خارج الحدود

في الذكرى الرابعة لمجزرة “رابعة”.. دماء لم تجف بعد وتحقيقات لم تتم

تحل الذكرى الرابعة لفض قوات الأمن المصرية اعتصامي ميداني “رابعة العدوية” و”نهضة مصر”، بينما مشاهد هذا اليوم الدامية لم تغب مطلقا عن ذاكرة المصريين، رغم مرور العام تلو الآخر.

ففي 14 غشت 2013، فضت قوات من الجيش والشرطة اعتصامي أنصار الرئيس محمد مرسي، بعد أشهر من الإطاحة به؛ ما أسقط 632 قتيلًا، بينهم 8 من رجال الشرطة، حسب “المجلس القومي لحقوق الإنسان” (شبه حكومي).

فيما تقول منظمات حقوقية محلية ودولية إن عدد القتلى تجاوز الألف بين المعتصمين، الذين كانوا يحتجون على إطاحة الجيش، حين كان الرئيس عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، في 3 يوليوز 2013، بمرسي، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، وذلك بعد مرور عام واحد من ولايته الرئاسية.

“قتلوا الابن”

الأناضول التقت ناجييْن اثنين من عملية الفض، التي استمرت قرابة 11 ساعة تحت الرصاص، ويعتبرها بعض المصريين “أكبر مذبحة في تاريخ مصر الحديث”، بينما تحاول السلطات تبرير ما حدث بالقول إن الاعتصامين كانا توجد بهما أسلحة، ويمثلان تهديدا أمنيا.

إيمان جمعة، والدة مصعب، أحد القتلى في فض اعتصام “رابعة”، تقول: “يوم 14 غشت 2013 كنت أتحدث هاتفيًا مع مصعب، بالتزامن مع أخبار تواردت حول تدخل قوات الأمن لفض تجمعات المواطنين في ميدان رابعة (بالقاهرة)”.

وتضيف الأم، وهي إحدى الناجيات من فض الاعتصام: “سألته (مصعب) عن صحة الأخبار فلم يُجب.. ثم قررتُ أنا وشقيقه محمد النزول إلى الميدان (رابعة العدوية)؛ للتأكد من الأنباء، والانضمام إلى المعتصمين”.

وتصف والدة مصعب المشاهد التي رافقت وصولها إلى الميدان قائلة: “رأيتُ أشخاصًا أشبه بالموتى، وآخرون قلوبهم ترتعد خوفا وهلعا”.

وتتابع: “وصلنا الميدان عند آذان المغرب، وبدأنا البحث عن مصعب فلم نجده، إلى أن رنّ هاتفي وكان على الطرف الآخر شخص مجهول قال إنه وجد الهاتف على الأرض ولا يعرف صاحبه”.

هنا أدركت الأم أن ابنها قُتل، لكنها كانت عاجزة عن التأكد؛ لصعوبة الأوضاع في الميدان، ما اضطرها للعودة إلى المنزل.

“هل قُتل بالفعل؟.. وإذا كان كذلك فأين جثمانه ؟”.. بين هذه التساؤلات مضت أم مصعب ليلتها “الصعبة”، قبل أن يأتي الخبر اليقين: “مصعب ارتقى شهيدا، وجاري البحث عن جثمانه”.

وتتابع الأم المكلومة: “كان هذا ما يقلقني.. هل يمكن ألا أجد جثمانه (؟) هل سأحرم حتى من تلك النظرة الأخيرة والوداع الأخير.. وأخيرا جاءتني البشرى: لقد عثروا على جثمانه ونقلوه إلى المسجد”.

وخلال عملية الفض تناثرت في ساحة ميدان “رابعة العدوية” المئات من جثث الرافضين للإطاحة بمرسي.

ومنذ الإطاحة به، ما يزال مرسي سجينا، وصدر بحقه حكمين قضائيين نهائيين، الأول بالإدراج لمدة 3 سنوات على قوائم “الإرهابيين”، والثاني بالسجن 20 عاما في قضية معروفة باسم “أحداث الاتحادية”، وما يزال يُحاكم في 4 قضايا أخرى، وهي: “اقتحام السجون”، و”التخابر مع (حركة) حماس”، و”التخابر مع قطر”، و”إهانة القضاء”.

“أحرقوا الجرحى”

محمد سلطان ناجٍ آخر يروي للأناضول تفاصيل حدثت معه خلال فض اعتصام “رابعة”، فيقول : “عشت أحداثًا كثيرة يصعب نسيانها، منها مشهد قتل اثنين من المصورين برصاص قوات الأمن”.

ويتابع: “سقطا فوق منصة رابعة بعد طلقات أصابت رأسيهما (..) شاهدت الدماء تسيل على لافتة بيضاء كتب عليها شعار الثور سلمية”.

ويضيف: “خلال فض الاعتصام كنت أشتَمُّ رائحة الموت والبارود، وأنا ملقىً على الأرض عاجز عن الحركة وطلب المساعدة (..) كانوا (رجال الأمن) يطلقون النار عليًّ أثناء حركتي في محاولة للجوء إلى مكان آمن”.

ويمضي قائلا: “خلال فض الاعتصام لجأت وآخرون (بينهم جرحى) إلى مبنى، هربًا من الرصاص، لكنهم أطلقوا قنابل الغاز المسيل للدموع على غرفة مكتظة بالجرحى داخل المبنى”.

“بعد 11 ساعة من الاحتجاز تم التفاوض على خروج مشروط.. خرجتُ بين صفوف من الضباط والعساكر، والرصاص ينهمر فوق رؤوسنا عمدًا”، وفق سلطان.

ويزيد بقوله: “بعد أيام انتشرت مقاطع فيديو أظهرت إضرام الضباط النار في المبنى، الذي لجأنا إليه (..) لم أستطع نسيان آلام الجرحى الذين أحرقوهم أحياء”.

ولم يتسن للأناضول الحصول على تعليق من السلطات المصرية بشأن ما رواه سطان عن إحراق الجرحى، لكنها عادة ما تنفي صحة اتهامات محلية ودولية، مدعومة بصور ومقاطع فيديو، بارتكاب قوات فض الاعتصامين انتهاكات جسيمة.

وحتى الآن لا يستطع سلطان أيضا نسيان مشهد رصاصة القناص التي مرّت فوق رأسه ببوصات قليلة، وكذلك لحظات الآلم التي عانى منها خلال 11 ساعة من إطلاق الرصاص المتواصل، عندما كان محتجزًا مع أصدقائه.

وبألم نفسي عميق يختم بقوله: “لا أستطيع نسيان آلام الجرحى الذي أحرقوهم وهم أحياء.. لنحو عامين قضيتهما سجينا حاولت أن أنسى.. لكن ذكريات هذا الكابوس الدموي في رابعة ما يزال يطاردني”.