من العمق

ملاحظات أولية عن حكومة الخريف المغربي

مع الإعلان عن تشكيلة حكومة سعد الدين العثماني، يكون الخريف العربي قد حط الرحال عمليا في المغرب، ويكون قد تم فعليا إغلاق قوس الربيع العربي على وقع ما سمي بالثورات المضادة في كل بلد حسب خصوصيته، وهو مؤشر كاف ليصل سقف التوقعات والانتظارات للحضيض، بل ربما انتظار الأسوأ مستقبلا خاصة ما يهم قضايا الحريات ووضعية المجال الاجتماعي. فمن ضمن أهم المؤشرات خروج حكومة لا تعكس نتائج انتخابات السابع من أكتوبر.

أولى هذه الملاحظات، هو التراجع عن مطلب تقليص عدد الوزراء بما يعنيه من ترشيد لنفقات دولة تزعم الفقر والحاجة، وأيضا من حكامة لدولة ترزح تحت الفساد وتتطلع للتخفف من كوارثه، ولعل موضوع تقليص عدد الوزراء هو نتيجة مباشرة لعطب آخر يهم إغراق الحكومة بستة أحزاب لا يجمع بينها جامع وتعد حكومة التناقضات بامتياز.

ثاني هذه الملاحظات هو ما تم من إبعاد تام لوزراء العدالة والتنمية عن الأقطاب الوزارية الهامة والمهيكلة والتي آلت لحزب التجمع الوطني للأحرار وكأنه هو من تصدر انتخابات 7 أكتوبر، وبالفعل لقد تفوقت 37 مقعدا برلمانيا على 125 في عملية ضرب وطرح وقسمة لم تخضع نهائيا لا لمنطق الرياضيات ولا المحاصصة.

ثالث هذه الملاحظات أنه تم تغيير وإعادة توزيع كل وزراء العدالة والتنمية باستثناء وزارة المرأة والوزارة المنتدبة المكلفة بالنقل، بحيث لم يرجع جل وزراء العدالة والتنمية للقطاعات التي كانوا يسيرونها في الحكومة السابقة، وعلى العكس من ذلك تماما بالنسبة لجل الوزراء الآخرين خاصة من التجمع الوطني للأحرار حيث أرجعوا لوزاراتهم بل إنه تم توسيعها وتعزيز مجالات تدخلها، وهي ملاحظة لا تحتاج لجهد كبير ليستنتج أن الغرض منها هو فرملة بعض الإصلاحات وعدم إكمال أخرى على الرغم من الملاحظات العديدة التي يمكن تسجيلها.

رابع الملاحظات هو التصريح الملغوم الذي أدلى به رئيس الحكومة سعد الدين العثماني سابقا عندما قدم أغلبيته أمام الصحافة، ثم أيضا مباشرة بعد تعيين حكومته، حيث قال إن الأحزاب الستة اتفقت على مواصلة الإصلاحات التي بدأتها الحكومة السابقة، وطبعا الفرق واضح بين قول الحكومة السابقة إجمالا، فالتعميم هنا يعني التعويم، وبين ذكر العثماني لعدة محاور من برنامج حكومته المقبل مستثنيا منه عن قصد أو سهوا مجالات مهمة.

وهنا السؤال الملح على سعد الدين العثماني وحكومته، هل ستواصلون الإصلاحات في ملفات صندوق المقاصة، التقاعد، والتوجه الاجتماعي الذي كان هاجسا أساسيا لدى الحكومة السابقة ولقي استحسانا لدى عموم المغاربة؟ وهل ستواصلون البحث عن طرق لتوجيه دعم مباشر للفقراء؟ وهل سيستمر وقف نزيف إهدار المال العام من خلال دعم الأغنياء عوض الفقراء؟ هي أسئلة تفرض نفسها بقوة وتحتاج إلى جواب، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من حكومة أبريل هذه التي خرجت مائلة ومتناقضة من البداية.