منوعات

هل يطبق قانون المالية وباقي القوانين؟

لماذا تصلح القوانين إذا كانت لا تطبق وتخضع للتقييم؟ سؤال جوهري نطرحه اليوم بعد المصادقة على مشروع قانون المالية أهم نص في السنة التشريعية. لماذا يصلح هذا القانون إذا لم يتم تقييم تطبيقه؟ وما هي حصيلة تطبيق القوانين في المغرب عموما؟ هل تطبق منها نسبة 10 أو 80 بالمائة أم لاشيء تقريبا؟

قانون المالية، للإشارة، بضرائبه ونفقاته هو الوحيد الذي يتم تقييمه نسبيا من خلال ما يعرف بقانون التصفية السنوي، لكن عدا ذلك ليس هناك أي تصفية، إذا جاز التعبير، للقوانين الأخرى التي تصدر بالعشرات سنويا. إذا أخدنا قانون التدخين، كمثال، يمكن لأي مواطن أن يلاحظ بأنه لا يطبق ولو بنسبة 1 بالمائة في الأماكن العمومية.

لكن المفروض والسليم والحداثي هو أن يتم التدقيق في هاته النسبة من قبل البرلمانيين أنفسهم بموازاة تقييمات المواطنين وذلك في انتظار أن تصبح هاته الأخيرة ممكنة ومسموح بها عند الإفراج عن قانون يسمح بإجراء استطلاعات للرأي في المغرب، وفي انتظار تفعيل الديمقراطية التشاركية الموعود بها دستوريا.

في التجارب المقارنة، قررت فرنسا منذ سنوات طويلة أن تقوم اللجن البرلمانية الدائمة بمراقبة سنوية لمدى تطبيق جميع القوانين. وهو ما يتم عبر إعداد تقرير عام تتم مناقشته باللجنة وينشر على الأنترنيت، وهي طريقة تسمح للبرلمان بأن يقيم نفسه بنفسه. وقد اشترط المجلس الدستوري الفرنسي فقط في هاته العملية ألا تقوم لجن التقييم بتوجيه أوامر إلى الحكومة بخصوص تطبيق القوانين لأن إعطاء الأوامر ليس من اختصاص البرلمان ولأنه لا ينبغي أن يكون هناك تداخلا في الإختصاص بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وهكذا تقوم مختلف اللجن عند التقييم بإعطاء نسب دقيقة ومرقمة عن تطبيق القوانين. فقد اعتبرت، مثلا، أن نسبة تطبيق القوانين بلغت 62 بالمائة خلال السنة التشريعية 2014 – 2015 وهو ما شكل، برأيها، تطورا مقارنة مع السنة التي قبلها. أي أن الغرض والفلسفة العامة للتقييم هي فتح نقاش دائم وعمومي داخل اللجن البرلمانية حول مدى مراقبة تطبيق القوانين، ثم تقديم ملاحظات وتوصيات لضمان تطبيق أفضل لتلك القوانين في المستقبل وبالتالي تعديل ما يمكن تعديله. فالهدف هو ضمان النجاعة والفعالية تطبيقا لمبادئ وقيم التدبير العصري المعمول به في مختلف المجالات.

أما على المستوى الأوربي عموما، فنشير إلى أن كلا من المحكمة الأوروبية واللجنة الأوربية يسهران على مراقبة مدى التطبيق السليم للقوانين الأوربية في مختلف البلدان الأعضاء في الإتحاد.

في المغرب، من المعروف أن البرلمانيين يطرحون أسئلة عامة على الحكومة حول مدى تطبيق هذا القانون أو ذاك أو حول نواقصه، هذا إذا كان من حظه التطبيق، لكن ليست هناك آليات دائمة ومنهجية لتقييم ومراقبة التطبيق على أرض الواقع. في 2014 أنشئت لجنة جديدة هي لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب وهي مبادرة إيجابية ما زالت في بدايتها كانت ثمرة لشراكة مع مؤسسة ويستمنستر البريطانية. وهي لجنة تركز على “مراقبة وتتبع الإنفاق العمومي للحكومة” أي على كل ما يتعلق بقوانين المالية وقانون التصفية وتقارير المجلس الأعلى للحسابات وغيرها من القضايا المالية. وبالتالي فهي لا تختص بمراقبة القوانين الأخرى.

ويمكن للبرلمانيين التفكير في تولي نفس اللجنة مهمة تقييم جميع القوانين الصادرة عن البرلمان. كما يمكن أيضا، إذا توفرت الإرادة، اقتراح أن تتولى هذه المهمة اللجن الدائمة نفسها بحيث تقوم كل لجنة، على حدة، بإعداد تقارير خاصة بتقييم القوانين التي تدخل ضمن دائرة اختصاصاتها (المالية، الثقافة، الشؤون الاجتماعية، الخارجية…).

ويبقى أن هذا الأفق يرتبط بسؤال جوهري حول دور وصلاحيات البرلمان ككل في ظل تراجع وتزايد الفجوة بين النص الدستوري والممارسة. أي أنه يرتبط بسؤال استراتيجي هو: لماذا يصلح البرلمان؟ الجواب على هذا السؤال يكمن، كما يرى الأستاذ حسن طارق، في “أن ينتزع (البرلمان)، لنفسه مساحة معقولة من الرقابة والتأثير، وسط سيادة دوائر اللامسؤولية داخل بنية السلطة التنفيذية”.

أي أن ينطلق البرلمان من مبدإ أن ما يدرك كله لا يترك جله، وأن يتفاعل مع “ديمقراطية الرأي” التي تطورها وسائل الإتصال الجديدة والتي، عكس ما يرى حسن طارق، لا تقوض وتهدم الديمقراطية التمثيلية بل يمكن أن تعززها وتقويها، وهو ما عرفه المغرب منذ حراك 2011 وما يزال يعرفه في العديد من الأحداث والمحطات السياسية سواء مع حدث مكنسة وزير الرياضة السابق أو غيرها والتي يبرز فيها بوضوح ضغط وتأثير الرأي العام.

خلال الولاية البرلمانية المنتهية، برز بوضوح أن هناك إرادة قوية لمحاصرة البرلمان حتى لا يساير وتيرة وزخم الحراك، بل وحتى ما يسمح بتفعيل الإطار الدستوري الجديد الذي يوسع عموما من صلاحيات البرلمان. إن تعزيز صلاحيات البرلمان بآليات جديدة لمراقبة مدى تنفيذ القوانين بشكل دائم ومستمر هو الذي من شأنه أن يعدل من صورة برلمان ضعيف المردودية التشريعية ومحدود سلطة الرقابة.

“طالبوا بتطبيق القانون، إنها خطوة كبيرة إلى الأمام”. هذه هي النصيحة التي كان يقدمها عالم الإجتماع المغربي الكبير نجيب بودربالة لطلبة القانون حتى يساهموا في الإصلاح خلال ثمانينيات القرن الماضي، وهي النصيحة التي ما تزال اليوم وإلى حد كبير على جدول الأعمال.