من العمق

حينما ينتصر المالكي على أنقاض الديمقراطية

تمكن الاتحادي لحبيب المالكي من الانتصار على نفسه بصعوبة بالغة حيث لم يحصل سوى على 198 صوتا من أصل 395 عضوا بمجلس النواب، مما جعله قاب قوسين من عدم الحصول على رئاسة المجلس، رغم أن الاصطفاف الحزبي الذي نال من الديمقراطية المغربية الهشة، يتوفر لوحده على أزيد من 208 صوتا، وهو المشكل من أحزاب (الجرار والأحرار والسنبلة والوردة والحصان والنخلة)، كما سجل غياب 53 عضوا، هكذا انتصر المالكي على لحبيب في مباراة ديمقراطية بلا طعم ولا معنى، وذلك بعد أن اختار العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية مواقف صائبة بشكل فوتوا معه الفرصة على من يسعى للعبث بالمشهد السياسي ويريد من الأحزاب الوطنية أن تعطيه المصداقية وتضع يدها على السكينة التي ذبحت بها الديمقراطية منذ انقلاب 8 أكتوبر الذي جرى ببيت الكاتب الأول للاتحاد الإشتراكي، والذي تم تنفيذه اليوم بدم بارد في مسرحية رديئة الإخراج ومحسومة الأدوار سلفا.

هكذا وكما كتبت أحد الجرائد اليسارية المغربية خلال التسعينيات متهكمة على فوز الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بنعلي بالنظر إلى كونه يفرض نفسه على الشعب ويفوز في الانتخابات بنسب 99.99 بالمائة، بقولها “الزين ينتصر على العابدين”، هكذا تماما انتصر “المالكي على لحبيب” في ما وصفه القيادي الاتحادي محمد اليازغي قبل أيام ببرلمان الأزمة.

لقد تعالت الضحكات داخل مجلس النواب بمجرد ما رفع المالكي ابن بجعد الذي أقفل عقده السابع، يده للترشح وحيدا في عملية انتخابية عبثية، رغم أنه من الناحية القانونية ليس هناك ما يمنع أي شخص أو حزب بتقديم من يراه لرئاسة مجلس النواب، غير أن عناصر الاستغراب تنطلق مما تم من اتفاق مسبق ومبيت للانقلاب على نتائج 7 أكتوبر والتي لا يخرج منح الوردة رئاسة مجلس النواب عن عملية الانقلاب تلك، كما أن العرف وما جرت به العادة هو ألا تحسم رئاسة الغرفة الأولى إلا بعد اتضاح الأغلبية من المعارضة رغم أن الدستور لا يمنع هذا الأمر كما لا يفرضه، غير أن الأمر بات واضحا في استهداف أحزاب وطنية وإرادة شعبية ذنبها أن قالت لا للمتحكمين في أرقاب العباد وفي قرارات الأحزاب.

عناصر العبث تدلل عن نفسها أيضا عندما نعلم أن الاتحاد الاشتراكي الذي سارع إلى الإعلان عقب نتائج انتخابات 25 نونبر 2011 أن مكانه الطبيعي هو المعارضة احتراما للاختيار الشعبي الذي منحه حينها 39 مقعدا، فكيف نظر الاتحاد حينها إلى أن 39 مقعدا تلزمه بالمعارضة لأن من صوت من الشعب لم يمنحه لا الرتبة الأولى ولا الثانية ولا الثالثة فكيف تغير هذا المنطق اليوم 180 درجة ليصبح الحزب الذي حل سادسا في ترتيب نتائج انتخابات 2016 وبعدد مقاعد لا يتعدى 20 مقعدا، يرى نفسه أحق بالمشاركة في الحكومة أو على الأقل قرصنة رئاسة مجلس النواب الذي يعادل وزارتين في منطق التفاوض حول الحقائب الحكومية.

من علامات الاستغراب أيضا واللامعنى، ما أقدم عليه رجل الأعمال عزيز أخنوش -الذي قبل أن يفعل به سياسيا وأن يعمق مزاوجته بين السياسة والتجارة- حيث رفض في سابقة من نوعها عرض الأمين العام لحزب العدالة والتنمية بأن يتولى أحد أعضاء الأحرار رئاسة مجلس النواب، وهو الموقف الذي جر عليه انتقادات داخلية بحزب الحمامة وهو ما يؤكد أيضا أن موضوع الانقلاب الذي تم الاتفاق عليه يوم 8 أكتوبر حقيقي وأن أصحابه ماضون في تطبيق ما استطاعوا منه بعد أن فضحهم شباط وقلب عليهم الطاولة.

لقد أحسنت أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والتقدم والاشتراكية عبر مواقفها من مسرحية انتخاب المالكي، حيث صوت الأول بالورقة البيضاء حتى لا يعطي مصداقية للعبث، وأيضا تفاديا للحرج في حالة فوزه برئاسة المجلس رغم أنها فرضية ضئيلة لأنه سيجمع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية وهذا أمر غير معهود في تجربتنا العرجاء ولا في تجارب أخرى، فضلا عن ما سيكال للمصباح من رغبة بالهيمنة والأطنان من التهم التي لا حصر لها خاصة من طرف أدوات التحكم والإعلام الخادم للاستبداد.

موقف حزب الاستقلال كان أكثر تجذرا وهي ردة فعل طبيعية بالنظر للسياق الذي نعيشه، كما أنه جنب العدالة والتنمية وربما المغرب حرجا مع موريتانيا في أزمة ما يزال جرحها جديد بغض النظر عن درجة الحقيقة والافتعال فيها، فأي رسالة كانت ستبعث لموريتانيا في حالة انتخاب الرجل الثالث في الدولة من حزب الاستقلال، هذا رغم أن الحظوظ أيضا كانت ضئيلة رغم تشجع بعض قيادات الاستقلال وحديثهم عن إمكانية الظفر بالرئاسة، خاصة بعد إعلان النتائج حيث لم يفصل بين ما يمكن أن يوصف بالاصطفافين غير بعض الأصوات إذ حصل المالكي على 198 ومجموع الأحزاب الثلاثة تعطي نتيجة 183، خاصة أيضا أن عدد المتغيبين عن الجلسة بلغ 53 عضوا.

إن خطورة ما يعتمل في المشهد السياسي اليوم يتجاوز ضرره الحسابات الحزبية الضيقة، ونزوعات التحكم والنيل من الخصوم بغير قواعد النزال الديمقراطي، إلى الإضرار بصورة بلد ككل، وبث المزيد من اليأس والعزوف في صفوف الشعب المغربي عامة والشباب منه على وجه الخصوص، فما يحدث يجعل حتى من يشارك يفكر في المقاطعة لكونه يرى أن أصواته يتم التلاعب بها، وأن شعارات الانتقال الديمقراطي وغيرها لا تأخذ بالعزم والجدية والصرامة المطلوبة.