منوعات

العلام يتساءل: لماذا يتم التضييق على حرية القضاة؟ 1/2

في أواخر سنة 2011، حيث الحراك الاجتماعي في المغرب وباقي الأقطار في أوجهِ، ومباشرة بعد إقرار التعديل الدستوري السادس، اتّصل بي أحد الأصدقاء يبلغني الخبر التالي: حاول مجموعة من القضاة الاجتماع في إحدى المؤسسات العمومية بالرباط، من أجل تأسيس جمعية خاصة بهم، بناء على ما جاء في الفصل 111 من الدستور الجديد، لكن وزارة الداخلية منعتهم من ذلك، رغم سلكهم المساطر القانوينية”

 وقبل أن يكمل حديثه، طرحت عليه السؤال: وماذا كان رد فعلهم، هل عادوا من حيث أتوا كما هي عادتهم؟

أجاب صديقي بسرعة: إن سبب اتصال بك هو الذي حدث فيما بعد، لقد عقدوا جمعهم العام في الشارع وشرعوا في تداول جدول الأعمال، فكيف تقرأ أنت هذا الحدث؟

أجبته: إذا كان ما تقول صحيح فإني أكاد أجزم لك بأنه إذا لم نقم نحن في المغرب بأي شيء يستحق أن يذكر في سياق الحِركات الاجتماعية التي تعرفها العديد من الدول، فإننا أقمنا “ثورة” في عالم القضاء.

قال: كيف؟                 

أجبت: ليس سهلا إطلاقا أن يجتمع هؤلاء من أجل التعبير عن رأيهم ، فهم سيواجهون تحديا مزدوجا: التحدي الأول مصدره “حراس الهيكل” الذين سيرون فيهم تحدّيا لمؤسستهم العتيقة. والتحدي الثاني سيكون من طرف العدو الأول للقضاة ألا وهو السلطة السياسية، فهي ستتركهم يقومون بما يشتهون اليوم لكنها ستزرع داخلهم بذور التمزق التي ستنفجر عندما يحين الوقت، أو أنها ستحارب رموزهم وتورطهم في أعمال لا علاقة لها بأصل المشكل.

لم يطل الوقت كثيرا عن هذا الحديث الذي دار بينا، والذي هو منشور على هذه الصفحة بتاريخه، حتى بدأنا نسمع عن إقالات تعسفية لرموز الحركة التصحيحية في الجسم القضائي، فهذا تم عزله بتهم واهية، وذاك تم تنقيله بشكل تعسّفي، والآخر أُبعِد عن مِنصّة الحكم وأرجِع إلى مكاتب النيابة العامة لأن أحكامه شكلت خطرا على أهل السلطة، وتلك القاضية تم تأديبها /تخويفها، وأخرى تم تهديدها…..

أما الجامع بين كل هؤلاء فهو أنهم قضاة نزهاء وأغلبهم شبابا، بعيدون كل البعد عن عمليات الإرتشاء واستغلال النفوذ وغيرها من الأمور السلبية التي ارتبطت بالعمل القضائي منذ عقود….فمن ذا الذي يريد شرا بمهنة القضاء؟ ومن هو هذا الوزير أو المسؤول الذي لا يروقه أن يكون في القضاء نخبة من الذين لديهم رأي وشجاعة لقول “لا”؟ هل هو وزير العدل الذي طالما تغنى بالدور الذي كان يقوم بها قضاة مصر من أجل الحفاظ على استقلاليتهم في مواجهة زبانية مبارك؟ ألم يكن السيد الرميد في علاقة ودّ واحترام وربما صداقة بالأخوين “مكي” وغيرهما من قضاة مصر الذي انتفضوا في وجه الطاغية مبارك ورفضوا الاشراف على الانتخابات وطعنوا في القوانين الاستبدادية؟ لماذا يريد السيد الرميد تكميم أفواه القضاة ومنعهم من كتابة المقالات والمشاركة في الندوات؟ وماذا يضره في أنا قاضيا يكون له رأي في البنود الدستورية التي لم تكرس استقلالية القضاء أو أن يقول بأن مشاريع القوانين التنظيمية للسلطة القضائية غير منصفة للقضاة؟ ألا يدري السيد الرميد أن القضاة في العالم الحر لديهم نقابات تدافع عنهم وأنهم في بعض الدول يُنتخبون ويكون لهم رأي سياسي في قضايا معينة؟ ختاما، هل يعرف السيد الوزير ماذا يفعل أم أن اندفاعه حَرّمه من التوقّف لتدبر مآل “حركته” وإلى ماذا ستؤدي ومن سيكون المتضرر الأول منها؟

ربما على السيد الرميد أن يعود لأعداد الجريدة التي كان يُصدرها قبل ربع قرن ويعيد قراءة الأحكام الصادرة في حقّ الذين كان يدافع عنهم !!!

(يُتبع)