منتدى العمق

شعبان وموازين والموازين القسط

عندما غنت دجينفر لوبيز في دولة أندنيسيا غنت بلباس محتشم تماشيا مع أعراف وتقاليد ودين الدولة ومراعاة لمشاعر المسلمين، وكان قد صرح السيد تشيري إبراهيم مدير مشروع “دياندرا بروموسيندو” أن لوبيز وافقت على ارتداء ملابس محتشمة نسبيا بما يراعي الحساسيات الإسلامية. مما يعني أن من حق المنظمين أن يشترطوا ما شاؤوا من شروط تماشيا مع أعرافهم وتقاليدهم وطبيعة نظام دولتهم، وحتى لا يدخلوا دولتهم في صراع داخلي مجاني هم في غنى عنه.

وفي تونس الخضراء سعى وزير الثقافة الأستاذ مهدي مبروك إلى الارتقاء بمهرجان قرطاج وتحويله من مهرجان الخزي والعار إلى مهرجان مشرف بتونس الإمام أبي سعيد عبد السلام التنوخي سحنون وأبي زيد القيرواني وفرحات حشاد والطاهر بنعاشور… وقد صرح قائلا أثناء إشرافه على أول مهرجان من مهرجانات قرطاج: حتى تكون خشبة المسرح تليق بتونس وثقافة تونس، لن يتحول قرطاج إلى مهرجان للعري، كما كان في السابق. وعندما تحدث عن منع إليسا ونانسي عجرم من العودة مجددا إلى مهرجان قرطاج كان جوابه بأن قراره بمنع نانسي وإليسا هي “ديكتاتورية الذوق السليم”، مؤكدا وجود فنانين حقيقيين مثل لطفي بوشناق ولطيفة، واصفا وجودهم بأنهم “على رأسه من فوق”. وأشار مبروك إلى أنه يخشى من تكرار تحول الحفلات إلى العري، وخلق صورة سلبية عن سيدات تونس. فتم استبعاد نانسي عجرم وإليسا وفضل شاكر وتامر حسني ومارسيل خليفة وماجدة الرومي فعمل السيد الوزير كل جهده حتى يحسن من مستوى المهرجان بعدما انحدر في ظل النظام التونسي السابق.

فدجينيفر لوبيز التي غنت بأندنيسيا بزي محتشم واحترمت تقاليد ودين الدولة والأمة، غنت في بلادي وهي ترتدي بدون ملابس، فغنت بلباس ربما لا تلبسه في مهرجانات بلادها المكسيك، والسؤال المحير هو لماذا؟ فيما تتميز أندنيسيا عن المغرب؟ هل هي أكثر تدينا منا نحن بلاد المرابطين والموحدين؟ وفيما تتميز عنا تونس؟ لقد كان علماؤنا هم أنفسهم علماءهم وعلماؤهم هم أنفسهم علماءنا ولم نشعر يوما أننا نختلف في شيء، فالقرويون شقيقة للزيتونة وفاس شقيقة للقيروان، أليس القفطان المغربي شرف لكل المغاربة؟ أليست التكشيطة المغربية هي ما تلبسه المغربيات في كل الحفلات الرسمية وغير الرسمية؟ ألم نجعل العديد من نساء العالم من مختلف المجالات دبلوماسية وثقافية وفنية وعلمية تلبس القفطان المغربي؟ أليس المغرب في عمق تاريخه يعرف بحشمة ووقار نسائه ورجولة رجاله؟ أم أن المسألة فيها خلاف فقهي كما قال السيد وزير الأوقاف؟
لا شك أن المنظمين قد دخلوا في صراع إعلامي نظرا للضجة التي أحدثها معارضوه، وكرد فعل وقع التصعيد والمبالغة في تعرية المغنين، والتحكم في لباسهم ومباغثة المغاربة على المباشر حتى تفر الجموع العائلية وتولي الدبر.

إن المغرب منذ القرن الثاني الهجري إلى الآن وهو يزخر بكل ما يجعل هذا الوطن وأهل هذا الوطن مرفوعي الرأس أمام جميع الدول، فمن حيث البطولات فالمغرب لا نضير له، ومن حيث العلم فالمغرب منه كانت تشرق الشمس حتى استغرب المشارقة وقالوا يا عجبا كيف تشرق الشمس من المغرب، ومن حيث الصناعات ومختلف الفنون فالمغرب كان عبارة عن مصانع وجنات وبساتين لا يوجد فيه فقير واحد يقبل الزكاة كما لم يوجد فيه ذوو الأذواق الفاسدة والهابطة مما فرض على جميع الدول أن تنحني إجلالا واحتراما للمغاربة الأسياد، ومن حيث الزراعة والتجارة فالمغرب أسس أنظمة زراعية مخبرية منذ القرون الأولى، وأوجد له أنظمة مالية بما يشبه الأبناك، ومن حيث الأنفة والرجولة والعزة والكرامة فبمجرد وصول رسالة تظلم واستنجاد من أوربا كانت تجهز الجيوش وتبنى السفن، ومن حيث الرجال فحدث ولا حرج فالعدل حكمهم، والسوية قسمتهم، والرحمة خلقهم، والتعاون ديدنهم، وهم الأشاوس الكواسر عند اللقاء، دكوا حصون الأعداء، وشتتوا شمل البغاة، فنصروا المظلوم وأعانوا الضعفاء وأخذوا بأيديهم، وضربوا على أيدي الظالمين. أمدوا في عمر الحضارة في الأندلس لقرون بعدما أوشكت أن تسقط بفعل اهتمام أهلها بالأوتار والغناء وتركهم للجهاد والعلم والعمران والفن والصناعات.

إن بلادنا ابتليت بلاء جعلها كالسفينة، هناك من يجمل هذه السفينة ويرممها ويحسنها ويضيف إليها مقومات العيش السليم ويوفر لها وسائل النجاة كي تستمر الحياة ويستمر البناء والتحدي والصمود لكثرة الأعداء المتربصين بها، وهناك من ينخر هذه السفينة من أسفلها يريد إغراقها، وهو في غفلة من أمره، لا يعلم أن أعداء وطننا يروقهم أن يروا وطنا غارقا في اللهو والعبث ومستهترا بالعري والخمر والمجون، فهؤلاء يشتغلون بمنطق كأنهم أدوات مسخرة في أيدي الأعداء في إلهاء الشباب وإبعاده عن الدين وعن العلم والمعرفة وما ينفع البلاد والعباد، كما يروقهم أن يروا بلادنا تشن الحرب على شعائر الله فتستقبل رمضان بأقبح وأخبث ما يكون الاستقبال في شهر له حصته من القداسة والاعتبار “شعبان” الذي وردت فيه أحاديث جمة صحيحة، بعيدا عما صنعه الجهال بجهلهم من بدع وخزعبلات، ويكفيه شرفا أنه شهر ترفع فيه الأعمال إلى الله، فهل سنرفع نحن المغاربة فيه مهرجان موازين؟ وكي نربط بين موازين ورفع الأعمال في شهر شعبان نختم الحديث بقوله تعالى: (ونضع الموازين القسم ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين).