سياسة

قصص وحكايات من البرلمان -2-: سلاح القبلة على الخد يصيب الداودي

نبذة عن الكاتب

محمد مستعد، محلل سياسي. مقدم سابق لبرنامجي “مجلة البرلمان” و”فاعلون” في القناة الثانية، ولبرامج في إذاعة ميدي 1. عمل في عدة صحف وطنية، ومراسلا لوكالة الأنباء الأمريكية في المغرب “أسوشيتد بريس” AP.

مترجم كتب حول التاريخ السياسي المغربي وتاريخ الجمعيات مثل: سيرة “جمال .. من الهجرة إلى التنمية” لمؤلفه “إيف بورون” الصادر عن منشورات “جمعية الهجرة والتنمية” في 2017. و”حكاية آن ماه” (سيرة جنرال مغربي في حرب الفيتنام) لمؤلفه عبد الله ساعف عن منشورات “دفاتر سياسية” في 2007، عن مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية. وهو عضو مركز الدراسات والأبحاث في العلوم الاجتماعية. جامعة محمد الخامس.

تقديم

هذه قصص وحكايات من يوميات عن البرلمان سجلتها على مدى سنوات في إطار مشروع للتأريخ لهاته المؤسسة الأساسية لأي بناء ديمقراطي وذلك من خلال متابعتي لها كمقدم لبرنامج “مجلة البرلمان” بالقناة الثانية وكمهتم ومولع بالشأن السياسي. سجلت، بأقصى ما يمكن من الدقة، في فترة كانت أبواب البرلمان ولجنه عموما، مفتوحة نسبيا أمام الصحافة، قبل أن تصبح مغلقة نسبيا في عصر التواصل والأنترنيت وذلك رغم الإرادات الحسنة لعدد من موظفيها وسياسييها.

القصص الواردة هنا جزء من كتاب عن البرلمان في طور النشر، وهي تحكي، أساسا، مشاهد ولحظات من الضحك والدعابة السياسية المعبرة التي شهدتها قاعات وردهات البرلمان.

الإنسان حيوان ضاحك مثلما هو حيوان سياسي، وإن كان الضحك يظل محاطا بعدة محرمات في السياق المغربي. ليست هناك دعابة مجانية وخاصة في السياسة. فالضحك، حسب رولان بارت، يخفي دائما رغبة في إقصاء الآخر، وهو أسلوب في الصراع السياسي، وإبراز الأنا.

الحلقة الثانية: القبلة على الوجنتين سلاح سياسي فعال في البرلمان

في 2010 كان لحسن الداودي برلمانيا يمثل مدينة بني ملال وأحد قياديي العدالة والتنمية في المعارضة. سياسي له قدرات قوية على المقاومة والجدل في مختلف المناسبات سواء في النقاش السياسي أو في غيره، يمكنه مثلا أن يبقى صامدا وباردا حتى عندما تقبله نائبة برلمانية على وجهه وعلى الوجنتين.

وقع هذا ذات مساءٍ قرب باب القاعة الكبرى للجلسات في مجلس النواب، حيث كان الداودي واقفا يجري حديثا نصفه جد، ونصفه ضحك مع بضعة نواب. وفجأة، جاءت النائبة بثينة العراقي المعروفة عن حزب التجمع الوطني للأحرار ورئيسة جمعية نساء الأعمال. جاءت كالعاصفة برشاقتها وشعرها المسدول وسارعت إلى تقبيل الداودي على وجنتيه رغم أنها تعرف بكل تأكيد أنه حتى السلام باليد هو تقليد شبه ممنوع بين رجال ونساء حزب العدالة والتنمية، فأحرى أن يتعلق الأمر بقبلة.

كان الهدف واضحا من بثينة وهو إحراج لحسن. تلقى الداودي القبلة وسط اندهاش جميع الواقفين، ولم يبد أي انزعاج أو حركة رفض إلا من حرج طفيف يكاد لا يظهر. ثم استمر النقاش بين جميع الواقفين للحظات. والواقع أن دبلوماسية أو بالأحرى سلاح القبلة، أو حتى السلام باليد يستعمل أحيانا بين مؤيدي ومعارضي حزب العدالة والتنمية. وقد سبق أن كشف لي أحد الوزراء الاستقلاليين السابقين، بفخر، أنه يستعمل السلام باليد كسلاح لإحراج برلمانيي حزب العدالة داخل البرلمان.

ابن كيران كان أيضا يرفض السلام على النساء عندما كان زعيما لحركة التوحيد والإصلاح بحيث إنه كان يرفض مجرد ملامسة يد الصحفيات لأخذ الميكروفون من أيديهن لتناول الكلمة خلال الندوات الصحفية، قبل أن يتحول ويتغير جذريا مع السنوات وخاصة عندما أصبح رئيسا للحكومة بل صار بإمكانه أن يقبل النساء على وجوههن كما حصل مع زوجة السفيرة الأمريكي بالرباط.

ولابن كيران اجتهاد خاص حول هذا التحول حيث قال في 2016 خلال لقاء مع طلبة الجامعة الدولية بالرباط. (حسب جريدة الأيام 28 أبريل 2016): “ملي تولي رئيس حكومة وتجي عندك رئيسة حكومة ديال دولة أخرى أو سفيرة، تسلم عليها ولا ما تسلمش؟ … كا تراجع وكا تقلب واش داك شي شاد… أو كا تلقى داكشي فيه كلام”.

ويضيف موضحا في نفس السياق: “غير الوزراء الرجال ديال العدالة اللي ما تايسلموش على الوزيرات ديال العدالة والتنمية. أما وزراء العدالة والتنمية تايسلمو على الوزيرات الأخريات، ووزيرات العدالة والتنمية تايسلمو على الوزراء الآخرين (…) علاش حنا ما تانسلموش على دياولنا؟ راه غير العادة. حشمنا منهم النهار الأول وها حنا باقين حشمانين منهم”.

من قال إن الصراع السياسي ليس له طبيعة إيديولوجية؟ الفرق هو فقط في طريقة تدبيره وخلفيات هذا التدبير وربما الاستغلال لأي هدف ولأي غرض.