وجهة نظر

على هامش متابعة بعض شباب البيجيدي

الإشادة بالإرهاب في القانون والقضاء المقارن

لقد أتيح للقضاء المقارن في متابعات بهذه التهمة أن حدد ما يشكل إشادة بالإرهاب ووافقت المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان على هذا التفسير في إطار محدد.

بتاريخ 2 أكتوبر التي أصدرت فيها المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان قراراLeroy c France، ففي قضية 2008 قام رسام كاريكاتور من إقليم الباسك في 13 شتنبر 2001 أي يومين فقط بعد أحداث 11 شتنبر 2001 ضد ناطحتي السحاب بنيويورك وضد بناية البانتاغون بنشر رسم في جريدة يسارية في جنوب فرنسا (مدينة بايون) يصور العملية كالتالي : أربع عمارات عملاقة تتهاوى في سحابة من الغبار بعد صدمها بطائرتين مع شعار يقول “نحن حلمنا جميعا بهذا… حماس فعلتها”.

تمت متابعة الرسام و مدير الجريدة من طرف النيابة العامة بتهمة الإشادة بالأرهاب والمشاركة في ذلك ، وفي 8 يناير 2002 . وتمت المتابعة بقانون الصحافة الفرنسي (المادة 24) وليس بقانون الإرهاب .

ذلك أن المتابعة بقانون الإرهاب تسمح بتطبيق مسطرة جنائية قاسية خاصة بالجرائم الإرهابية . فهي تسمح بالاعتقال وبالوضع تحت الحراسة لفترة قد تمتد إلى 12 يوما ،كما تؤسس لاختصاص محكمة الاستيناف بالرباط حصريا في جرائم الإرهاب وتضع يد قاضي التحقيق المختص بجرائم الإرهاب على القضية ، كما تخص الجريمة بعقوبات قاسية لأنها تتحول من جنحة (قانون الصحافة ) إلى جناية (القانون الجنائي ) .

فقي القضية المشار إليها ، حكمت محكمة بايون على الرسام والمدير بتهمة المشاركة في الإشادة بالإرهاب وقضت في حقهما بغرامة 1500 أورو لكل منهما ونشر الحكم في جريدتين على نفقتهما وبمصاريف الدعوى مع إمكانية الإكراه البدني.

وقد اعتبرت المحكمة أن إرفاق الرسم بشعار يمجد العنف ويجعل من عمل زرع الموت والدمار يرقى إلى مستوى حلم أي يعطيه مغزى رائعا تكون التهمة تحققت.

طعن المدانان في الحكم ولكن محكمة الاستيناف أكدت الحكم الابتدائي في 24 شتنبر 2002 . ومما جاء في تعليلها أن المتهمين قد أضفوا على العمل الإرهابي طابعا مثاليا برفعه إلى مستوى الحلم باستعمال فعل حلمنا ، فأعطوا بذلك تثمينا لا لبس فيه لفعل القتل ، وإن استعمال ضمير المتكلم الجماعي “نحن ” لفعل مدمر قدم كما لو كان تحقيقا لحلم ، من شأنه أن يشجع بشكل غير مباشر قارئا محتملا على تقييم إيجابي لنجاح فعل إجرامي . وبهذا تتم الإشادة بنجاعة عمل إرهابي وبآثاره المفيدة …

طعن المدانان بالنقض في الحكم ودفعا بان نيتهما لم تتجه أبدا للإشادة بالإرهاب لكن محكمة النقض اعتبرت في 25 مارس 2003 أن الحكم الاستينافي صادف الصواب وكان معللا جيدا . وقبلت الطعن فقط في نقطة واحدة تتعلق بالإكراه البدني في حالة عدم أداء الغرامة معتبرة أنه لا يمكن الحكم به في قضايا ذات طبيعة سياسية .

ويجب أن نلاحظ هنا

1) أن الحكم تم بناء على قانون الصحافة (المادة 24 من قانون الصحافة الفرنسي)

2) حوكم الصحفيان دون اعتقال

3) تم الحكم بغرامة

4) رفض الإكراه البدني من طرف محكمة النقض

5) حكمت القضية في آجل معقول والمتهمان في حالة سراح فمن الابتدائي والاستيناف حتى النقض استمرت القضية 14 شهرا و17 يوما.

لجأ العارضان للمحكمة الأروبية لحقوق الإنسان في 12 نونبر 2003 بدعوى انتهاك فرنسا للمادة 10 من الاتفاقية الأروبية لحقوق الإنسان المتعلقة بحرية التعبير .

في تعليلها رأت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان (قرار 8 أكتوبر 2008) من جهة أولى ،أنه وإن كان الصحفيون ملزمين بمراعاة القيود المشروعة المستمدة من اعتبارات الأمن العام والوقاية من الجريمة فإنهم في نفس الوقت مطوقون بواجب تبليغ المعلومات والأفكار بما في ذلك تلك التي تزعج وتقسم الرأي العام . ذلك أنه إضافة لوظيفة وسائل الإعلام في نشر الأخبار والأفكار يوجد أيضا حق العموم في تلقيها .

وبسبب وضيفتها فإن حرية الصحافة تتضمن اللجوء أحيانا إلى قدر من المبالغة بل ومن الاستفزاز
و اعتبرت المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان أن تعليل المحاكم الوطنية كان في محله وأن الإدانه لم تخرق المادة 10 من الاتفاقية خاصة أن العقوبة بغرامة كانت معتدلة ومتناسبة .

لكن المحكمة الأروبية لحقوق الإنسان اعتبرت أنه حصل انتهاك للمادة 6 § فقرة 1 من الاتفاقية المتعلق بأحد شروط المحاكمة العادلة بسبب عدم تبليغ مقدم الطلب أو محاميه قبل الجلسة أمام محكمة النقض تقرير القاضي المقرر، في حين أحيلت الوثيقة إلى النائب العام وهو ما لا يتفق مع متطلبات المحاكمة العادلة .

وخلصت المحكمة إلى أن حكمها بوجود انتهاك يشكل في حد ذاته ترضية لمقدم الطلب تعد كافية لجبر الأضرار التي لحقته
وقضت أخيرا بأن على الدولة المدعى عليها أن تدفع لمقدم الطلب في أجل 3 شهور مبلغ 000 1 يورو بالإضافة إلى أي مبلغ قد يكون قد دفعه عن التكاليف والنفقات وبعد انقضاء تلك الفترة حتى الأداء سيرتفع هذا المبلغ بفائدة بمعدل مساو لسعر الفائدة على الإقراض التي يقرها البنك المركزي الأوروبي خلال الفترة الافتراضية بالإضافة إلى ثلاث نقاط مئوية

وكخاتمة نقول :

هكذا تتأكد التخوفات التي سبق أن عبرنا عنها مرارا بمناسبة مناقشة قانون الصحافة والنشر ، وتتبخر تطمينات وزير الاتصال بشأن عدم تطبيق القانون الجنائي أو العقوبات السالبة للحرية في جرائم الصحافة والنشر .

والأدهى من ذلك ما يمكن أن يرافق هذا التطبيق من انتقائية لا تخلو من بواعث سياسية .

والأشد مرارة أن يتم ذلك تحت مضلة حكومة يرأسها الحزب الذي ينتمى إليه المتابعون والذي يقدم كل ما يطلب منه من تنازلات.

ـــــــــــــــــــــ

عبد العزيز النويضي – أستاذ جامعي ومحام لهيئة الرباط