وجهة نظر

بين حراك 20 فبراير وحراك الريف: الثوابت والمتغيرات..

اعتقد الكثير من المسؤولين في المغرب، بأن الرجة الثورية لشباب الوطن تراجعت وقريبة من الإنعدام، لهذا رجعوا إلى المشهد مزيدا في فساده وإعمار جيوبهم بثراوات الشعب، لكن ما وقع من أحداث واحتجاجات اجتماعية أخيرة خيبت ظنونهم وبقوا مستكني جحورهم، فواهم من يعتقد بأن الحراك المجتمعي في المغرب لم يعد قادر على الإحتجاج، وواهم من يرى بأن 20 فبراير والحركات الإحتجاجية أُقبرت ولم تعد قادرة للشارع، واهم من يظن بأن المغرب سيبقى في الاستثناء مهما كانت الظروف، فالمغرب لا زال على صفيح ساخن، وستزداد سخونيته في الايام والسنوات المقبلة إذا استمر المجانين معنا بلعبهم، مجموعة من الفرضيات والأسئلة المقلقة سأحاول أن أدلو بدلوي فيها، لعلني ألامس الصواب وأنبه المغامرين بالمغرب في هذه الظرفية.

20 فبراير في 2011، كانت جريئة وخرجت للشارع ولم تعرف مآل خروجها، وصمدت حتى بعد 25 نونبر. وإلى يومنا هذا لا زالت مطالب أغلب الحركات الإحتجاجية بالمغرب ( 20 فبراير، حركة باراكا…) قائمة وتدعو الخروج مرة أخرى إلى الشارع، فما “مسيرة 11 يونيو” لهذه السنة سوى استمرار لحراك 2011. حتى لا يعتقد الذي رُفعت ضده شعارات ولافتات آنذاك أننا اجتزنا هذه المرحلة دون حرج، فما دامت المنطقة غير مستقرة سيبقى الوضع في المغرب قابل للإشتعال والإحتراق في أي وقت، وهذا طبعا بفعل التهور والسعار الذي أصاب وسيصيب مجموعة من رجالات السلطة والتحكم.

حراك الريف يشبه شيئا ما حراك “البوعزيزي” في تونس، هذين الحركين في بدايتهم كانا حراك اجتماعيا، يهدفان إلى تحسين القدرة الشرائية ورفع الظلم والحكرة على المواطن، لكن تصرفات غير معقلنة لرجال السلطة في تونس أدت إلى ما أدت إليه، وإذا سلكت السلطة المغربية سابقتها، فسنن التاريخ لن ترحم أحد. لهذا قليلا من التعقل في ملف “أحداث الحسيمة”.

فالكثير من سلوكات رجالات السلطة المغربية تدعو إلى القلق، فكم من مواطن حرق نفسه أو حاول الإنتحار. أتى هذا بعد أن شعر بالضيق والحكرة من طرف المخزن، هذه التصرفات إذا استمرت فأصحاب الضمير الحي والأحرار في هذا الوطن سيخرجون إلى الشارع، وسيخلقون حركات احتجاجية شبيهة ب” 20 فبراير”، لكن هذه المرة ستكون المواجهة ليس فقط مع المفسدين والتحكميون الذين رجعوا للمشهد السياسي بعد مطالبتهم بالرحيل، لكن المواجهة كذلك ستكون مع رجالات السلطة الذين يمثلون المخزن، وسيكون الوضع مختلف تماما على 2011، وسيكون مآل الحراك مختلف إلى ما آلات إليه الأوضاع السياسية من قبل.

عودة التحكم واللذين يريدون الهيمنة على المجتمع المغربي في كل مجالاته، وأصحاب ثقافة الحزب الواحد، يسائلنا جميعا؟ ما الذي وقع لنا حتى سمحنا لهم بذلك، أم أنهم تراجعو خطوة للوراء ليتقدمو خطوتين إلى الأمام كما قال إلياسهم بأن التراجع طُلب منهم في 2011، أم أن هؤلاء اعتقدوا بأن وضع 2011 تغير على وضع 2017، وأن بنية المجتمع تحولت. أكيد أنهم واهمون إذا اعتقدو ذلك، فالذي خرج في الربيع المغربي لا زال متعطش للشارع، ولا زالت أغلب مطالبه عالقة لم تتحقق، فالخروج كان من أجل الحرية والكرامة والعدالة الإجتماعية واحترام إرادة المواطنين، هذه هي أبرز مطالب 20 فبراير. فالتحكميون والتسلطيون عادوا من جديد بعدة آليات، خرجاتهم المتكررة هذه الأيام حول أحداث الريف التي هم السبب في وقوعها عليها استفهام، هؤلاء عادو بعدما هربوا من العافية في 2011، منهم من استوعب الدرس وتخلى عن السياسة، لكن منهم من رجع بقوة يريد أن يأكل الأخضر واليابس، لهؤلاء التحكميون الجدد نقول لهم ” مامفاكينش حتى تحرير المجتمع من أمثالكم”. وأن المجتمع المغربي وَلد من 2011 إلى يومنا هذا آلاف الأحرار الذين لا يقبلون التسلط والحكرة واللعب بإرادتهم.

في 2011 كان سؤال المخزن والدولة العميقة من المُنقذ من هذه العافية؟ ولم يجدو سوى حزب العدالة والتنمية، في مقدمتهم ” الأستاذ عبد الإله بن كيران” الذي جمع بين الإصلاح والإستقرار. واليوم، بعد أحداث 7 أكتوبر وإعفاء الأمين العام ” للبيجيدي” بتلك الطريقة، حكمت الدولة على نفسها بأن وصفة 2011، غير صالحة في 2017. فلا يمكن لما شهدناه من مذبحة ديمقراطية بدأت ملامحها منذ 2015، أن يمر بسلام، فالشعوب خرجت من أجل الحرية والديمقراطية والتنمية، “فلا تنمية بدون ديمقراطية”، و”لا ديمقراطية بدون حرية”، ولهذا على المخزن أن يؤدي الثمن لما قام به.

فبعد هذا كله، واستحضارا لسنن التاريخ، ينبغي للمرفوضين اجتماعيا أن يستوعبوا بأن الوحيد الذي لديه قوة احتجاجية كبيرة في المغرب هو التيار الإصلاحي، التيار الذي يجمع بين الديمقراطية والحرية والتنمية، فمن أراد أن يبقى المغرب استثناء في المنطقة، فما عليه سوى احترام ذكاء المغاربة وأصواتهم داخل الصناديق، فلا يمكن ولا يعقل أن نظغط على زر ” بن كيران” ويطلع ” أخنوش”. فحينما يكون المغرب بزيرو متحكم ومستبد، آنذاك تبقى نظرية ” الإصلاح في ظل الإستقرار” لها معنى، وإذا وُجد العكس، أكيد لن يبقى لا استثناء مغربي ولا تجربة فريدة في المنطقة، سنصبح كإخواننا ” لا إصلاح ولا استقرار”. لهذا أقول “الحذر الحذر” للاعبين بالنار في هذا الوطن.