منتدى العمق

“اليوتيوبيون” المغاربة وشيطنة الرأي العام : (ريتشارد عزوز نموذجا)

للإعلام الاجتماعي مكانة مهمة ودور فعال في تحقيق التواصل بين الجميع ، فما يعجز المرء عن البوح به علنا ، يجد مطية له في مواقع التواصل الاجتماعي (فايسبوك ، تويتر ، يوتيوب …)، هذا الأخير ، التابع لشركة “غوغل “العالمية ، استطاع أن يطور خدماته لتشمل العموم ، بتيسير إنشاء قناة مرئية على الموقع ، والتي تمكن صاحبها من الانطلاق نحو عالم افتراضي قد يجني منه أرباحا ودخلا قارا ، بازدياد عدد المشتركين والمتابعين للقناة ، وهي خاصية جعلت “اليوتيوبيين” المغاربة أكثر تأثيرا من الفايسبوكيين .

عديدة هي الشخصيات “اليوتيوبية” المرتبطة بالشأن العام المغربي ، التي رسمت لمسارها شعبية جارفة داخل موقع التواصل الاجتماعي”youtube “، كل حسب رؤيته ، ومنهجه ، وطريقة تأويله لما يجري داخل المجال السوسيو –ثقافي ، قد يكون الهدف من الظهور ، الشهرة والرفعة ، التميز والكبرياء ، البحث عن دخل قار ولو على حساب القضايا الراهنة ، بالإضافة إلى الرغبة في تفسير ما يحدث بلسان عامي يفهمه القاصي والداني، وقد يكون الهدف أيضا تصفية الحسابات ، وتعرية الواقع وكشفه بكل ألوان الطيف لمصلحة احد الأطراف، ولعل أبرز من اشتهر من اليوتيوبيين في مجال تمرير المغالطات والرقص على أنغام القضايا البائدة ، المتجاوزة والمفككة لوحدة النسيج الاجتماعي بهدف لا غرو أن يكون انتقامي خالص (ريتشارد عزوز).

أمريكي الجنسية والإقامة ، مغربي الأصول ، عجوز من الناحية المظهرية ، يرتدي في أغلب خرجاته اليوتيوبية قميص “أحمر ” ، في إشارة لحبه المطلق للفكر الثوري ، وأحيانا يسجل شرائطه المرئية في غرفة مزينة بصور “تشي غيفارا” ، يتحدث لغة عامية من الدرجة المتدنية ، بألفاظ ساقطة ، وعبارات “سوقية” ، ستخرجه بلا هوادة من خانة “المثقفين “، وفي اعتماد الرجل لسلاح لغوي مؤثر ، خارج عن المألوف ، فالهدف أولا : الظهور أمام الشاشات وإثارة الرأي العام مصداقا للمبدأ القائل : “خالف تعرف”، يفتح “المعارك” يمينا وشمالا مع الجميع ، فالمتقاعد الأمريكي ، لم يتبقى له إلا الاستمتاع براتب خدمته المدنية ، مصرا في ألان ذاته ، على “التشويش ” و ملء العزلة التي يعيشها ، بمحاولة تستهدف إشراك المغاربة قاطبة في عالمه الخاص ، قد تنتقده مرئيا أو على المكتوب ، فلا يتردد للحظة ليجيب بشريط مصور ، يتهجم فيه على المنتقد بأبشع الصفات والألقاب ،” ريتشارد عزوز” من الناحية النفسية يعاني من مراهقة متأخرة، “لأن الكبار يناقشون الأفكار والصغار يناقشون الأشخاص ” .

متخصص في جميع القضايا ، لا تغيب عنه شاردة ولا واردة ، تحدث الواقعة ، فيكون العجوز الأمريكي أول المعلقين عليها ، حتى وإن لم تتوفر لديه معطيات مهمة للتحليل ، يرتدي عباءة السياسي ، النقابي ، الرياضي ، والثقافي ، من خلال استثمار لغته “الشوارعية” التي يستهلك بتوظيفها المدد الزمنية ، ويثير جنون المشاهدين بأسلوبه المرتجل.

من أبرز الملفات التي أبعدت الرجل عن ميزان الحقيقة، وجعلته مطلوبا للعدالة من اجل المتابعة القضائية: الضرب في الهوية الدينية للمغاربة، من خلال ازدراء نبي الإسلام (محمد صلى الله عليه وسلم ) وانتقاد سلوك المسلمين وموروثهم الثقافي والعلمي ، بل يصل إلى حد اعتبار الإسلام سببا رئيسيا في استعمار الأمازيغ على حد تعبيره ، في إحالة على الرغبة في تأجيج الصراع بين أبناء الوطن الواحد ، واعتبار المغرب “أرض أمازيغية”، مخالفا بذلك للقوانين الدولية ومفهوم المواطنة ، فالعصر الراهن لا يمايز بين الأعراق ، ومن السخافة والسفاهة ، إحياء نماذج الحركات التحررية في ظل وجود شعب يعاني من مشاكل متعددة ، الكل يكابد من اجل لقمة العيش ، والمغرب بلد التعايش بامتياز ، والهوية الأنتربولوجية للشعب المغربي مركبة ، لا أمازيغية ولا عربية ، وهذا يدل على ضعف التكوين الثقافي للعجوز الأمريكي.

يضاف إلى ذلك ، التحدث بسطحية في ما يخص الشأن العام للبلاد ، فمن موقعه الجغرافي ، لا يستطيع تفسير ما يحدث بموضوعية ، إذ يعتمد في الغالب على مصادر غير موثوق في صحتها ، وخير مثال على ذلك : منح صفة “البيدوفيل”_في تسجيل على “اليوتيوب”_ إلى أحد وزراء الحكومة ، أسوة بأحد القياديين في حزب الأصالة والمعاصرة ، الذي عزله الحزب بعد حدث الاتهام ، وهنا فّْإن ريتشارد عزوز وقع في خطأ لا يغتفر ، أثبت معه التناقض حد الهذيان ، زد على التهكم على مؤسسات الدولة العتيدة التي تسهر على تطبيق القانون : “المجلس الأعلى للسلطة القضائية نموذجا” ، الذي يعنى بتنزيه القضاء وصيانة استقلاليته ، كما هو موجود في الدول المتقدمة ّ، فتكون مهمة الوزارات هي التدبير الإداري والمالي للشؤون الموكلة لها ، مما يثبت بالمطلق غياب ثقافة قانونية للعجوز .

من جهة الأخرى ، فان الأمريكي يشكل خطرا كبيرا على امن الوطن ، من خلال العمل على تسويق مواقفه وتوجهاته للراي العام في بلد “العم سام” ، مما سيجعله قضية دولية في المستقبل ، لو قام بتطوير عمله الهدام ، الذي بدون شك ، لا يرغب في بلورته ، لان غايته هي الظهور والشعبوية ، كما أن أعداء الوحدة الترابية المغربية ، قد يجدون ضالتهم في دعم العجوز ، فبدل أن يظهر في اليوتيوب ، يتحول على حين غرة إلى الإعلام الرسمي ، خاصة في ظل شعبيته ونسب المشاهدات المرتفعة التي تسجلها قناته اليوتيوبية ، مما دفع بالرجل إلى الانتقال للبال تالك (pal talk ) ، للرفع من شعبيته ، بسبب غياب القدوة الاجتماعية ، واختلال المفاهيم المعززة للهوية المغربية ، فسيصبح لسفهاء المجالس منزلة محترمة ، وبإحيائه للصراع الثقافي المتجاوز ، فمن المحتمل أن يزداد المتعاطفون معه ، لهذا فالخطر القادم من اليوتيوب متعدد الأبعاد : سياسي ، اجتماعي ، ثقافي من عجوز يسكن في بلد يتسيد القرار الدولي ، مع حدث الافتراض ، إن كان للكائن الافتراضي علاقات مع رجال دولة أمريكيين ، فانه سيصير من الجواسيس المتآمرين على الشعب المغربي والدولة التي تعرف حدودها نزاعات دولية ، لكل هذه الغايات ، فان “ريتشارد عزوز”اخطر من الانفصاليين .

على سبيل الختم ، إن الثقافة السياسية المتميزة في جوهرها بالقدرة على التشخيص ، التنظير ثم الاستنتاج ، لا يمكنها إلا إنتاج رجال دولة ، يستطيعون فهم التحديات والإكراهات المطروحة ، ومحاولة الانخراط الايجابي والسليم في الإصلاح الاجتماعي والثقافي ، بتبني طروح تنموية جديدة ، بعيدا عن الشعبوية ، وبغيابها ، فالباب مفتوح لغسل أدمغة الشعوب بفكر متطرف ، من عالم أو جاهل ، حتى لو أطل من عالم افتراضي ، فإن ما يقول ، يزنوه بمعاييرهم ، فتصير له مكانة مصطنعة . أما آن الأوان لتربية الشباب على الانخراط في السياسة والثقافة عبر آليات مؤسساتية وقائية وتوعوية ؟