منتدى العمق

الدجل السياسي وحراك الريف

إذا كان من مزية لحراك الريف فهي ولاشك إسقاط قناع الزيف عن القيادات السياسية وإظهارها بمظهرها الحقيقي، فبعد الزلاّت المتتالية المشحونة بعبارات آثمة والتي غرفها المسؤولون الحكوميون من قاموس الوأد والتخوين والتي سيشهد التاريخ على أنها الدليل الأكبر على الصبيانية السياسية لمن يفترض فيهم التحلي بالحكمة في تدبير مثل هذه الأزمات، ورغم حملات القمع والاعتقالات الجماعية وشتى محاولات التسفيه، ما تصدّع المحتجون وما فترت عزيمتهم.

لقد أربك حراك الريف كل الحسابات وبعثر الأوراق كلها، وكان من بين تجلياته أن هبت بعض القيادات السياسية المحسوبة على المعارضة والتي كانت تطمح في أن تصبح الفارس المغوار للمعارضة السياسية في المغرب بعد أن تم حشر أغلبية الأحزاب في ائتلاف حكومي لا طعم ولا لون له ، وبعد أن صمّتْ آذانها وخلدت لسباتها وهي مطمئنة أنها مسالة وقت وسيمرّ الحراك كالسحاب دون أثر يذكر ، لكن بعد أن اتضح وبشكل جليّ أن ابتذال الحراك ومطالب ساكنة الريف لم يعد يجدي نفعا بل تعداه لكي يجعل منه نبراسا وشعلة ألهبت حماس مناطق أخرى طالها الإهمال والتهميش، أنذاك تولى كبيرهم وفي نفسه شيء من حتّى مهمة نثر تصريحات متباينة في جرائد ووسائط إعلامية شتى افتتحها بنوع من البارانويا السياسية معتبرا أن الحراك يستهدفه شخصيا ، ليتدارك بعد ذلك في شوط آخر من الأشواط الصحفية التي توالت في وقت قياسي متقمصا دور المتعاطف مع مطالب ساكنة الريف ومؤيدا لها، بحثا في ذلك عن طوق نجاة ينقده و عشيرته السياسية من الابتذال ، وراح هو وصحبه ذو البيان المعهود في استيهامات تتراءى للراصد على أنها من قبيل الاستعطاف، وذلك حين يُلوّحان بكونهما من أبناء الريف ومن صُلبه وتُربه، وذلك في مسار عنوانه التيه في دروب البهتان اختير له كخلاصة تنظيم مناظرة من أجل الريف في محاولة لإيهام الرأي العام على أنها المصل السحري لحل كل المشاكل التي تراكمت عبر السنين في هذه المنطقة، متناسين أن كل ما نُظم من المناظرات المعدودة والمتعددة في بلادنا طيلة عقود طويلة وحول مواضيع مختلفة لم يأت بنتائج تُذْكر، سوى تدبيج بيانات رنانة ونداءات تسويفية.

لا تفسير في نظري لهذا السيل من التلاوين السياسية وبعض المبادرات الأخرى سوى أنها تصب في مبتغى الحاكمين الذين وقعوا في حيرة من أمرهم ويسعون لنزع فتيل الغضب وخلق شرخ في صفوف المحتجين طالما أن الإرادة السياسية الحقيقية في إيجاد حلول جادة لمشاكل ساكنة الريف وغير الريف غائبة ومساءلة المسؤولين عن تأزيم الوضع غير واردة ، ولا يريدون أن يضعوا في حسبانهم على أن استشراء الفساد في دواليب السياسة والاقتصاد ونهب المال العام والإفلات من العقاب يهدد بلادنا بانهيار اقتصادي وسياسي ولن ينفع بعد ذلك كل أنواع الدجل السياسي والاجتماعي مهما بلغت عبقرية تلاوينه.