وجهة نظر

صلاح الدين الأيوبي وتهافت يوسف زيدان 6/3

يهمنا كثيرا في هذا الرد على مزاعم يوسف زيدان بخصوص الناصر صلاح الدين الذي نستكمله اليوم أن نبرز أن أصل صلاح الدين البيولوجي، لا ينفي انتمائه القومي لنا، لأنه عقديا وثقافيا قائد عربي مسلم فذ تفخر به كل الأمة الإسلامية ،ولذلك لا نظن أن نسبته لتكريت لها علاقة بكونها بلدة صدام حسين، فهذا الأخير استولى على السلطة حتى 1979 بعد عقدين تقريبا من تصوير فيلم احمد مظهر الذي يعتبره زيدان مسؤولا عن كل تلك الدعاية الفجة التي حظي بها صلاح الدين و أنه من استنبته لأول مرة في وجدان الأمة العربية بعد أن كان نسيا منسيا كما يرى زيدان، ولم يبعثه فقط من جديد في عقول الجماهير العربية كما نعتقد نحن، فصدام رغم قوميته المعلنة لم يوجه حربه لإسرائيل بقدر ما وجهها لإيران ودول الخليج ،و هو أبعد ما يكون سيرة عن سيرة صلاح الدين .لا ضير أن نصبر قليلا ،ونتابع مسلسل تنكيل صلاح الدين بالأسرة الفاطمية الذي أدمى قلب زيدان وقلمه عليهم قرونا عديدة بعد حدوثه، فالرجل يذهب إلى أن صلاح الدين قد سلب من العاضد حكمه وحرف حتى اللقب الذي خلعه عليه فقد كان يدعى بالناصر لأمير المؤمنين العاضد الفاطمي. لكنه حذف كل هذا واكتفى بلقب الناصر وكأني بزيدان يرى التاريخ جماد لا يتحرك أو لكأني به يقف بالتاريخ عند حدود العاضد الذي تحول فجأة إلى علامة فارقة في التاريخ الإسلامي. المؤكد أن الناس اتفقوا أن يلقبوا صلاح الدين بالناصر بكل بساطة ويخلصوه من ذاك الإطناب الذي تجاوزه التاريخ والأحداث كذلك .وهذا اللقب الذي كان يفي بحقيقة جهاد الناصر يوسف لتحرير المقدسات.

هو لقب ذو حمولة ويترجم عطاء رجل بأكمله في حقبة معينة .هو باختصار اللقب الذي خلعته عليه الأمة الإسلامية .هو لقب صحح الوضع وأنصف الرجل .لكن زيدان لا يقف عند هذا السقف بل يزيد بأن الناصر يوسف حبس ما يقرب من 18 ألفا من الشرفاء والشريفات مع عبيدهم وجواريهم في قصور مشيدة وتركهم دون زواج بانتظار الفناء وانقراض النسل الفاطمي لدون رجعة بمصر ..ولعمري كيف لم يستغرب زيدان ضخامة هذا الرقم الكبير، وقد كان أحرى أن يثير انتباهه ،وهو الناقد المشكك في كل شيء ،خصوصا وأنه رقم كفيل بتوفير عصبية كافية أو بديل جدير بحمل الخلافة بعد العاضد .لقد كان من الأليق أن يعود زيدان للمصادر التي استقى منها معلوماته ومطاعنه و يتحراها ويفحصها و يتفقدها ويضعها تحت مبضع النقد والبحث غير المنحاز.لا أن يعتبرها كتبا لا يتسرب إليها الشك والتدليس وما أكثر أن يكونا في الاتجاه المعاكس لهواه. ولكن ما العمل وزيدان لا يرى إلا بعين واحدة هي عين السخط، وهي تلك العين التي قال عنها الشاعر الإمام الشافعي.
وعين الرضا عن كل عيب كليلة .وعين السخط تبدي المساويا

بعين الرضا هاته التي وردت في الشطر الأول من البيت ،سنواصل نحن من جهتنا تبديد مارءاه زيدان بعين سخطه فلهج به لسانه لوما وتقريعا وهجاء لصلاح الدين. ولنر هل كان فعلا لئيما ونذلا كذلك مع نور الدين زنكي، رب نعمته، الذي جهزه بالمال، للسير نحو مصر حيث كانت تنتظره السعادة والمجد كما رأى زيدان، والجهاد وعظائم الأمور التي ستتعبه طوال حياته كما فهمت كل الأجيال المتعاقبة من المسلمين، وغاب عن زيدان .

يحلل زيدان العلاقة بين صلاح الدين ونور الدين بنفس السطحية التي قد نحلل بها العلاقة بين صبيين أو صغيرين يلعبان بنفس الحي، أو بين خطيب و خطيبته قد راكما من المودة والهدايا ما يكفي لتأبيد الوفاء بينهما ،ولا يزنها بميزان السياسة كما يتعين أن يفعل ذلك في هذا المقام، بل هو لا يرى حتى الرهانات التي تتقابل فيهما ولا البلاد التي أصبح يتقدمها و يقودها كل منهما .ولا ينظر لميزان القوى الجديد الذي طرأ بتولي صلاح الدين لأمور مصر، والقوة التي أصبح يتوفر عليها ،والدعم الشعبي للجماهير المصرية الذي أضحى يحوزه و لا للالتزام الذي أصبح يطوق عنق صلاح الدين اتجاهها.لقد عزم نور الدين على السير في اتجاه صلاح الدين، ولكن المرض أقعده ، ومنعه الموت من ذلك فيما بعد ،وعزم صلاح الدين على الرجوع لنور الدين، ولكنه كان يتردد، وهذا أمر طبيعي جدا ،فقد كان يعلم بمرضه، ويرتاب منه من أن يأخذه بنجاحه في مصر ،خصوصا وأنه كان لنور الدين صبي من زوجته عصمة خاتون كانا يتطلعان لأن يخلفه من بعده.

لا نستطيع أن نسبر أغوار نفس كل منهما أكثر من هذا القدر دون أن نتعسف كزيدان، ولكنهما يبقيان في نهاية الأمر بشرا، يحركه الطموح، وتدركه الغيرة لكي لا نقول الحسد، فكلاهما كان بطلا أبلى البلاء الحسن في جهاد العدو، ولا يهمنا دقائق نفسيتهما بقدر ما يهمنا تاريخهما الوضيء في جهاد العدو. ولكن هل كان زيدان يريد من صلاح الدين أن يترك دمشق لحكم صبي حتى يكون وفيا لسيده نور الدين في وقت تحتاج فيه الأمة لتوحيد الصف؟ .وهل كان زيدان ليرضى منه أن يكون حاجبا أو وصيا على إسماعيل ابن نور الدين دون أن يتهمه هذا المرة لو كان فعل ذلك بقصر النظر والتخاذل وسوء التقدير والاستخفاف بمصير الأمة؟ إننا حقيقة لا ندري على أي الحبال نرقص مع يوسف زيدان؟.وهل يوسف زيدان يعتقد في قرارة نفسه أنه الآن أرحم لإسماعيل من الخاتون أرملة نور الدين التي رضيت أن تتزوج صلاح الدين رغم أنها تكبره سنا ورغم أنها كانت أعلم بما كان يعتمل في سريرة زوجها نور الدين وما يوغر قلبه على صلاح الدين.؟هل يوسف زيدان زنكي أكثر من الخاتون مثلما هو فاطمي وعاضدي أكثر من أهالي مصر في ذاك الزمان؟. هل هو أقرب لنور الدين من زوجته؟وملكي أكثر من الملك؟. المؤكد أنها لو لم تتوسم فيه خيرا ما كانت لتتزوجه، وتفضله على ابنها الذي من صلبها،و الذي لم يكن سنه و لا كاريزميته يؤهلانه للحكم ،ولا لقيادة الجيوش، كأبيه نور الدين البطل المجاهد. والمؤكد أيضا أنها كانت تريد أن تستكمل ملاحم هذا الأخير مع صلاح الدين ،فلم تبخل عليه بهذه الشرعية المترتبة عن هذا الزواج السياسي الذي كان مقبولا في تلك الآونة من التاريخ، لا يثير حفيظة الناس ويرونه عاديا بل ومطلوبا ،والذي لم يرضه إلا زيدان في القرن 21 لحاجة ربما في نفسه ما أظنه سيقضيها. وقبل أن نودع هذه الشخصيات التي يدعي زيدان أن يوسف صلاح الدين قد جحد جميلها لابد أن نعرج على ما غمز إليه كاتب عزازيل من كون أن هذه الشخصيات كانت تموت تباعا ودون سبب ظاهر وكأنه يشير إلى أن صلاح الدين كان له بدوره جنود من عسل كمعاوية بن أبي سفيان يصفون له المنافسين على الحكم.يكاد زيدان لولا بقية حياء لديه أن يتهم بطل حطين باغتيال عمه أسد الدين شيركوه، والعاضد الفاطمي، و نور الدين زنكي الملك العادل، وابنه إسماعيل. ألا يدري زيدان أن معدل العمر في العصور الوسيطة كان منخفضا في كل البسيطة؟ أو ليس يرى أن صلاح الدين نفسه لم يعش إلا 54 سنة وهي مدة قصيرة أيضا إذا ما قيست بمعدل الحياة اليوم.إن أسئلة زيدان غير منطقية وغير علمية ولا تلتزم بالحياد المفترض في باحث ضالته الحقيقة. …… يكفي هذا الآن….. لكن للمقال صلة….