منوعات

مستعد يكتب: صحافة الجنس و”الخواء” والتقارير الدولية حول المغرب

ثلاثة وقائع عرفها المغرب مؤخرا تؤكد تراجع حرية الصحافة بالبلاد: أولا، صدور تقرير منظمة فريدوم هاوس الأمريكية. ثانيا، صدور تقرير منظمة مراسلون بلا حدود الفرنسية. والتقريران يؤكدان معا أننا نصنف ضمن الدول غير الحرة، وأننا نأتي في المرتبة السادسة بالمنطقة العربية بعد تونس ولبنان والكويت بسبب تراجع البيئة القانونية والسياسية بالمغرب والتهديدات التي يتعرض لها الصحفيون. وهو ما يعني أن الأمريكيين والفرنسيين، وهما من أقرب حلفائنا، سيضعوننا تحت المراقبة والابتزاز.

الحدث الثالث هو طرد صحفي إيطالي أنجز تحقيقا تلفزيا حول السياحة الجنسية في مراكش وعقابا له، تقرر منعه من دخول المغرب. وهو إجراء يطرح عدة تساؤلات: هل ما زال من المفيد في عصر الأنترنيت أن يغلق المغرب حدوده أمام الصحافة العالمية؟ هل نريد أن نصبح مثل كوريا الشمالية أو اليمن؟ وهل سينضاف الجنس إلى اللائحة القانونية الطويلة للرقابة بالمغرب؟

إن منع الصحافيين لن يمنع أبدا من وجود ظاهرة الدعارة والجنس. والدليل هو فضيحة أستاذ في كلية تطوان فضحه الأنترنيت وهو يبتز طالبات طبقا لمبدأ لخصته الصحافة تلخيصا جيدا هو مبدأ: “النقاط مقابل الجنس”. وهي ظاهرة أخلاقية مثل الرشوة كان على المجلس الأعلى للتربية والتكوين أن ينتبه إليها كثيرا في تقاريره وألا يخاف من التطرق لها. فمن سنطرد من المغرب في هذه القضية؟ الأستاذ؟ أم الطالبات؟ أم الذي صور الفضيحة ونقلها عبر الأنترنيت؟!

والحقيقة هي أننا لم نكن لنقع في ما يسمى بالفضيحة الإيطالية المراكشية لو كانت التلفزة المغربية تقوم بدورها. فمستوى الحرية والجودة في هاته القنوات، رغم الكفاءات الموجودة بها، يتراجع يوميا بعد أن غزتها المسلسلات التركية وبرامج الترفيه عوض التثقيف. وأصبح واضحا غياب استراتيجية شمولية وعقلانية في الإعلام الرسمي وطغيان المقاربة الأمنية. وهو ما أدى، في الواقع، إلى نتيجة عكسية تماما وهي هروب المغاربة من متابعة هاته القنوات، وأدى بالتالي إلى تهديد الأمن الإعلامي للبلاد باعتراف المسؤولين الحكوميين أنفسهم.

في كتاب حول التلفزة يقول بيير بورديو: “عندما تركز التلفزة على أخبار المنوعات، وعندما تملأ هذا الوقت ذي القيمة العالية بالخواء، أو بما يشبه الخواء، فإنها تستبعد الأخبار الهامة التي ينبغي أن يحصل عليها المواطن ليمارس حقوقه الديمقراطية”.

من الإيجابي اليوم أن أصوات بعض الصحفيين بدأت ترتفع للتحذير من خطر تراجع مستوى الصحافة واعتداء عدد من التجار والسياسيين على مهنة نبيلة وأساسية للبناء الديمقراطي. وبداية “عودة الروح” هاته إلى المهنيين يعتبر تحولا يحتاج إلى أن يواكبه أولا تنظيم المهنة، وثانيا انفتاح الصحفيين على قطاعات أخرى قريبة واستراتيجية في مقدمتها الثقافة والتعليم.

إن تنظيم المهنة هو الكفيل بمعالجة مشاكلها الكثيرة التي تفاقمت خلال العشر سنوات الأخيرة. وقد اتضح ذلك خلال الإنتخابات التشريعية مع مسلسل تعطيل تشكيل الحكومة. وتنظيم الصحافيين لمهنتهم للدفاع عن قضاياهم وعن حقهم في التعبير يطرح ضرورة مراجعة دور الأطر المهنية والنقابة رغم أن نقيبها نفسه يتعرض للمحاكمة فقط لأنه قال إن وزارة الداخلية تتدخل في الإنتخابات وهو ما يشكل في حد ذاته تراجعا كبيرا يذكر بسنوات الرصاص.

لا يمكننا بناء الديمقراطية بدون فتح حوار وطني حول المهنة لأن هناك اليوم “حاجة ملحة إلى الإنكباب على القطاع برمته، ومعالجة أمراضه بكثير من العمق والجدية وبعد النظر”، كما يقول الزميل محتات الرقاص. وهي أمراض بدأت تمس أيضا القطاع الثقافي والفني عموما. وهو أمر طبيعي لأن الإعلام والثقافة وجهان لعملة واحدة.
ولا يمكن التعويل كثيرا وبسذاجة على الدولة للإصلاح لأنها سترغب دائما في السيطرة على الصحافة، وستعمل باستمرار على زرع الفوضى في هذا القطاع لمنع بروز سلطة رابعة. بعد تشكيل الحكومة مؤخرا، أعلن وزير الثقافة والإتصال محمد الأعرج أن مجهودا بذل للإصلاح، وينبغي مواصلة ذلك في المستقبل عبر “تنزيل المقتضيات الدستورية الخاصة بالحقوق والحريات العامة (…) وتجاوز كل الإشكالات التي تتخبط فيها الصحافة والعاملون في هذه المهنة”.

ولكن المشكل الكبير يكمن بالضبط في التنزيل السليم أو في التفعيل الحقوقي للدستور. فتعديل قوانين الصحافة لم يمنع من تراجع منسوب الحرية والمهنية بشكل فظيع مع تطور صحافة الدم والجنس والكذب والحروب السياسية بالوكالة. وحدها بعض المنابر المستقلة تحاول جاهدة حماية هامش الحرية والجودة رغم الضغوط المتعددة السياسية والاقتصادية.

ومن جهة أخرى، أين هو الحق الدستوري في المعلومة في مشروع القانون المجمد حاليا بالبرلمان والذي رفضته كل الجمعيات والمهنيين وفي مقدمتها ترانسبارنسي؟ كيف سيعمل السيد الوزير، وهو أستاذ القانون العام، على تفعيل هذا الحق علما أن حزب الحركة الشعبية كان من الفُرق التي عملت سابقا على عرقلة مسلسل التشريع في هذا المجال عندما وضعت في البرلمان مقترح قانون هدفه فقط هو تأخير صدور قانون الحق في المعلومة.

إن ربط الثقافة بالإعلام في هيكلة الحكومة أمر معقول وإيجابي نظريا، ولكن كم من ربط يراد به باطل. والدليل هو أن ربط هذين القطاعين كانت نتائجه في السابق سلبية تماما خلال حكومة عبد الرحمان اليوسفي المعروف بمساره الصحفي والحقوقي. والواقع أن الأمر يتجاوز اليوسفي والخلفي والأعرج ويرتبط بالدولة العميقة وبإشكاليات مسلسل الدمقرطة المتعثر الذي ما زال بعيدا كل البعد عن المس بمجال الإعلام.

لم تعد الرقابة اليوم تجدي نفعا في عصر الأنترنت. والحل ليس في الرقابة بل في مناقشة المواضيع بشكل مفتوح وحر حول كل المواضيع، وفي التربية على المواطنة. لا يهم في العمق أن يتحسن وضع المغرب في المؤشرات العالمية لحرية الصحافة وفي نظرة الآخرين إلينا، فالأهم هو أن نتحسن في نظر أنفسنا أولا وأخيرا. وإذا تحقق ذلك سيمكننا، وبشكل ميكانيكي ومترابط، أن نحقق الهدف 16 من أهداف التنمية المستدامة التي حددتها الأمم المتحدة ووافقت عليها الدول الأعضاء ومن بينها المغرب. وهو هدف ينص على أهمية الحق في الوصول إلى المعلومة وفي الحريات الأساسية ومن بينها حرية التعبير.