وجهة نظر

في ضرورة فض الوصاية الأوروبية على المغرب

بيان المغرب ضد الاتحاد الأوربي وضع للنقط على الحروف.

بيان وزارة الفلاحة المغربية ضد الاتحاد الأوربي هو أمر يستحق كل الإشادة والتنويه، إذ كان يجب منذ البداية وضع النقط على الحروف بما يجعل شكل وطبيعة العلاقة في إطارها السليم، وذلك بعيدا عن منطق الوصاية الذي كانت تتعامل به أوروبا في علاقتها بجاره الجنوبي.

المغرب كان ملزما ببعث رسائل مباشرة لمن يهمهم الأمر، وبأنه من الضروري والمحتم التعامل بمنطق الاحترام الواجب لسيادة الدول، وليس كأنه مجرد “دركي” أو حارس حدود يشتغل تحت إمرة صناع القرار في بروكسيل.

البيان جمع في طياته لغتي التذكير بالجميل و التحذير من العواقب ، الأولى من خلال الإشارة “بنعم” (بكسر النون) المملكة على أوروبا، من خلال التعاون المغربي التام في مختلف الملفات والقضايا التي تؤرق بال القارة العجوز (الهجرة، الإرهاب، المخدرات، الجريمة المنظمة…)، والثانية من خلال إشارة تهديد بإعادة تقييم للعلاقات بين الجانين، و ذلك بالبحث عن شراكات بديلة مع أطراف أخرى كروسيا والهند والصين، وهذا بالطبع يجعلنا نعتقد أنها كانت إشارات ورسائل موفقة من صناع القرار السياسي بالمغرب وذلك بالشكل الذي يجب أن تكون عليه قواعد اللعبة في علاقته بالاتحاد الأوروبي.

قد يكون الساسة في المغرب فهموا وإن بشكل متأخر أن أوروبا منذ عقود وهي تعتبر جارها مجرد “دركي”، وتتعامل معه بمنطق حارس الأمن الخاص لحدودها الجنوبية، و حيث يصلح لمهمات محددة كمنع جحافل المهاجرين القادمين من جنوب الصحراء من العبور نحو الضفة الأخرى، أو مهمة كبح جماح شبكات الاتجار بالمخدرات والجريمة المنظمة، أو حتى في القضية المؤرقة لراحة الأوربيين و هي “محاربة الإرهاب” وذلك بمنع أي خلايا أو تيارات متطرفة من الانطلاق من الضفة الجنوبية للمتوسط وبما لا يشكل أي تهديد للأمن الأوربي.

كان منطق المغرب هو التعامل بحسن النية، وكان يعتبر “الخدمة” التي يقدمها لأوروبا تدخل في باب التعاون المشترك، خاصة وأنه كان يتلقى بديل ذلك مساعدات محترمة، لكن مع ذلك أطراف من الضفة الأخرى تصر على اللعب على ذلك الوتر الحساس للمملكة وهو قضية الصحراء، مع أن الجميع يعلم أن توظيف القضية غالبا ما يتم في شكل ابتزاز للمغرب أكثر من حرص على حل المشكل.
ربما قد يكون البيان الأخير بداية لتصحيح وضع العلاقة المختل، وذلك بما يجعلها متوازنة وبمنطق الند للند، إذ ما دامت بروكسيل غير مبالية بمدى حساسية قضية مثل الصحراء للمغاربة، فعلى الأخير اللعب إذا على الأوتار الحساسة للطرف الآخر والعين بالعين والبادئ اظلم بعد ذلك.

صحيح أنه من السابق لأوانه الحديث تغير استراتيجي في سياسة الرباط في علاقاتها مع الاتحاد الأوربي، لكن من المأمول فعلا من صناع القرار والساسة في البلد الاقتداء ببعض التجارب في هذا الإطار، وخاصة التجربة التركية في تعاملها مع الاتحاد الأوربي.

ففي درس قصير مثلا من تركيا والذي يجب على نظرائهم في هذا البلد استيعابه جيدا، فكلما أرادت هذه الأخيرة تحذير أوربا من المساس بأي من تلك الملفات التي تشكل مسألة أمن قومي للدولة (دعم الانفصاليين الأكراد، الاعتراف بمذابح الأرمن، أو غيرها…)، كانت إحدى الوسائل الناجعة المتبعة لإرغامها للرجوع إلى ” جادة الصواب”، هي التهديد بفتح بوابات الحدود على مصراعيها لمئات الآلاف من المهاجرين الذين ينتظرون هم الآخرين الدخول على أحر من الجمر، أو حتى السعي لفرض شروط جديدة إذا ما أرادت أوروبا أن تحمي حدودها.

فتركيا كدولة بشخصية وقرار مستقل تعرف جيدا كيف تمارس “السياسة الحقة” وفق أصولها وبالمنطق الذي تتعامل معه أوروبا مع الآخرين، إذ لم تعد هي من يلهث وراء نيل ود الأخيرة، بل بروكسيل بكاملها هي من تستجدي الجلوس معها أملا في التفاوض، ببساطة لأن الساهرين وعرابي شأنها الخارجي واعين ومستوعبين جيدا أن أوروبا أكثر حاجة إليه، لذلك هم في موقف تفاوضي أقوى يمكنهم من استغلال الفرصة لنيل كل المكاسب الممكنة.

بالطبع الأمر قد ينظر البعض إلى الأمر انه أشبه بعملية ابتزاز، لكن من قال أن العلاقات الدولية الآن والسياسة بين الدول في العالم لا تسير بمنطق الابتزاز؟، أو ليست المصلحة هي التي تحرك كل دبلوماسيات العالم، بدل “الصداقة” التي توجد فقط في قاموس الدول المغيبة عن الواقع الدولي، أو الدول الضعيفة التي لا تزال تتعامل بمنطق انتظار الصدقات؟.

عموما البيان يعبر عن تحسن ملحوظ في عقلية الساسة المغاربة، كما أنه يعطي أملا في تغيير المنطق الذي يحكم و يتحكم في علاقات المغرب الخارجية مع مختلف شركائه، والأهم من ذلك أن البيان هو إشارة إلى فهم واستيعاب عرابي الدبلوماسية في البلد على أن منطق “الصداقة” والمنح المجانية لا مكان له اليوم في قاموس العلاقات الدولية، وتبقى الواقعية والبرغماتية هي المعيار والأساس الوحيد لأي علاقة خارجية مع أي طرف كيفما كان نوعها.