منوعات

بويخف يكتب: الريف والذاكرة وأخطاء المقاربة الأمنية

هل يستفيد المغرب من أخطائه الأمنية المعروفة في الصحراء في مقاربته لملف الاحتجاجات المواطنة في الريف؟ هذا هو السؤال الذي اصبح اليوم أكثر ملحاحية على ضوء التطورات الأخيرة التي عرفها ملف احتجاجات شباب الحسيمة. فالتاريخ يشهد أن المقاربة الأمنية الخاطئة والمتطرفة التي اعتمدت في تدبير ملف الصحراء، والتي تعمل وفق ثنائية حدية، هي التي اعطت المبررات الكبرى لانتعاش التوجه الانفصالي بين المغاربة هناك. إذ مقابل تمتيع الوحدويين منهم بكل الامتيازات الاقتصادية والسياسية بشكل مبالغ فيه ، يواجه غيرهم بمقاربات عنيفة ومتطرفة، ولا تكاد توجد أسرة صحراوية لم يكن لها معتقل، أو لم يعنف فرد من أفرادها تعنيفا، هذا بالإضافة إلى الممارسات غير الانسانية والحاطة من الكرامة، في غياب كامل لأي مقاربة حوارية مستوعبة. والذين ينشطون اليوم في الدبلوماسية الانفصالية في الصحراء في المنظمات الدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة، ضد وطنهم الأم، هم في الحقيقة من خريجي السياسات الأمنية الخاطئة في تلك الأقاليم المغربية. والتحديات الحقوقية والسياسية التي ما يزال يواجهها المغرب اليوم كثير منها يمكن إرجاع جذوره إلى تلك المقاربات الأمنية المتطرفة والخاطئة.

منطقة الريف عرفت في عهد الراحل الحسن الثاني رحمه الله تجريب مقاربات أمنية عنيفة خلفت جروحا غائرة في ذاكرة أبنائه، واليوم نتابع المقاربات الأمنية المعتمدة هناك، وخاصة في الحسيمة، ونجد أنها ربما تسير على خطى إعادة نفس الأخطاء المرتكبة قديما. إذ لا يمكن اليوم مواجهة المطالب الاجتماعية والسياسية للشباب بالتعنيف والاعتقالات والاتهامات المخونة. وإذا أمكن إقناع الرأي العام الوطني بمشروعية الاعتقالات في اوساط شباب الحسيمة، فإن الريفيين المعنيين باستقرار تلك المنطقة لا يمكن إقناعهم بها. ما يعني أن المعالجة الأمنية العنيفة لا تعالج شيئا بقدر ما تضيف لترات الأخطاء في الريف مزيدا من الأخطاء التي تغدي ذاكرتها وتنعشها في اتجاه تأكيد تصورات خاطئة وخطيرة، تجعل الريفيين يحسون بالاستثناء في التعامل معهم، والتي من شأنها أن تولد ردود فعل خطيرة.

وإذا كانت المطالب العنصرية والانفصالية لا تمثل التوجه الغالب على المواطنين في الريف وفي الحسيمة بالخصوص، وبقيت شاذة، فإن ما قد يعتبره الريفيون ظلما وتعسفا من شأنه أن يحول ما هو شاذ إلى ظاهرة عامة.

إن اعتقال زعماء الحراك المدني في الريف بشبهة التمويل الخارجي وتهديد أمن الدولة لا يمثل حلا، بل بالعكس قد يعطي المبررات المختلفة لدفع الاطر السياسية والفكرية في اوساط الشباب الريفي نحو التطرف في ظل تنامي الاحتقان.

نعم التدخل الأمني مطلوب لحماية الممتلكات الخاصة والعامة حين يكون هناك تهديد لهما. و قد يقمع التظاهرات، ويفرض على الناس أن يلزموا بيوتهم، أو يكفوا عن التجمهر والاحتجاج. لكن إلى متى يمكن لتلك المقاربة أن تستمر؟ وهل ينبغي أن تبقى المنطقة قابلة للاشتعال على الدوام؟

إن الحلول الجذرية تمر عبر الحوار الحقيقي مع شباب الريف، لجعل مطالبهم المشروعة أكثر واقعية، وجعل خطابهم السياسي أكثر مرونة. وفي هذا الصدد لا يمكن بالمطلق اعتبار زيارة الوفد الوزاري الأخيرة حوارا، فالأعراف السياسية في معالجة قضايا مثل احتجاجات الحسيمة ومنطقتها الريفية تفرض وضع آليات لها مصداقية لدى المحتجين، وهذا لا يمس في شيء هيبة الدولة، ولا مشروعية المؤسسات.

وفي هذا الإطار، وفي غياب أي دور فعال للأحزاب السياسية، قد يكون المجلس الوطني لحقوق الانسان واحدة من إحدى تلك الآليات المشار أليها. فلو أن هذا المجلس توجه إلى الشباب المحتج وفتح نقاشا واسعا بينهم، واستمع إلى معاناتهم، وجمع مقترحاتهم، وفتح تحقيقا حول الانتهاكات التي طالتهم، وقدم كل ذلك في تقرير رسمي منصف، تجيب الحكومة على عناصره بمبادرات مستعجلة وأخرى قريبة ومتوسطة الأمد، تكون بينها زيارات تفقد الأوراش وتسريع إخراجها في المنطقة، وصاحب الإعلام العمومي كل ذلك بمقاربات تعزز الثقة وتحتوي النفوس، وتجعل المواطنين هناك يحسون أن الوطن يحتضنهم، لكانت الدولة قد أقامت الحجة على شباب الريف.

إن درس الصحراء المغربية ينبغي استحضاره لترشيد تدبير ملف الريف دون خسائر إضافية، بل إن درس الأخطاء القديمة في الريف نفسه كافية لاعتماد مقاربات شاملة تفسح المجال لمبادرات سياسية تتجاوز الاستجابة للمطالب الآنية إلى وضع آليات سياسية محلية دائمة تساهم بشكل فعال في احتواء الوضع، وتصحح خطأ فرض خريطة “سياسة الحزب الواحد”، عجز ضمنها حزب السلطوية عن تحمل مسؤولياته المفروضة، تاركا فراغا ملأه شباب غير مؤطر.