وجهة نظر

LE PARTI DRAGON

لا يَتجاوز عُمر التجربة الحزبية ببلادنا سوى خمسة عُقود، وطَبْعَا هَذه فترة قصيرة جدا، مُقارنة بدول عريقة في الديموقراطية.مثل بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا.

ويمكن توزيع هذه العُقُود، بالاعتماد على خُطَاطة اقترحها ناشر كتاب “الأحزاب السياسية المغربية، تعددية تحت المراقبة” للباحث الفرنسي جون كلود سانتوشي، شكلت فيها المَرحلة الأولى، قيام الأحْزاب السياسية بمهمة مُواجهة الاسْتعمار، وطبعا لَمْ تَنْجح هذه المهمة مائة بالمائة، بدليل مَا وَقَع من خلاف فيما بين الأحزاب الوطنية بشأن اتفاقية إكس ليبان، وعرفت المَرْحلة الثانية توترات سببها انخراط هَذه الأحْزاب السياسية في مُوَاجَهة مع سلطة المخزن، ليتعرض جزء من هذه الأحزاب السياسية لعملية القَمْع، وطبعا تمت عملية احتواء جُزْء آخر منها، بينما كان التجاهل هو السياسة التي تم التعامل بها مع صنف ثالث من الأحزاب، وفي مَرحلة ثالثة، بدأت تظهر فيها إرْهاصات التصالح أو”التوافق” بالتعبير السائد في تلك الفَتْرة، الذي تم مع قَبُول المُراجعة الدستورية لسنة 1996، الذي مهد الطريق لتجربة التناوب التوافقي.

إلا أن ذَلك لم يكن كافيا فوقعت منازعة جديدة، بدأت تتدحرج مثل كرة الثلج فظهرت بشكل جلي في الحراك الشعبي ل20 فبراير 2011، وبتوافق بين الدولة والمجتمع تمت مصالحة جديدة كان عنوانها المراجعة الدستورية التي تمت في نفس السنة، ثم إجراء انتخابات سابقة لأوانها، حَصَل فيها حزب العَدالة والتنمية على أغلبية مقاعد مجلس النواب، بالنظر إلى شعبيته وسطوع نجم أمينه العام عبد الإله ابن كيران، إلى جانب تجربته في المعارضة، ورفعه شعار النضال الديموقراطي، ثم شعار الإصلاح في إطَار الاسْتقرار.

ويمكن القول بدون مبالغة أن عاطفة بأن حزب العَدالة والتنمية، شكل مرحلة رابعة في تاريخ الظاهرة الحزبية بالمغرب، وشكل رافدا مهما للتعددية الحزبية بالمغرب حيث تمكن من ضخ دماء جَديدة في الحياة السياسية، وحرك بحيراتها الراكدة، وأشعل نيرانها الخامدة، وتمكن منتخبوه ومنتخباته من إقناع مجموعات كبيرة من الناس للعودة إلى الاهتمام بالسياسة وشُؤونها، وبعد قيادته لتدبير الشأن الحكومي، بشراكة مع أحزاب أخرى، حصل للمرة الثانية على أغلبية مقاعد مجلس النواب عقب إجراء انتخابات 7 أكتوبر 2016، التي اختار فيها رفع شعار مواصلة الإصلاح، بعد حصوله على الرتبة الأولى تم تعيين أمينه العام رئيسا للحكومة من قبل جلالة الملك محمد السادس، فشرع في المشاورات، وبعد مرور أزيد من شهرين لم يكن ابن كيران أن يتوقع بأنه سيجد نفسه أمام ما سماه صديقي المهتم بالسياسة بــ”حزب التنين”، هذا الكائن الذي تحكي عنه الأساطير القديمة، وتقول بأن له رُؤُوس متعددة، والذي يواجهه ما أن يظن بأنه انتهى حتى يخرج رأسا جديدا، مما يتطلب مُواجهة جديدة، مع توقع ظهور رؤوس أخرى، وفي هذا بطبيعة الحال تمييع للحياة السياسية، التي تفقد أي معنى، فيفقد معها الناخبون شهية الإقبال على السياسة، مما يؤدي بهم إلى العزوف والجلوس في منازلهم، بينما تخصص الدولة ميزانية محترمة تصرفها في الحملات الإشهارية من أجل دعوة المواطنات والمواطنين إلى التسجيل في اللوائح الانتخابية والتوجه إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت، لأنه لا يمكن الحديث عن ديموقراطية بدون ديموقراطيين يقبلون بنتائج الانتخابات، كما أنه لا يمكن أن تتم المنافسة الانتخابية بدون أحزاب لها امتداد في المجتمع، ليس مثل حزب التنين.

هذه الأحزاب لا تحتاج إلى من يقدم لها نصائح بأن تقبل بنتائج العملية الانتخابية بكل روح رياضية، يمكنها اللجوء إلى المُناورات للدفاع عن مصالحها بوجه مكشوف، لكن لامَعنى لمحاولات نيل الحصة الأكبر من الكعكعة الحكومية، وإلا ما معنى أن تجري بلادنا انتخابات، وتتم إضافة الاختيار الديموقراطي ثابتا رابعا في الدستور بعد الإسلام والملكية والوحدة الترابية ؟ وما معنى أن تشتغل الأحزاب طيلة الولاية في التدبير الحكومي وتدبير الشأن المحلي و”تقطع الصباط” في التواصل السياسي، وبعد حصولها على الأغلبية، تنبت رؤوس جديدة لحزب التنين، ليأخذ ما يريد بالطريقة التي يُريد.