وجهة نظر

“الكلام لم ينته”.. اللعب الحقيقي هو من سيبدأ الآن

مخطئ جدا من يعتقد أن الكلام قد انتهى فعلا كما عبر بذلك زعيم حزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران عبر بيانه الأخير من المشاورات الحكومية، البيان الذي يمكن كذلك أن نقول أنه قطع أخيرا مع العبثية والتسيب الذين اتسم بهما المشهد السياسي مؤخرا بعد أن وصلت معه الأمور حدا لا يطاق من الميوعة والإسفاف.

إذ بالنظر لتعقيدات المشهد السياسي المغربي وتشعب الخيوط والقواعد التي تحكمه وتتحكم فيه ، فإن ما نعتقده هو أن ما حدث لحد الآن لا يعدو أن يكون سوى فصل أول من معركة لا يعرف أحد نهايتها ولا مآلاتها، وربما الصراع المقبل هو ما سيشكل مفاوضات حقيقية لإخراج الحكومة المقبلة.

ورغم أنه لم يتم الإعلان رسميا عن فشله في مهمته، إلا أن البيان يشكل إعلانا ضمنيا بخيبة مساعي رئيس الحكومة في الوصول إلى صيغة لتشكيل الحكومة مع مختلف الأحزاب، بعد ثلاثة أشهر من مشاورات لم تؤت أكلها منذ إجراء الانتخابات في السابع من أكتوبر.

إذ حتى وإن كان يبدو لنا ظاهريا كما كل المتفائلين والديمقراطيين جدا في هذا الوطن على أن الأمور لن تخرج عن سيناريو إعادة الانتخابات والإبقاء على الإطار السليم لمجريات الأمور كشيء بديهي كما هو معمول به و متعارف عليه في مثل هذه الحالات، لكن نعتقد لأسباب ذاتية وموضوعية مرتبطة بالأساس بعقلية النظام السياسي، وذهنية صناع القرار فيه أن لا أحد يمكنه التكهن بالخطوة الموالية و ما ستكون عليه مجريات الأمور بعد بيان رئيس الحكومة.

حيث يبقى السؤال المطروح هو، هل سيتسع صدر النظام لمزيد من هذا النوع من الصراعات و التلاسنات بين الأحزاب فيما بينها؟ ومزيد من هامش الحرية في اختياراتها للتحالفات من عدمه، أو أي شيء متعلق باستقلالية القرار السياسي عندها (حتى وإن كان الأمر يتم تحت المراقبة وضمن نطاق المحدد لها سلفا كما هو معروف ذلك)؟.

وبإلقاء نظرة عامة عن الظروف والمعطيات الحالية فتبقى كل السيناريوهات مطروحة وليس هناك سيناريومستبعد…، غير أن الإشكال والتهديد الحقيقي للوضع الحالي هو أن أي سيناريو آخر غير سيناريو إعادة الانتخابات، (في حالة الإعلان الرسمي عن تعذر تشكيل الحكومة بالشروط الحالية والذي يبقى من اختصاص الملك)، فإن ذلك سيفتح حتما باب البلد أمام المجهول ولا أحد يمكنه بعد ذلك توقع ما سيحدث.

فالقصر باعتباره اللاعب والفاعل الأول داخل الحقل السياسي وإن كان أكثر ما مرة عبر عبر أكثر من خطوة التزامه الكامل بالضوابط والقواعد الدستورية والقانونية المتفق عليها، إلا أن لا أحد يضمن استمراره على نفس النهج، خاصة وأن قوة تأثير المحيط -غير الديمقراطي- عليه يمكن أن تكون أقوى من أي التزام آخر كيفما كان.

خاصة وان الانتخابات المبكرة –ظاهريا- قد تكون من مصلحة حزب العدالة والتنمية فقط أو ربما معه بعض الأحزاب الصغيرة من التي ليس لها ما تخسره، خاصة تلك التي خرجت من الانتخابات بصفر اليدين، وهذا الأمر يعني بشكل آلي أنها لن تكون من مصلحة باقي الأحزاب الأخرى خاصة تلك المحسوبة على الإدارة، بما يعني مرة أخرى أن أكبر من سيعارض الخطوة هي هذه الأحزاب والتي سترمي بكل ثقلها لمنع الأمر وستسعى جاهدة لإقناع أطراف كثيرة من داخل الدولة بالأمر.

سيناريو آخر يبقى وارد جدا حدوثه وهو السيناريو الذي كان سيكون انقلابا ناعما على نتائج انتخابات السابع من أكتوبر من ذي قبل، أي ذلك الذي اتفقت فيه أربع من الأحزاب الرئيسية على التعاون لإسقاط ومنع حزب العدالة والتنمية الذي بوأته الانتخابات المرتبة الأولى من قيادة الحكومة، وهو السيناريو الذي أجهضه حميد شباط ورفض الانخراط فيه مع زعماء تلك الأحزاب.

ولا غرابة إذا أن تجدها الأحزاب السالفة فرصة مواتية للقيام بما كان من قبل أمرا حافا بالخطورة مستغلة في ذلك المستجدات الجديدة، ولن نستغرب إذا ما عقدت الأحزاب الأربعة اجتماع في الساعات القليلة المقبلة لتعلن عن تحالف عبر أي شكل من الأشكال أو اسم من الأسماء لتطرح نفسها على الجالس على العرش كبديل للعدالة والتنمية، وذلك تحت أي مبررات ومسوغات ، خاصة وأن وصفة “مصلحة الوطن العليا” تبقى جاهزة لتبرير أي شيء لا يمكن تبريره من قبل السياسيين في البلد.

زد على هذا أنه بالنظر إلى عقلية النخبة السياسية المخزنية أي تلك المنتمية للأحزاب الإدارية منها بالخصوص، فكل السيناريوهات السابقة مهما كانت أو كيف كان شكلها حتى وإن كانت غير دستورية ودون أي أساس قانوني فليس مهما ذلك ولا تثير لمثل هذه الأشياء اعتبار كبير، بل إن من يخبر عقلية هذه الفئة بالذات سيكتشف دون جهد كبير كيف أنها تجد في الاختيار الحر وتداول السلطة وما إلى ذلك من أدبيات الممارسة الديمقراطية أكبر أعدائها أصلا، وهذا يبدو جليا من خلال طريقة تدبيرها الداخلي لأحزابها من خلال طريقة التعامل مع أعضائها الأشبه إلى ملكيات خاصة من قبل زعمائها.

وبالطبع قد تكون كل هذه السيناريوهات غير واقعية عن البعض وربما مبالغ فيها، لكن نعتقد أن هذا يمكن الاتفاق والتصديق به كذلك لو كان الأمر يتعلق ببلد تمارس فيها الديمقراطية بشكل حقيقي وسليم، ولكن بلد مثل بلدنا و”بالديمقراطية الهشة ” التي يعيشها فنعتقد أن لاشيء يمكن أن يكون مستبعدا ولا شيء يمكن أن يثير الغرابة، لذلك فما قد تحمله باقي الساعات المقبلة قد يشكل مفاجئة مدوية للكثيرين، اللهم إلا إذا كان تدخل القصر مرة أخرى في الإطار الايجابي لسير العملية الديمقراطية كما هو مرجوا وكما وقع في بعض الحالات مؤخرا.