من العمق

البلاغ الذي عراهم .. فاعلون ومفعول بهم

كان بإمكان رئيس الحكومة المعين عبد الإله ابن كيران أن يُغلق الباب في وجه الرجل الذي يدير الأعمال بالسياسة عزيز أخنوش الذي بالتأكيد يعد مفعولا به وليس فاعلا في المشهد الحزبي، كغيره من الأحزاب التي عراها بلاغ “انتهى الكلام” وأكد للعالمين أنهم جميعا في “وضع لا يمكنهم معه الإجابة” سواء من أظهر عكس ما يخفي وقال بتيسير مهمة تشكيل الحكومة في أول لقاء به، أو من أعطفه ابن كيران على أخنوش في البلاغ الذي فضحهم.

الكبير والصغير أصبح يعرف أن عددا من الطارئين على قيادة الأحزاب فجأة هم مكلفون بمهمة أو يترافعون لصالح جهة ما، فهل سيخفى هذا وأكثر مما لا نعلم، على أحد ذهاقنة السياسة في مغرب عزّت فيه القيادات الوطنية بهذا العمق، فضلا عن التجارب المريرة التي عاشها وإخوانه في مسار الحركة الإسلامية على امتداده وصلاتها بمختلف فرقاء الحكم والسياسة والمجتمع بالمغرب وخارجه.

فلماذا اختار ابن كيران طريقة أخرى لفضح عبث مستمر في التربص بانتقال ديمقراطي مأمول؟ وإصدار البلاغ الذي انتصر لكبرياء الشعب المغربي وعزته وكرامته، وخلط به أوراق السلطوية في لحظة كانت تتهيأ للانقضاض على أصوات مغاربة وثقوا في الأمل في السياسة والمغرب والمستقبل؟

لقد أعمل ابن كيران مع أولئك منطق إقامة الحجة، وأشهد عليهم المغاربة والعالمين على حسن نيته وجديته في البناء الديمقراطي، لكن يظل أسف كل الديمقراطيين أنه “مكاينش مع من”، وأن السؤال الذي طرح ويطرح “أليس فيكم رجل رشيد”، هكذا لم نجد اليوم من يلوم ابن كيران على قلبه الطاولة على مسلوبي القرار السياسي غير من يكن حقدا تاريخيا أو إيديولوجيا له، أو من يريد من ابن كيران أن يطبق برنامجا آخر  بالنيابة عنهم، بالإضافة إلى إعلام الاستبداد المستمر في تبرير ما لا يبرر، والبحث عن المخارج غير الدستورية ولا الديمقراطية للعصف بالمنهجية الديمقراطية وإقفال قوس الانفراج لأن استمراره يعصف بما راكموه من ثروة ومصالح بالفساد أو على الأقل سيحد منها.

بلاغ “انتهى الكلام” جواب على أن مناورات وابتزاز المُرسلين تجاوز كل حدود اللياقة الممكنة، وتخطى المجال المسموح به وفق واقعية وبراغماتية عز نظيرها، ليصل إلى دائرة المبادئ والقيم والإرادة الشعبية التي ما فتئ حزب المصباح، ومنذ أول يوم، يردد أنه لن يقبل المساس بها. وعن هذا المنهج لا يخرج الموقف من حزب الاستقلال الذي تشبث به ابن كيران إلى أن جاء التصريح الذي وصلت تفاعلاته حد تهديد مصالح استراتيجية للوطن، ليتنازل المصباح عن الميزان على مضض ولو بشكل مؤقت، لكن المؤكد أن التطورات تسير في اتجاه تعاون أعمق وممتد ما استمر حزب علال على نفس نهجه من 8 أكتوبر إلى اليوم، خاصة ونحن على بعد ثلاث أشهر من مؤتمره الوطني.

 ابن كيران يعلم علم اليقين أن من ساومه عن الجمل مرسول وليس صاحب قرار، ويعلم أيضا أن من ساومه عن الجمل قد لا يكون غرضه الرئيسي والحالي هو الشراء أصلا، بل تحريم البيع أو رشم الجمل دون بيعه أو شرائه، وربما لإبعاد نظر باقي التجار أو المساومين أو الشناقة الراغبين في الحوم حول الجمل.

 حتى اليوم إن ابن كيران في طريق الوفاء لمن قال لهم امنحوني أصواتكم “وخليوني مني ليهم”. إلى اليوم ما تزال قرون استشعار الأمين العام للعدالة والتنمية تفرق جيدا بين المفاوضات والمناورات وبين الابتزاز وتهديد العملية الديمقراطية في أساسها، وهو وعي قل من يضاهيه فيه اليوم، ولكن بالتأكيد أن أفتاتي عبد العزيز أحدهم، ولعل ذلك أحد مفسرات انزعاجه منه، لأنه قد يربك بعض خططه باستباقها.

أيها السادة، إن الذي في أزمة ومسؤوليته ثابتة في بلوكاج تشكيل الحكومة هو من ألف التحكم في الأحزاب وإدارتها عن بعد، بعدما اغتصب قرارها أو اغتصب بها الحياة السياسية ككل، حالة “البام” نموذجا.

الذي في أزمة ومسؤول عن لبلوكاج هو من يحتقر صناديق الاقتراع وإرادة الناخبين ويريد أن يربح بالابتزاز وأدوات السلطوية ما خسره في معركة 7 أكتوبر حيث أحيا ملايين المغاربة الأمل في العمل السياسي، ووجهوا صفعة مدوية للنكوصيين والسلطويين وأصحاب النفخ في اليأس والتأزيم.

هل سيتدخل الملك لتجاوز لبلوكاج؟ الدستور واضح في أدوار رئيس الدولة، ومنها حماية أحد ثوابت المملكة وهو الاختيار الديمقراطي، فضلا عن ضمان استمرارية الدولة والمؤسسات، أو أدوار الوساطة والتحكيم -المرجح أن يطرق بابه من هم في أزمة-، أو حل البرلمان…

 أيا كانت السيناريوهات والتكهنات ما يهم في العملية كلها أن تصان الإرادة الشعبية وألا يعبث بأصوات المواطنين وممثليهم. حماية وحفظا لما تبقى من الأمل في الانتقال الديمقراطي. وبكل تأكيد فإن المغرب لن يعدم قوى ومؤسسات وطنية حية وديمقراطية لتنهض به على كافة الصُعد والمستويات.