وجهة نظر

الأمازيغية في الدولة العكاشية

“هضرو بالعربية” هو كلام يجب ان يدخل ضمن الألفاظ التي تجسد آخر ما تبقى من العنصرية في العالم. هو كلام أمر به حارس سجن عكاشة أحد المعتقلين وعائلته التي سافرت من الريف إلى البيضاء حيث السجن السيء الذكر لزيارة فلذة كبدها. عائلات لا تتكلم العربية الدارجة ولا تفهمها اطلاقا خاصة الآباء والأمهات. وحارس السجن لا يريقه ذلك وأمرهم أن يتحدثوا لغته هو. هل هذا السلوك له معنى آخر غير العنصرية.؟ هل هو تعامل معزول واستثنائي أم أنه يتكرر دائما ضدا على الأمازيغ الذين يتم إجبارهم بالتحدث بالعربية رغما عنهم داخل المؤسسات العمومية والخصوصية؟

لقد سبق الأستاذ حسن ادبلقاسم في سنوات الجمر والرصاص أن عاش نفس التراجيديا مع والدته داخل السجن خلال زيارتها له حين كان معتقلا بسبب نضاله في صفوف اليسار ابان السبعينات، وأرغم حراس السجن على والدته التكلم بالعربية وهي لا تعرف الا الامازيغية. وبسبب هذا السلوك خرج ادبلقاسم من السجن وأصبح مناضلا امازيغيا بعد أن دخله كمناضل في صفوف اليسار.

وبسبب ذلك الميز العنصري الذي مورس على والدته داخل السجن، أسس ادبلقاسم مع ثلة من أبناء الهوامش والبادية بمدينة الرباط أكبر جمعية أمازيغية نهاية السبعينيات وهي منظمة تامينوت التي انتشرت فروعها في مختلف المدن والقرى وكان لها الدور الكبير ولازال في نشر الوعي بالقضية الامازيغية في صفوف النخب والشباب والأطفال.

أما ادبلقاسم فقد أدخل الحقوق الامازيغية اللغوية والثقافية لأول مرة بمعية الأستاذ أحمد الدغرني إلى الأمم المتحدة في مؤتمر جنيف سنة 1994 وما زال النضال والترافع على المستوى الدولي وهيئات الأمم المتحدة مستمرا إلى اليوم بل أصبح حسن ادبلقاسم خبيرا أمميا في قضايا الشعوب الأصلية. كما نشير إلى أنه هو نفسه المحامي الأول الذي كتب لوحة إسم مكتبه بحروف تيفناغ وسبب له ذلك مشاكل كثيرة مع السلطات إبان سنوات الرصاص.

تصرفات الدولة وموظفيها تجاه الامازيغية كثيرة جدا ومستمرة، في الحقيقية هي سلوكات تمييزية تترجم سياسة الدولة في هذا المجال، التي وضعت اللغة العربية والفرنسية في الصف الأول صف الريادة والإدارة والإعلام والمجتمع وهي لغات الدولة أما الامازيغية التي هي لغة الوطن فينظر إليها بازدراء واحتقار وأنها تعيق التقدم والتطور وما هي إلا لهجات يجب أن تنمحي.

هذه هي النظرة الدونية التي تسوقها الدولة عبر وسائلها الأيديولوجية، في الإدارة والمدرسة والإعلام، وحتى الأحزاب والنقابات والجمعيات وكل الطيف السياسي والمدني والاجتماعي لعب نفس الدور الذي يلعبه المخزن. هذا الأخير ومعه ما يسمى الحركة الوطنية أدخلوا الامازيغية منذ اليوم الأول بعد الاستقلال الشكلي ضمن مجال السيبة، الذي من شأنه تهديد الوحدة الوطنية ويشوش على الثقافة المخزنية الممركزة حول أحادية اللغة والدين والهوية.

رغم ترسيم اللغة الامازيغية في دستور سنة 2011 ورغم كل ما تحقق من مكتسبات في مطالب الامازيغية، إلا أنه نسجل استمرارية النظرة الدونية والتحقيرية تجاه الامازيغية، فجذور هذه الثقافة التمييزية راسخة ومنغرسة في عقل الدولة ومؤسساتها وسائدة في المزاج العام وعقلية المغاربة، فيصعب عليهم تقبل ثقافة المساواة بين اللغتين الرسميتين العربية والأمازيغية.

نعلم أن الآلاف من الحالات التمييزية تتكرر يوميا داخل المحاكم والمستشفيات والإدارات العمومية وداخل البنوك والشركات الخدماتية. الكثير من الأمازيغ لا يفهمون ولا يتحدثون الدارجة ويجدون أنفسهم في أوضاع حرجة وقاسية جدا يلتجؤون في الغالب إلى لغة الإشارات أو ينسحبون دون ان تقضى أغراضهم ومن يريد معرفة المزيد من هذه الحالات عليه زيارة مركز صحي في إملشيل أو تتغير أو إفني أو أكادير أو الحضور في جلسات المحاكم في تزنيت أو مراكش أو الحسيمة أو الخميسات أو الراشدية.

الدولة وهي تتابع حراك الريف وامتداداته في امنتانوت وطاطا وتنغير وأكادير والبيضاء والرباط وتازة، لا تريد أن تفهم أنها تعاني مشاكل ثقافية لها علاقة بالهوية. كل ما يؤرق الدولة هو تلك الأعلام التي يحملها المتظاهرون في الريف وغير الريف.

إن سلوك حارس السجن بإرغام واجبار العائلات الريفية بالتحدث بالعربية وعدم التحدث بالأمازيغية -تاريفيت- يجيب على أسئلة المحققين عن أسباب حمل المحتجين بالريف للأعلام الامازيغية. ويسجل التاريخ أن مسار الحركة الامازيغية بالمغرب هو مسار شاق وعسير، موسوم بالسجن والاعتقالات منذ ازايكو في بداية الثمانينات ومعتقلي كلميمة سنة 1994 إلى اعتقال مناضلي الحركة الثقافية الامازيغية مصطفى أوسايا وحميد أعضوش سنة 2007 إلى اعتقال مناضلي ونشطاء حراك الريف.

في سنة 1981 حين اعتقل المناضل الأستاذ صدقي علي أزايكو بسبب كتابة مقال حول الامازيغية …كتب الشاعر المؤرخ داخل زنزانته ديوان شعري سماه ايزمولن وفيه قصيدة رائعة معنونة ب تاونزا مطلعها:

أوال نغ كان امازيغ

اور تنيري يان …