنه أقرب إلى الحق من غير المفتوح عليه.

وحينئذ فكيف يسوغ الإنكار على من هذه صفته؟” (الإبريز ص192).

وفي الإبريز أيضا (ص202):

“قال محيي الدين العربي (رضي الله عنه): ومن شروط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه ونبيه، وقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة؛ فيجب عليه التسليم!!

وكم من رجل أخذ كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه، وقلبه الله في فيه عسلاً، والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً!!

وهذه كانت أحوال أبي عبد الله المصلي المعروف بقضيب البان، وقد رأينا هذا مراراً في أشخاص” اهـ.

فانظر أيها القارئ إلى خطورة هذا الانحراف: حتى لو فعل الشيخ ما ظاهره منكر؛ فسلم له؛ لأن المعصية تنقلب في حقه طاعة!!

وينقل صاحب (الإبريز) عن ابن عربي شرحه لفلسفة هذه الزندقة:

“وسمعته رضي الله عنه يقول: إن الولي الكبير فيما يظهر للناس يعصي وهو ليس بعاص؛ وإنما روحه حجبت ذاته فظهرت في صورتها؛ فإذا أخذت في المعصية فليست بمعصية؛ لأنها إذا أكلت حراماً مثلاً فإنها بمجرد جعلها في فيها فإنها ترميه إلى حيث شاءت، وسبب هذه المعصية الظاهرية شقاوة الحاضرين”!! (الإبريز ص196).

بل إن الطرقية ترسخ في نفوس المريدين أن المريد الصادق هو الذي يطيع شيخه ولو أمره بقتل والديه!!!!

يقول أحمد بن مبارك: “سمعت من الشيخ رضي الله عنه قال: كان لبعض المشايخ مريد صادق فأراد أن يمتحن صدقه يوماً فقال له: يا فلان أتحبني؟

قال: نعم يا سيدي.

فقال: “أرأيت إن أمرتك أن تأتيني برأس أبيك أتطيعني”؟

فقال: “يا سيدي فكيف لا أطيعك؟ ولكن الساعة ترى”.

فذهب من حينه وكان ذلك بعد أن رقد الناس، فتسور جدار دارهم وعلا فوق السطح ثم دخل على أبيه وأمه في منزلهما، فوجد أباه يقضي حاجته من أمه، فلم يمهله حتى يفرغ من حاجته؛ ولكن برك عليه وهو فوق أمه، فقطع رأسه وأتى به للشيخ وطرحه بين يديه!!

فقال له الشيخ رضي الله عنه: “انظر هل هو رأس أبيك”؟

فنظر المريد فإذا هو ليس برأس أبيه.

فقال له الشيخ: رأس من هو؟

فقال له: رأس فلان العلج.

وكان أهل مدينتهم يتخذون العلوج كثيراً بمنزلة العبيد السودانيين، وكان أبوه غاب تلك الليلة فخانته زوجته في الفراش وواعدت عليه كافراً ومكنته من نفسها.

وكوشف الشيخ (رضي الله عنه) بذلك؛ فأرسل المريد ليقتله على الصفة السابقة ليمتحن صدقه؛ فعلم أنه جبل من الجبال فكان وارث سره والمستولي بعده على فتحه والله الموفق” (الإبريز ص186).

فهذا هو المبدأ الأول في التدين على منهج الطرق أو الجماعات الصوفية: “لا تخالف شيخ الجماعة مطلقاً فيما يأمرك به؛ ولا إنكار ولا مخالفة لشيء مما يقوله مطلقاً ولا اعتراض عليه بلسان أو بقلب!”.

ومثل هذا المعتقد الباطل يجعل من التصوف الطرقي فرصة ثمينة لدهاة السياسة؛ الذين يريدون استغلال وتوظيف الدين لخدمة مصالحهم السياسية، وتذليل العقبات أمام أطماعهم؛ ولن يجدوا أفضل من مثل هذه الجماعات لتوظيفها ..

ولعل أبرز صور هذا الاستغلال في التاريخ المعاصر: توظيف الاستعمار لشيوخ الطرق الصوفية في دعم مشروع احتلال الدول الإسلامية، وإضعاف مقاومة الشعوب لذلك الاحتلال ..

وَمِمَّا شاع عن بعض شيوخ الطرق أنهم كانوا يقولون لمريديهم المطيعين: (الاستعمار قضاء الله وقدره؛ فلا تعترضوا على قدر الله)!

ومن هنا فإن الدول الاستعمارية تعتبر شيوخ الطرق الصوفية حلفاء لها:

نقل علال الفاسي في كتاب حديث المغرب في المشرق (ص 12) عن “أودينو” قوله:

“إننا نعلم أنهم -أي: السلفيون- لا يقاومون عبد الحي الكتاني، وعبد الرحمان الدرقاوي وأمثالهما من المشايخ الصوفية، إلا لأنهم أحبابنا، وقد علموا أنهم تحالفوا معنا في أحرج المواقف ضد ابن عبد الكريم وأمثاله من الثوار”.

يقول (دانييل بايبس) رئيس منتدى الشرق الأوسط بالولايات المتحدة الأمريكية:

“الغرب يسعى إلى مصالحة التصوف الإسلامي ودعمه لكي يستطيع ملأ الساحة الدينية والسياسية وفق ضوابط فصل الدين عن الحياة، وإقصائه نهائيا عن قضايا السياسة والاقتصاد، وبالطريقة نفسها التي استخدمت في تهميش المسيحية في أوروبا والولايات المتحدة”. (صحيفة الزمان العدد 1633 بتاريخ 12/10/2003).

وللوقوف على وثائق وشهادات مثيرة في هذا الموضوع أحيلكم على كتاب “التصوف بين التمكين والمواجهة” لأخي وصديقي البحاثة؛ فضيلة الشيخ محمد المقدي.

ومن هنا؛ فإن مراكز الدراسات الغربية أوصت الساسة وصانعي القرار بضرورة دعم هذا النوع من التصوف والاستمرار في التحالف معه؛ وخصت فتح الله كولن بالذكر؛

فقد قسمت مؤسسة راند في تقريرها “إسلام حضاري ديمقراطي”؛ المجتمع المسلم إلى أربع فئات: المتشددون، والتقليديون، والمجددون، والعلمانيون.

وأوصت بأن المجددين هم من يجب على أمريكا أن تدعمهم للوصول إلى إسلام معتدل مساير للحضارة الغربية، وضربت عدة أمثلة لأولئك المجددين، وكان من أبرزهم فتح الله كولن، حيث قالت عنه: “كولن صيغة لتحديث الإسلام شديدة التأثر بالصوفية، ويركز على التنوع والتسامح واللاعنف”.

وفي تقريرها الآخر “بناء شبكات مسلمة معتدلة” والذي جعلت فيه الصوفية أحد الحلفاء المرتقبين لأمريكا؛ ضربت مؤسسة راند مثلا لذلك الشريك الصوفي المرتقب بفتح الله كولن؛ إذ قالت عنه: “ويشجع القائد الديني التركي (فتح الله كولن) الإسلام الصوفي الحديث المعتدل، حيث إنه يعارض تنفيذ الدولة للقانون الإسلامي مشيرا إلى أن معظم اللوائح الإسلامية تتعلق بالحياة الخاصة للأفراد، ويهتم القليل منها بأمور الحكم، فالدولة كما يعتقد هو لا ينبغي أن تطبق أو تنفذ الشريعة الإسلامية، لأن الدين  مسألة شخصية”اهـ.

إن المعلومات السابقة تجعلنا نفهم لماذا احتضنت أمريكا والغرب زعماء هذه الجماعة، ولم تحارب مدارسهم ومؤسساتهم كما حاربت نظيراتها ..

كما توضح لنا تلك المعلومات السر وراء العلاقة الجيدة بين فتح الله كولن وحكام تركيا من العسكر العلماني؛ كسليمان ديميريل وبلند أجاويد ..، الذين أطلقوا يده في تأسيس المدارس والمحاضن التربوية لينشر من خلالها ما يرسخ علمانية الدولة؛ بخلفية صوفية ومناهج عصرية ..

وهذا مما يفسر لنا الاهتمام الكبير لجماعة كولن بالتعليم؛ لما له من آثار على الواقع التربوي؛ حيث إن العملية التعليمية ستولد شخصيات تحمل عقلية المريد الخطيرة، فضلا عن حملها لأفكار كولن العلمانية. 

 

إن المطلع على الحقائق المتقدمة لن يجد صعوبة في إدراك ما يهدد الدولة من أخطار حين يفشو فيها تسييس المفهوم الصوفي لطاعة الشيخ؛ بحيث ينتج عن ذلك أتباع ومتعاطفون وانتهازيون يتغلغلون في مختلف مفاصلها وأجهزتها وقطاعاتها الاقتصادية والسياسية والأمنية والقضائية والعسكرية ..؛ وخطورة هؤلاء أنهم يدينون بالولاء والطاعة لشيخ الجماعة ولو خالفت أوامره القانون، بل؛ ولو اقتضت توجيه أسلحة الدولة إلى صدور أفراد الشعب وبرلمانه وغيره من مؤسسات الدولة ..

إن طاعة ولي الأمر في الفقه السياسي الإسلامي؛ وسيلة من وسائل جمع الكلمة وصيانة وحدة الدولة؛ وهي حق لرئيس الدولة ومن يمثله من مسؤول أو مؤسسة في إطار المعروف؛ كما قال عليه السلام: “إنما الطاعة في المعروف”  ..

ويتجلى هذا الحكم الشرعي (طاعة ولي الأمر) في السياسة المعاصرة؛ في احترام الوثيقة التعاقديّة (الدستور) وما يتفرع عنها من قوانين تنظم الحياة وتضمن الحقوق ..

ولا يجوز لشخص أو تنظيم -غير الدولة- أن يعطي لنفسه هذا الحق؛ ومن أخطر ما يمكن أن يهدد دولة ذات سيادة؛ أن يتسع فيها نفوذ رجل دين يتبنى التصور الصوفي لطاعة الشيخ؛ ويسخر هذا النفوذ الديني في المجال السياسي بما يجعل منه كيانا موازيا للدولة ..

فالدولة الشرعية تستمد شرعيتها من القانون والمؤسسات ورضا الشعب؛ والدولة الموازية تستمد نفوذها من منهج صوفي يدعو إلى طاعة أوامر رجل الدين بصفته ولي الله المفتوح عليه!

والأخطر في ذلك كله؛ أن يطاع في المنكر بذريعة أنه من أهل الباطن الذين يَرَوْن ما لا يراه أهل الظاهر!

وإذا كانت الشريعة لا تجيز طاعة ولي الأمر الشرعي في المنكر؛ وتجعل طاعته مقيدة بالمعروف؛ فكيف يسمح المسلم لنفسه بطاعة جهة غير شرعية في أمر منكر؟!