وجهة نظر

الباطرونا والخروج إلى العلن في التحالفات الحزبية

يبدو أن سلطة المال استطاعت تركيع عبد الإله بنكيران، فتشبثه المستميت بحزب الباطرونا الذي يترأسه الملياردير عزيز أخنوش، للدخول معه في الحكومة، يطرح أكثر من دلالة، ويجعلنا نتساءل عن السر في هذا الإلحاح على ضم يده في يد حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي عرف عنه تاريخيا في قدرته على استقطاب رجال الأعمال في كل لحظة، ومنحهم التزكية في لمح البصر، ماداموا سيضمنون له الفوز بالمقاعد الانتخابية، فضلا عن لعبه دور المصعد لشخصيات مستقلة وتقنوقراطية يراد لها الدخول إلى الحكومة والقيام بأدوار محددة.

تشير أغلب المؤشرات بنسبة كبيرة إلى تخلي عبد الاله بنكيران عن حزب الاستقلال في تحالفاته، وهو ما يعني هزيمة سياسية، نظرا لخضوع الحزب الأول في الانتخابات التشريعية، لشروط حزب يحتل المرتبة الرابعة، مما يجعل المواطنين يستغربون لصيغة ومفهوم الديمقراطية على الطريقة المغربية.

حزب الأرامل أو كما يمكن توصيفه، كاستعارة لتقريب طبيعة الكتلة الانتخابية لحزب العدالة والتنمية، الذي يستهدف الطبقات الاجتماعية المتوسطة والفقيرة، وهو شيء أدركه خصومه، حيث تحاول الدولة ومن يدور في فلكها من أحزاب إدارية، منعه من تنفيذ مشروعه المراد تفعيله بالدعم المادي المباشر للأسر الفقيرة، وهو إجراء فعال قد يضمن لحزب العدالة والتنمية البقاء في السلطة لمدة أطول، كما كان الأمر مع الرئيس البرازيلي لولا، الذي سار على نفس المنوال، ليجد نفسه محافظا على مكانة حزبه في السلطة لمدة تجاوزت العشر سنوات، مما حدا بحزب التجمع الوطني للأحرار إلى فرض شروطه، التي من بينها تخلي حزب العدالة والتنمية عن المشروع المذكور، كشرط للدخول في الحكومة.

عبد الإله بنكيران يدرك جيدا من خلال الخمس السنوات التي قضاها في الحكومة، الوزن الاقتصادي لحزب التجمع الوطني للأحرار، كنادي للميليارديرات، حيث يستحوذون على نسبة مهمة من الشركات والمقاولات المشكلة لبنية الاقتصاد المغربي، وغالبا ما ينتمي رؤساء اتحاد مقاولات المغرب لحزب المرحوم عصمان، وبالتالي يشكلون ورقة ضغط قوية في دواليب الدولة، وستكون مغامرة غير محسوبة العواقب إن دخلت الحكومة في صراع مباشر معه، لذلك فعبد الإله بنكيران يطلب وده ويستميله كشريك عن طريق وساطة حزب الحمامة.

دائما ما تكون الطريق معبدة للميليارديرات للحصول على السلطة، نظرا لدور المال في تمويل الحملات الانتخابية، فضلا عن لازمة تحالف المال مع السلطة، في الأنظمة الرأسمالية، فدونالد ترامب الرئيس الحالي للولايات المتحدة لن يكون سوى نموذج للميليارديرات، الذين استطاعوا الفوز بالسلطة.

هل يعني ذلك في سياقنا الوطني، بداية تشكل نخبة بورجوازية متحالفة فيما بينها، للدفاع عن مصالحها، خاصة أن أغلب رجال السياسة المغاربة استطاعوا مراكمة ثروات ريعية كبيرة بسبب جلوسهم على السلطة، وتحولهم إلى مقاولين كبار، هل سلوك عبد الاله بنكيران وقياديي حزبه يذهب في هذا الاتجاه، من خلال مغادرتهم لنادي الفقراء إلى نادي الأغنياء، خصوصا عندما نسمع تحول بعض الوزراء ورؤساء الجهات إلى مستثمرين يستغلون مواقعهم لتحقيق مصالحهم الشخصية، أم أن الأمر مجرد تكتيك من رئيس الحكومة ليضمن مساندة أقوياء الاقتصاد، لكي لا يبدو منعزلا.

في نفس السياق، هناك مشكل حقيقي يواجه حزب العدالة والتنمية، يتمثل في فشله في استقطاب نخبة رجال الأعمال، نظرا لديمقراطية الحزب، التي تضع شروطا معينة للترشيح، من بينها التاريخ النضالي للعضو وموافقة مجلسه الوطني، عكس الأحزاب الأخرى التي يكفي أن يكشف المرشح عن ثروته وعن جيوبه المملوءة ليوضع على رأس اللائحة.

من جهة أخرى، بنية الاقتصاد المغربي، تتميز بتحالف رجال السلطة مع رجال المال، مما يزرع الخوف في نفوس وأفئدة رجال الأعمال المغاربة من الاصطفاف مع حزب العدالة والتنمية، الذي ترسخت في تمثلات الطبقة البورجوانية، بكونه حزبا دينيا منغلقا، يحارب السياحة والبنوك الربوية، ومغضوب عليه من طرف السلطة الماسكة بزمام الاقتصاد، مما يزيد من وجلهم في تضرر مصالحهم واستثماراتهم.

جلالة الملك في جولاته الإفريقية الأخيرة، اصطحب معه زمرة من أعضاء حزب التجمع الوطني الأحرار، غالبيتهم من المليارديرات، مما يوحي بأن حكومة المليارديرات هي الحاكم الفعلي للبلاد.

بالعودة إلى الذاكرة في عهد الحسن الثاني، كان كريم العمراني في فتراته وزيرا أولا، وهو يمكنه أن يتقن أي شيء إلا السياسة، ومع ذلك احتل ذلك الموقع، كملياردير فوق العادة، باعتباره ماركة مسجلة عند المؤسسات المالية الدولية.

لقد أدرك بنكيران أنه لا يكفي الاستناد على الفقراء وشرائح الطبقة المتوسطة للفوز بالانتخابات،لأن السلطة في يد قوة المال وليس بيد صناديق الاقتراع، لذلك فهو يحتاج إلى مفاتيح الاقتصاد المتمثلة في رجال الأعمال، في انتظار تقوية حزبه برجال الأموال والاستثمارات، بدأت ملامحها في دخول لأبناك التشاركية في صيغتها الإسلامية، المتمثلة في أموال دول الخليج العربي.