سياسة

الملك: توجهنا نحو إفريقيا ليس على حساب الوطن وهدفنا هو الاندماج

اعتبر الملك محمد السادس، أن المغرب اختار نهج سياسة تضامنية وإقامة شراكات متوازنة بإفريقيا، “على أساس الاحترام المتبادل، وتحقيق النفع المشترك للشعوب الإفريقية”، مشيرا إلى أن “الذين يعرفون الحقيقة ويروجون للمغالطات بأن المغرب يصرف أموالا باهضة على إفريقيا بدل صرفها على المغاربة، فهم لا يريدون مصلحة البلاد”.

وأضاف الملك في خطابه بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، مساء اليوم الأحد، أن “المغرب، لم ينهج يوما سياسة تقديم الأموال، وإنما اختار وضع خبرته وتجربته، رهن إشارة إخواننا الأفارقة، لأننا نؤمن بأن المال لا يدوم، وأن المعرفة باقية لا تزول، وهي التي تنفع الشعوب”، لافتة إلى أن الأفارقة يعرفون ذلك، “ويطلبون من المغرب التعاون معهم، ودعم جهودهم في العديد من المجالات، وليس العكس”.

وأشار الملك إلى أن توجه المغرب إلى إفريقيا، “لن يغير من مواقفنا ولن يكون على حساب الأسبقيات الوطنية، بل سيشكل قيمة مضافة للاقتصاد الوطني، وسيساهم في تعزيز العلاقات مع العمق الإفريقي، كما كان له أثر إيجابي ومباشر، على قضية وحدتنا الترابية، سواء في مواقف الدول، أو في قرارات الاتحاد الإفريقي، وهو ما عزز الدينامية التي يعرفها هذا الملف، على مستوى الأمم المتحدة”.

وأوضح عاهل البلاد أنه إذا كانت 2016 سنة الحزم والصرامة وربط القول بالفع، في التعامل مع المناورات التي كانت تستهدف النيل من حقوقنا، فإن 2017 هي سنة الوضوح والرجوع إلى مبادئ ومرجعيات تسوية هذا النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء، حسب قوله.

وتابع قوله: “هذا النهج الحازم والواضح مكن من وضع مسار التسوية الأممي على الطريق الصحيح، ومن الوقوف أمام المناورات التي تحاول الانحراف به إلى المجهول،
وهو ما أكده تقرير الأمين العام للأمم المتحدة، وقرار مجلس الأمن لأبريل الماضي، سواء في ما يخص الالتزام بمرجعيات التسوية، وتثمين مبادرة الحكم الذاتي، كإطار للتفاوض، أو في تحديد المسؤوليات القانونية والسياسية للطرف الحقيقي في هذا النزاع الإقليمي”.

الملك اعتبر أن تدبير أزمة “الكركرات” بطريقة استباقية هادئة وحازمة، مكن من إفشال محاولات تغيير الوضع بصحرائنا، ومن دفن وهم “الأراضي المحررة”، التي يروج لها أعداء المغرب، مشيرا إلى أنه  بالموازاة مع ذلك، يتواصل الدعم الدولي لمقترح الحكم الذاتي، سواء من خلال تزايد عدد الدول التي سحبت الاعتراف بكيان وهمي أو عبر التسوية القانونية للشراكة الاقتصادية التي تربط المغرب بالعديد من القوى الكبرى، على حد قوله.

وفي نفس الصدد، قال الملك إن توجه المغرب نحو إفريقيا “لم يكن قرارا عفويا، ولم تفرضه حسابات ظرفية عابرة، بل هو وفاء للتاريخ المشترك وإيمان صادق بوحدة المصير، كما أنه ثمرة تفكير عميق وواقعي تحكمه رؤية استراتيجية اندماجية بعيدة المدى، وفق مقاربة تدريجية تقوم على التوافق”، لافتا إلى أن السياسة القارية للمغرب “ترتكز على معرفة دقيقة بالواقع الإفريقي، أكدتها أكثر من 50 زيارة قمنا بها لأزيد من 29 دولة، منها 14 دولة منذ أكتوبر الماضي، وعلى المصالح المشتركة، من خلال شراكات تضامنية رابح-رابح”.

محمد السادس، أشار إلى أنه إذا كان رجوع المغرب للاتحاد الإفريقي هاما وحاسما، “إلا أنه ليس غاية في حد ذاته، فإفريقيا كانت وستظل في مقدمة أسبقياتنا. وما يهمنا هو تقدمها وخدمة المواطن الإفريقي، ومن أهملها أو قلل من مكانتها بعدم الاهتمام بقضاياها أو بسياسة شراء المواقف، فهذه مشكلة تخصه وحده”.

وأردف بالقول: “أما بالنسبة لنا، فإفريقيا هي المستقبل، والمستقبل يبدأ من اليوم. ومن يعتقد أننا قمنا بكل ذلك، فقط من أجل العودة إلى الاتحاد الإفريقي، فهو لا يعرفني. إن الوقت الآن، هو وقت العمل. والمغرب حريص على مواصلة الجهود التي يقوم بها داخل قارته منذ أكثر من خمسة عشر سنة. وهنا يجب التأكيد بأن رجوع المغرب إلى مؤسسته القارية لن يؤثر على علاقاته الثنائية القوية مع بلدانها وعلى البرامج التنموية التي وضعها معها”.

وأضاف أن هذا الرجوع، ليس إلا بداية لمرحلة جديدة من العمل مع جميع الدول من أجل تحقيق شراكة تضامنية حقيقية، والنهوض الجماعي بتنمية قارتنا والاستجابة لحاجيات المواطن الإفريقي، مشددا على أن المغرب بصدد بناء إفريقيا واثقة من نفسها، متضامنة ومجتمعة حول مشاريع ملموسة، ومنفتحة على محيطها، وهو نفس المنظور التكاملي، الذي دفع المملكة لإضفاء طابع رسمي، على رغبتها في الانضمام إلى المجموعة الاقتصادية، لدول غرب إفريقيا، وفق تعبيره.

ولفت إلى أن هذا القرار هو “قرار سياسي تاريخي، يشكل علامة بارزة، على درب تحقيق الاندماج الاقتصادي، الذي لا يمكن تصوره إلا كنتاج لكل التكتلات الإقليمية، خاصة في سياق أصبحت فيه التجمعات الجهوية، قوة وازنة في السياسة الدولية”، مؤكدا أن المملكة المغربية “ستعمل من موقعها داخل المجموعة، على إرساء دعائم اندماج حقيقي في خدمة إفريقيا، وتحقيق تطلعات شعوبها، إلى التنمية والعيش الكريم، في ظل الوحدة والأمن والاستقرار”.