مجتمع

أرقام وتحليلات حول العنف الجندري ضد الصحافيات في المغرب

تلعب الصحافيات مثل نظرائهن الرجال في المهنة دورًا محوريًا في تنوير الرأي العام ومساءلة ذوي السلطة والنفوذ، من خلال التقارير التي ينشرنها حول مختلف شؤون المجتمع. وعلى الرغم من أن نساء الصحافة يتعرضن لنفس المخاطر التي يواجهها الرجال، خاصة في البلدان غير الديموقراطية، أثناء تغطيتهن للقضايا الحساسة حول الفساد ومافيات الجريمة المنظمة وانتهاكات السلطة لحقوق الإنسان، فإنهن يواجهن مخاطر إضافية، مثل التحرش والاغتصاب والتنمر والمطاردة، ببساطة لأنهن نساء، وهو ما نسميه بالعنف القائم على النوع الاجتماعي.

وفقًا للأمم المتحدة، يعد العنف ضد النساء والفتيات أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان انتشارًا في العالم، إذ تشير التقديرات إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض للعنف الجنسي أو الجسدي في حياتها. بالنسبة للصحافيات، فإن الوضع أسوأ، إذ تعرضت واحدة من كل اثنتين من الصحافيات للعنف القائم على النوع الاجتماعي، مثل التحرش الجنسي والإساءة النفسية والتصيد عبر الإنترنت، حسب دراسة أُجريت عام 2017 من قبل الاتحاد الدولي للصحافيين.

ومن ثمَّة فإن العنف الجنساني ضد المرأة الصحافية هو وباء عالمي، تعيشه الصحافيات بوصفه روتين يومي بدرجات متفاوتة في مختلف بلدان العالم، ولا سيما بعد جائحة كورونا. «فلم يعد يشعر النساء بالأمان، سواء عبر الإنترنت أو على أرض الواقع، نظرًا لانتشار إفلات الجناة من العقاب»، كما قالت المقررة الأممية، دوبرافكا سيمونوفيتش، التي أعدت تقريرا مفصلا عن العنف ضد الصحافيات، نُشر في مايو (أيار) 2020.

ويعكس هذا الاستفحال لأشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد المرأة قضية جندرية أوسع، وهي التفاوت الاجتماعي بين الجنسين، القضية التي تضرب جذورها عميقا في ثقافة المجتمعات والتمثلات الذهنية تجاه المرأة والرجل. مثلما تمس الظاهرة حرية الصحافة والتعبير، وحق الجمهور في المعلومة.

وفي المغرب، تعاني أيضا الصحافيات من أشكال مختلفة من العنف والتمييز، مما يتركهن بجروح جسدية ومعنوية، تجعل من الصعب عليهن القيام بعملهن. وفي هذا السياق يأتي هذا التقرير الصحفي المُطول، من أجل تسليط الضوء على العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد نساء الإعلام في البلاد، بما في ذلك العنف الجسدي والعنف الجنسي والاقتصادي والعنف عبر الأنترنت، مقدمين نتائج وصفية وتحليلات حول الموضوع، بالإضافة إلى قصص بعض الحالات اللاتي يبحن لأول مرة بتجربتهن عن العنف الجندري.

نتائج عامة حول العنف الجندري ضد الصحافيات في المغرب

يشير مصطلح العنف القائم على النوع الاجتماعي (العنف الجندري) إلى الأفعال الضارة التي تستهدف فردًا على أساس جنسه، وهو متجذر في اللامساواة بين الجنسين. ويعرفه صندوق الأمم المتحدة على أنه «مصطلح جامع يشمل أي عمل ضار ضد إرادة الشخص، يكون مرجعه الاختلافات المشًيدة اجتماعيا بين الذكور والإناث. ويشمل الأفعال التي تلحق أذى جسدي أو نفسي أو جنسي، أو التهديدات بتلك الأفعال، أو الإكراه ضد حرية الشخص«.

ويسمى أيضا العنف الجندري أو العنف الجنوسي، وقد يلحق الرجال أيضا، لكن بحكم أن معظم الحالات المُسجلة تصب في خانة النساء، أصبح يُنظر إليه بشكل واسع، على أنها مسألة مرتبطة بالمرأة.

ومع أن المغرب قد أحرز تقدما كبيرا في مجال حقوق المرأة منذ بداية الألفية الجارية، إلا أنه لا يزال يحتل المرتبة 137 من بين 149 دولة وفقًا لتقرير الفجوة بين الجنسين العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي 2018، بسبب التفاوت الاجتماعي بين الجنسين، والذي يولد بدوره ظواهر التحيز الجنسي.

ويظهر ذلك واضحا عندما يتعلق الأمر بالصحافيات في البلد، اللاتي يختبرن أشكالا مختلفة من العنف الجندري، كما تخبرنا نتائج هذا التحقيق الصحفي، حيث استعار المحرر الصحفي أساليب البحث الاجتماعي من استمارات الاستطلاع والمقابلات النوعية إلى البحث المعلوماتي. ولا يزعم المحرر الصحفي أن هذا التقرير يمثل بحثا علميا، إلا أنه يقدم نظرة صحفية فاحصة حول مسألة العنف القائم على النوع الاجتماعي في المغرب، وهذه أبرز نتائجه.

أظهرت النتائج أن 74% من العينة المُستطلعة تعرضت لشكل واحد أو أكثر من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي خلال السنتين الماضيتين، وهي نتيجة مشابهة تقريبا لنتيجة تقارير العنف ضد الصحفيات حول العالم.

وبرز بقوة التحرش الإلكتروني، حيث أفادت 50% من الصحافيات أنهن تعرضن للتحرش عبر الأنترنت بشكل متكرر، و38% أحيانا. ثم العنف اللفظي، حيث اختبر 38% من العينة المستطلعة هذا الصنف من العنف بشكل متكرر، و35 % أحيانا.

فيما يتراجع وجود العنف الجنسي اللمسي والعنف الجسدي، اللذان يتطلبان الاتصال في الواقع، مقارنة مع الأشكال الأخرى من العنف، مما يحيل إلى أن منصات التواصل الاجتماعي وفَّرت بيئة خصبة لتشكل العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الصحافيات في المغرب.

من جانب آخر، تشير نتائج الاستطلاع إلى أن غالبية المتسببين في العنف القائم على النوع الاجتماعي الذي تعرضت له الصحافيات المُستطلعات هم أشخاص مجهولين بنسبة 56%، يليهم غوغاء الشارع بنسبة 41 %، والنسبة نفسها من الزملاء في العمل، ثم 35% من العنف ضد الصحافيات يأتي من ذوي السلط والنفوذ.

ولا يستثنى من الأمر المعارف والأصدقاء، وأيضا أقرباء العائلة، وإن كان بدرجات أقل، مما يشير إلى أن العنف الجندري ضد الصحافيات يتجذر نوعا ما في ثقافة المجتمع.

وعندما سألنا المُستطلعات عن الخطوة التي باشروها بعد تعرضهن لعنف قائم على النوع الاجتماعي، أجابت غالبيتهن بتفكيرهن في مغادرة المهنة، أو لجأن إلى الصمت. فيما فقط 9% تقدمن بشكوى لدى الجهات الرسمية.

قصص صحافيات مع العنف الجندري

من أجل فهم أكثر ما يتعرض له قسم من الصحافيات ارتباطا بالعنف الجندري، قمنا بإجراء مقابلات نوعية مع بعض الحالات، المُتعلقة بأشكال مختلفة من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وهي: العنف الاقتصادي، والعنف الجنسي، والعنف الإلكتروني، والعنف الجسدي.

كانت النتيجة العامة أن أغلبهن أبدين استعدادا قويا لمواصلة المشوار على درب الصحافة رغم بعض أشكال العنف الجندري التي تعرضن لها، وأنهن فخورين كونهن صحافيات. كما تعلمن من تجاربهن القاسية في الميدان كيفية التعامل مع مشكلات العنف القائم على النوع الاجتماعي بطريقة ذاتية.

1- العنف الاقتصادي

يُقصد بالعنف الاقتصادي القائم على النوع الاجتماعي ومظاهر الحيف المالي التي تلحق النساء، مثل الحرمان من العمل، والأجور المنخفضة مقارنة مع الرجال، إذ تُشير دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن المغرب يخسر حاليا حصة كبيرة من الدخل بسبب الفجوات بين الجنسين في السوق، فيكلف الفصل بين الجنسين المغرب حاليا حوالي46 % من دخل الفرد، مقارنة بالدول التي تكون فيها المرأة أكثر تواجدًا في سوق العمل. ويذكر صندوق النقد الدولي: «إذا كانت النساء يعملن بنفس عدد الرجال في المغرب اليوم، فإن دخل الفرد يمكن أن يقترب من 50% أعلى مما هو عليه الآن».

ومثل باقي النساء، قد تتعرض الصحافيات في المغرب إلى التمييز الاقتصادي، حيث يحظى بعضهن بأجور أقل مقارنة مع نظرائهن الصحافيين، فيما أخريات تُحرمن من حقوقهن المالية. وقد أخبرنا حوالي 32% من الصحافيات المستطلعات بتعرضهن لعنف اقتصادي بشكل متكرر.

سلمى (اسم مستعار) هي واحدة من اللواتي تعرضن لحيف مالي، تحكي «خلال تجربتي الأولى في العمل في الصحافة، اشتغلت بأجر هزيل جدا، إذ تم إقناعي أن المؤسسة في بدايتها وأنه مع الوقت سيتحسن الراتب تدريجيا، غير أن السنة مرت بدون جديد يذكر، بل أكثر من ذلك انضافت إلى عملي الرئيسي مهام إضافية أخرى تحتاج لشخص ليقوم بها، كنت في البداية أعتبره تعاونا فقط، لكن فيما بعد أصبحت ملزمة به. في كل مرة أطلب من المدير زيادة راتبي، أُقابل بتبريرات ووعود، حتى أخذت قرار تغيير المؤسسة».

تتم سلمى حديثها «منذ ذلك الحين قررت أن أكون حاسمة منذ البداية في مسألة الأجر، وهو ما صَعَّب علي إيجاد شغل في وقت قصير، واستغرق الأمر أشهرا في البحث. وعندما وجدت عملا، تكررت التجربة مرة أخرى، ولم يُلتزم بما طلبته في البداية وبدأ التسويف مجددا، لأضطر لإنهاء العمل مجددا في أقل من ثلاثة أشهر، وأبدأ من جديد رحلة البحث عن شغل. لولا تشجيع عائلتي لي من أجل تحقيق حلمي بالعمل صحافية، رغم حاجتهم للمال، لكنت انسحب من هذا المجال واخترت وظيفة أخرى».

تختم سلمي الكلام، «لكني تعلمت من تلك التجربة ألا أثق في أي مدير يسرد علي خطاباته الرنانة في بداية العمل، كما تعلمت أن أقوم بعملي وفقط وفق ما اتفق عليه في البداية، وعدم القيام بأعمال أخرى لا تدخل ضمن الاتفاق، وإن طلب مني ذلك. وهو الأمر الذي كان يزعج المسؤولين عني، فيتعقبون هفواتي للتنبيه والتوبيخ أو حتى للطرد».

2- العنف الجنسي

يحيل العنف الجنسي إلى الاعتداءات الجنسية، بما في ذلك الاغتصاب والتحرش الجنسي، أي عند القيام بعمل جنسي أو محاولة القيام به عن طريق الإكراه أو القوة، بدون رضا الطرف الآخر. كما قد يتخذ العنف الجنسي شكلا لفظيا يتمظهر في التعليقات والملاحظات ذات الطابع الجنسي، وغير المُرحب بها من الطرف الآخر، وتكون مرتبطة عادة بالجسد واللباس.

وقد تتعرض الصحافيات، مثل سائر النساء، إلى أشكال من العنف الجنسي، سواء في الشارع أو في أماكن العمل. وحسب الاستطلاع الذي أجراه المحرر الصحافي، فإن الصحافيات في المغرب لا يعرفن العنف الجنسي على أرض الواقع إلا بدرجة قليلة.

قد يكون ذلك علامة جيدة لتحسن وضع الصحافيات في المغرب، أو قد يكون الموضوع لا يزال “تابو” مسكوتا عنه بسبب الخوف من وصمة العار المجتمعية على الضحية وأسرتها، خاصة وأنه وجد صعوبة في إقناع بعض المتعرضات له بالبوح، بخلاف الأشكال الأخرى من العنف القائم على النوع الاجتماعي، إذ كان من السهل على الصحافيات سرد تجربتهن.

مريم (اسم مستعار) واحدة من الصحافيات الشابات اللاتي اختبرن التحرش الجنسي في مكان العمل. تقول «تعرضت للتحرش الجنسي بشكل متكرر من قبل شخص ذو منصب مسؤولية في المؤسسة الإعلامية التي أشتغل بها. بدأ الأمر عندما أجريت مقابلة عمل، وقُبلت. بعد مدة يسيرة أخذ يقذف بعض التلميحات بخصوص ملابسي وتسريحة شعري، خلال أوقات العمل وخارجه، وأحيانا يحاول الاستفراد بي والتقرب مني ولمسي، غير أني دائما ما كنت أتجاهل رسائله الموحية، وأتجنب التواجد معه بمفردي».

تضيف مريم «كان يعلم أني في حاجة ماسة للشغل، وكان يستغل ذلك للتقرب مني ومطالبته لي بملاقاته خارج العمل، إلا أني كنت أرفض ذلك، مما كان يضعني في صدام معه بشكل دائم. أثر علي ذلك كثيرا حينها، وكنت أبكي باستمرار وأقرر في كل يوم التوقف عن العمل، لكني كنت أتذكر حاجتي الماسة له وأذهب رغما عني، ولم أرتح إلا عندما غادر ذلك الشخص المؤسسة، بعدها بمدة تواصل معي واعتذر مني بعد أن أدرك خطأه وتوقف عن التحرش».

تقول مريم «يمكن أن تقع الصحافيات في مواقف، تكون فيها مخيرة بين الاستمرار في عملها أو التجاوب مع بعض الأشخاص خاصة ممن لهم سلطة عليها. وأمام الإكراهات المادية وقلة فرص الشغل، منهن من تضطر للاستمرار إما بالصبر وعدم الاستسلام، وإما بالاستسلام للشخص من أجل الاستمرار. لكني أوصي بعدم الاستسلام، وإن اقتضى الأمر التبليغ عن الشخص المتحرش ومتابعته قضائيا».

3- العنف الإلكتروني

بينما أتاح العصر الرقمي فرصًا جديدة للنساء للتعبير والنشر، خاصة للصحفيات، فقد وفر أيضًا منصة لأشكال جديدة من العنف عبر الإنترنت، بما في ذلك التنمر الإلكتروني، والمطاردة الإلكترونية، وحملات التشهير وتشويه السمعة، والابتزاز الجنسي، والتصيد، والانتقام الإباحي، والتجسس، والقرصنة.

ويتعرض الصحفيون رجالا ونساء للعنف الإلكتروني بسبب التقارير الصحفية التي ينشرونها، خاصة في القضايا الحساسة حول الفساد والسياسة وانتهاكات حقوق الإنسان، بهدف إخراس أصواتهم. ومع ذلك تبقى الصحافيات أكثر عرضة من نظرائهن الرجال للتعليقات التحقيرية المسيئة، والتهجمات الجنسية التي تركز على المظهر، وكان هذا الشكل من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي هو الأكثر حضورا في إجابات الصحفيات المغربيات المُستطلعات.

تحكي وفاء (اسم مستعار) تجربتها مع التنمر الإلكتروني، «بعد مشاركتي لرابط ربورتاج يهم النساء وينتصر لهن على حساب الرجال، على صفحتي في “فيسبوك”، فوجئت بموجة من التعليقات المسيئة من قبل متفاعلين افتراضيين من الجنسين لا أعرف هويتهم، أخذوا يسخرون مني بشدة، ويقحمون خصوصياتي وشخصي في الموضوع بعيدا تماما عن المضمون، بعد أن اقتحموا حسابي وصوري».

تكمل وفاء: «ندمت بعض الشيء على مشاركتي للرابط، فرغم التشجيع الذي لاقيته من قبل الكثيرين، إلا أن تلك التعليقات السلبية المسيئة بقيت عالقة في ذهني، إذ هاجمت شخصي وشكل جسدي وملامح وجهي بوحشية، مما دفعني إلى تجنب الاشتغال على مثل هذه المواضيع لفترة، ولم أعد أشارك كل أعمالي الصحفية على منصات التواصل الاجتماعي، بل أنتقي منها العادي فقط».

أما بالنسبة لخديجة (اسم مستعار) فقد اختبرت التحرش الإلكتروني بشكل متكرر، تقول «بحكم عملي الصحفي، أعطي رقم هاتفي عادة لبعض الأشخاص، مثل فاعلين جمعويين وحقوقيين، من أجل أخذ تصريحات أو الاستفسار بخصوص قضية ما أشتغل عليها. وفي هذا السياق قدمت مرة هاتفي لمصدر صحفي، وبدأ يمدني ببعض الأخبار ونتواصل باستمرار حتى أصبحنا أصدقاء، نتحدث فيما بيننا بدون تكلف، لكن في إطار الاحترام، إلى أن أخبرني ذات يوم أنه معجب بي واسترسل في ذلك، فأخبرته بأن تبقى العلاقة كما كانت، غير أنه استمر في إلقاء التلميحات الجنسية في كل مرة، إلا أن تفاجأت يوما بإرساله لي صورا خاصة به مخلة بالحياء! ».

تسترسل خديجة في الحديث، «صُدمت كثيرا، لأني لم أتوقع يوما ما أن أجد نفسي في هذه الوضعية مع هذا الشخص تحديدا، فحذرته ليتراجع عن نزوته الجنسية». ولا تعتقد خديجة أن الصحافة مهنة خطيرة على النساء في المغرب، بل فقط ينبغي اختيار الأشخاص وعدم فتح الباب للحديث عن أشياء خارج إطار العمل، «بالعكس أحيانا عندما يعلم الطرف الآخر أني صحافية يتعامل معي بحذر أكثر، وأشعر فعلا بأنها السلطة الرابعة وأني في موقف قوة وحماية»، كما تذكر.

4- العنف الجسدي

يشير العنف الجسدي إلى فعل متعمد يسبب إصابة أو صدمة عن طريق الاتصال البدني، أو التهديد بفعله، سواء تضمن الاعتداء بسلاح أو بدونه، مما قد يهدد السلامة الجسدية للفرد المُعتدى عليه. وقد تتعرض الصحافيات، بحكم عملهن مثل نظرائهن الرجال، إلى اعتداءات جسدية، وبخاصة عند تغطية الأحداث المتوترة واقتحام دروب أحياء الفوضى والجريمة. حسب الاستطلاع الذي قمت به فإن نسبة 35% من الصحفيات تعرضن لعنف بدني بشكل متكرر.

لبنى (اسم مستعار) عاشت تجربة العنف الجسدي بسبب عملها الصحفي، تسرد قائلة، «تعرضت في العمل لمضايقات كثيرة خلال قيام بمهامي الصحفية في الشارع، كمصورة صحفية. وأذكر أنه في إحدى المرات طالب أحد الغوغاء في الشارع برقم هاتفي، فرفضت، ثم أجبرني على الوقوف رغما عني وأمسك بيدي، فصرخت طلبا للمساعدة، مما حذا ببعض المواطنين إلى التدخل لمساعدتي. بعدها تحاشيت الخروج للعمل خلال الأيام الموالية، ورفضت العمل خارج المقر إلا بمرافقة زميل لي، كما كنت أتجنب عبور ذلك المكان مخافة اصطدامي بذلك الشخص».

تضيف لبنى: «لم أقدم أي شكاية، وعندما أخبرت زملائي في العمل نصحوني بأن أذهب لمركز الشرطة، ونبهوني أن أتوجه دون تردد للشرطة كلما واجهت مشكلة مماثلة، خاصة أن مكان الحادثة كان وسط المدينة وعلى مقربة من مركز للشرطة».

تلفت لبنى الانتباه إلى أنه لا تستطيع المرأة الصحافية في بعض الأحيان أن تغامر لوحدها ليلا، أو دخول بعض الأحياء الشعبية المجهولة، لأجل القيام بمهمة صحفية. وتنصح زميلاتها «بالتوجه لأقرب مركز شرطة وتقديم شكاية عند التعرض لعنف بدني، مع الاحتراس في العمل وتجنب الأماكن المشبوهة».

أصول العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء

يكتسي فهم العنف القائم على النوع الاجتماعي والعوامل المتسببة فيه أهمية بالغة، حسب دليل صندوق الأمم المتحدة للسكان، وذلك من أجل سن استجابات مناسبة للمشكلة، لمعالجتها من الجذور وليس فقط سطحيا. ويمكن فهم مسألة العنف الجندري من خلال ثلاثة جوانب، نوضحها في الآتي:

1- تفسيرات النظريات الاجتماعية

لفهم العنف الجندري ضد الصحافيات، والنساء عموما، ينبغي الحفر عميقا في جذور اللامساواة بين الجنسين، «فالعنف القائم على نوع الجنس هو ظاهرة متجذرة بعمق في عدم المساواة بين الجنسين، و لا تزال واحدة من أبرز انتهاكات حقوق الإنسان في جميع المجتمعات«، كما يؤكد المعهد الأوروبي للمساواة بين الجنسين. وبالتالي فإن التفاوت الجنوسي متورط بقوة في العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد النساء.

يُفسر عالم الاجتماع البريطاني، أنتوني جدنز، المسألة في كتابه «علم الاجتماع»، قائلا «تبنى الهويات الجنوسية طبيعيا واجتماعيا، غير أن الفوارق الجنوسية قلما تكون محايدة، ففي جميع المجتمعات تقريبا تمثل الجنوسة شكلا من أشكال التراتب والتدرج الاجتماعي، وتشكل عاملا أساسيا في بناء أنواع الفرص وخيارات الحياة التي يواجهها الأفراد والجماعات«.

ويضيف: «ومع أن أدوار الرجال تختلف من ثقافة لأخرى، فإننا لا نعرف أي ثقافة تتمتع فيها النساء بقوة أكثر مما يتمتع به الرجال. فالنساء في جميع الثقافات تقريبا يتحملن المسؤولية الأولى عن تربية الأطفال والأعمال المنزلية، بينما يتكفل الرجال في تدبير سبل المعيشة للعائلة. وقد أدى تقسيم العمل السائد بين الجنسين إلى ترتيب الرجال والنساء في مواقع غير متساوية من حيث المواقع والوجاهة والقوة والثروة«.

وهكذا نشأت اللامساواة بين الجنسين، فمن خلال تقسيم الأدوار الاجتماعية بناء على الفروقات الجنوسية لدى المجتمعات البشرية الأولى، تشكلت مع الوقت سلطة اجتماعية ثقافية للرجال على النساء تبعا لنظام التقسيم ذاك، تم توارثها جيلا بعد جيل من خلال التنشئة الاجتماعية. «ورغم التقدم الذي حققته النساء بدرجات متفاوتة في معظم العالم، فإن الاختلافات الجنوسية ما زالت هي الأساس التي يقوم عليه التفاوت الاجتماعي»، كما يقول أنتوني غدنز.

بينما تنطلق المدرسة النسوية الراديكالية من فكرة أن الرجال هم المسؤولون عن استغلال النساء وهم المنتفعون في الوقت نفسه من هذا الوضع، وتعتقد أن هناك هيمنة ممنهجة للذكور على الإناث مغروسة في البنى السياسية والاجتماعية للمجتمع، ولا مناص منها الا بالإطاحة بها، حيث شكل الرجال عن سبق إصرار مجتمعات يتمتع فيه الرجال بالسلطة على النساء، حسب الحركات النسوية.

فيما يذهب عالم النفس التحليلي سيجموند فرويد وعالم الاجتماع الفرنسي بيير بورديو، إلى أن التفاوت بين الجنسين يعود أصله إلى نظرتنا المتأصلة إلى الجنس والعلاقة الجنسية، والتي تختزن داخلها فكرة تفوق الرجل (صاحب القضيب) على المرأة (مُستقبلة القضيب) بشكل يكاد يكون شبه فطري. ومن داخل هذه النظرة المُقوقعة تنبع اللامساواة بين الجنسين.

وكيفما اختلفت هذه التفسيرات حول أصول التفاوت بين الجنسين، فإن جميعها تؤكد أن العنف ضد المرأة ينشأ من علاقات القوة غير المتكافئة بين الرجل والمرأة المتجذرة في ثقافة المجتمعات، ومن ثمة تنشأ بيئة خصبة لتشكل ظواهر العنف القائم على النوع الاجتماعي، كجزء «طبيعي» من الحياة، لابد منه بالنسبة للنساء.

وعلى هذا النحو، يتعرض الصحافيات للتحيز الجنسي، إذ يُتوقع منهن أن يتناسبن مع الأدوار النمطية والصور الجنسية كباقي النساء، خاصة عندما يخالفن خلال أعمالهن الصحفية قواعد اللامساواة بين الجنسين والقوالب النمطية.

2- دور العوامل المحلية

شهد وضع المرأة تحسنا كبيرا بدأ منذ بدايات القرن العشرين في العالم الغربي، غير أن رياح التحديث لم تصل مجتمعات شمال إفريقيا والشرق الأوسط بشكل كبير وشامل إلا في العقود الأخيرة، وبالتالي فإن هذه المجتمعات هي حديثة العهد في ما يخص المساواة بين الجنسين، حيث لا تزال الثقافة البطريركية الأبوية راسخة في المجتمع.

ويذكر صندوق الأمم المتحدة في هذا السياق، أن «المعتقدات والسلوكيات الاجتماعية في هذه المنطقة لا تزال تبني تصورات عن النساء والفتيات، كونهن أقل من الرجال وخاضعات. مع تهيئة ثقافة وبيئة يسهل فيها إلحاق الأذى بالنساء. هذه الوضعية التابعة والخاضعة كثيرا ما تترسخ بمساعدة مختلف المؤسسات الاجتماعية والثقافية القائمة، مثل المؤسسات التعليمية والدينية والقانونية».

ولذلك لا غرابة أن هذه المجتمعات في شمال أفريقيا والشرق الأوسط تعرف فجوة ملحوظة في مسألة المساواة بين الجنسين، بحسب تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي 2018. هذا على الرغم من أن المنطقة أحرزت تقدما كبيرا في مجال حقوق المرأة منذ بداية الألفية الجارية، إلا أن التصورات الاجتماعية السائدة لا تزال تحافظ على تقسيم الأدوار التقليدية.

من جهة أخرى، لا بد من توضيح أن الدراسات النسوية تهيمن عليها النظرة الغربية، نظرا للسياق الجغرافي الذي أنجزت داخله، وبالتالي قد يكون إسقاطها على المنطقة العربية غير كاف لتفسير العنف القائم على النوع الاجتماعي في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، إذ قد تعلب عوامل محلية أخرى دورا في هذه المسألة، مثل الفقر والاستبداد السياسي والضغط الاقتصادي والكبت الجنسي، حيث يوجد الرجال في الخطوط الأمامية في مواجهة كل تلك الضغوطات.

ومع ذلك، لا يوافق الأستاذ الجامعي والباحث في علم الاجتماع، أحمد المتمسك، تصدير الرجال العنف الذي يتعرضون له نحو المرأة، ويقول في حديثه لنا: «لا ينبغي أن نحمل المرأة بطريقة واعية ولا واعية مسؤولية مشاكلنا والضغوطات الاقتصادية، والتي تفاقمت بعد أزمة كورونا، أو نجعلها كبش فداء، بل يجب أن يتعلم الرجل التعامل مع مشاكله والظروف التي يمر بها، ويتحمل مسؤوليته كشخص راشد ومؤمن بالمساواة».

ويوضح أكثر الباحث، المتمسك، قائلا «يرجع العنف ضد النساء أساسا إلى العقلية الذكورية الموجودة في المغرب وفي بلدان المنطقة المتوسطية، العقلية المتجذرة والمُضمرة اجتماعيا عند الرجال والنساء سواء، حيث يتطلب من الرجل لإثبات رجولته أمام المجتمع ممارسة العنف ضد النساء والأطفال، وبالتالي ترى هذه الثقافة أن العنف ضد النساء والأطفال شيء عادي وشرعي، في حين أنه ليس كذلك».

ولأن الصحافيات جزء من هذه المجتمعات، فتستمر الأعراف الاجتماعية والقوالب النمطية الجنسانية في كبح عمل المرأة في هذه المهنة على قدم المساواة مع الرجال، إذ تعتبر الصحافة في بعض السياقات الثقافية والاجتماعية مهنة غير مناسبة للمرأة وتتعارض مع قيم الزواج أو الأسرة، رغم أن السنوات الأخيرة شهدت زيادة في عدد النساء اللائي اخترن الصحافة كمهنة في شمال إفريقيا.

3- عامل الأنترنت كبيئة خصبة للعنف الجندري

تعتبر المضايقات والاعتداءات والتهجمات ضد الصحفيين على الأنترنت ظاهرة روتينية، بحكم التقارير الصحفية التي ينشرونها والتي قد لا تروق لبعض الناس أو الجهات المنظمة، غير أن الصحفيات يتعرض بشكل أشد للعنف عبر الأنترنت، مما يجعل الأخير عاملا مهما في تأجيج العنف القائم على النوع الاجتماعي.

في سنة 2020، أجرت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) والمركز الدولي للصحفيين (ICFJ) مسحًا عالميًا لتقييم نطاق وتأثيرات العنف عبر الإنترنت الذي يستهدف الصحفيات، إنه المسح الأكثر شمولاً وتنوعًا جغرافيًا الذي تم إجراؤه على الإطلاق حول هذا الموضوع، حيث شمل 714 صحفية من 113 دولة.

قالت 73% من الصحفيات اللواتي شملهن استطلاع المركز الدولي للصحفيين واليونسكو إنهن تعرضن لمجموعة واسعة من أعمال العنف عبر الإنترنت، بما في ذلك التهديدات بالاعتداء الجنسي والعنف الجسدي، والإساءات اللفظية، والمضايقات، والهجمات السيبرانية والتضليل المصممة لإسكات الصحفيين.

«يبدو الأمر وكأنه حرب منخفضة الحدة ومستمرة، يتم استهداف فيها النساء على الأنترنت بالطريقة نفسها التي تتم في الحروب السيبرانية»، كما قالت الصحفية الفنلندية جيسيكا أرو لفريق المسح البحثي.

وتوصَّلت دراسة اليونسكو والمركز الدولي للصحفيين إلى أن «منصات وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما فيسبوك، هي من العوامل الرئيسة المساعدة على ممارسة العنف على الإنترنت ضد الصحفيات»، حيث تفتقر شركات وسائل التواصل الاجتماعي إلى حلول تراعي الفوارق بين الجنسين، والقدرة على الاستجابة السريعة وبجميع اللغات.

وقد زاد سياق جائحة كورونا من تفاقم العنف على الإنترنت ضد الصحفيات بسبب زيادة الإقبال على الأنترنت، حيث قالت 16٪ من الصحافيات المستجوبات إن الإساءة والمضايقات عبر الإنترنت كانت «أسوأ بكثير من المعتاد»، حسب دراسة استقصائية عالمية أخرى، أجراها المركز الدولي للصحافة والعدالة ومركز تاو للصحافة الرقمية في جامعة كولومبيا كجزء من مشروع الصحافة والوباء.

وعادة ما تستجيب الصحافيات المستهدفات للعنف عبر الأنترنت، من خلال تفعيل الرقابة الذاتية على منشوراتهن على الشبكات الاجتماعية، كما أخبرتنا وفاء سابقا والتي أصبحت تنتقي منشوراتها بعناية قبل نشرها على الفيسبوك، بعد تعرضها لتجربة التنمر الإلكتروني المشينة. فيما بعض الصحافيات ينسحبن تماما من جميع وسائل التواصل الاجتماعي، ويتجنبن مشاركة الجمهور موادهم الصحفية، وهو ما قد يشكل ضغطا خفيا على حرية الصحافة والعبير.

تأثيرات العنف الجندري على الصحافيات

تواجه العديد من النساء العاملات في مجال الصحافة يوميًا مختلف أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي، يتبعهن من العمل إلى المنزل، ويغزو مساحاتهن المهنية والخاصة، بعض الأحيان يكون هذا العنف منخفضا وخفيا من خلال قذف تلميحات جنسية غير مرحب بها سواء في الواقع أو عبر الأنترنت، وأحيانا تكون الإساءة وحشية وبلا رحمة.

تؤدي الاعتداءات التي تتعرض لها الصحفيات إلى الأذى النفسي والجسدي، والرقابة الذاتية، أو دفعهن إلى تجنب أنواع معينة من التقارير، أو الانسحاب تماما من الصحافة، مما يؤثر بشكل كبير على حرية التعبير والتنوع في وسائل الإعلام، ويمكن أن يقلل حضور النساء في غرف التحرير.

وكنا قد سألنا في استطلاعنا المستجوبات عن الأضرار التي لحقتهن بعد تعرضهن لعنف قائم على النوع الاجتماعي، فأجابت نسبة 47% من العينة المُستطلعة بعدم شعوهن بالأمان، فيما أخبر 35% عن تأذيهن نفسيا، ونسبة 26% قلن إن ما تعرضن له أثر على مردودية عملهن الصحفي. وكانت نسبة 47 في المئة عبرت عن تفكيرها في مغادرة مهنة الصحافة بعد تعرضها لعنف قائم على النوع الاجتماعي.

كما قد تتعرض الصحفيات المبلغات عن الاعتداءات الجنسية إلى وصمة العار الثقافية، ولمنع حدوث ذلك كثيرا ما يتجنبن الإبلاغ خوفا على سمعتهن وسمعة أسرهن، أو خوفا من أن يُنظر إليهن كمصدر خطر من قبل الزملاء في المهنة، مما قد يحرمهن من فرص مستقبلية.

واستنادًا إلى نتائج الاستطلاع العالمي لليونسكو والمركز الدولي للصحفيين حول العنف على الإنترنت ضد الصحفيات، فإن 20٪ من واجهن تهديدات وإساءات على الإنترنت، أفادت أنهن تعرضن مباشرة بعدها لهجوم في الواقع. بالإضافة إلى ذلك، قالت 17٪ من الصحفيات المشاركات في الاستطلاع أنهن يمارسن الرقابة الذاتية بسبب العنف على الإنترنت.

كانت الضغوطات النفسية هي الضرر الأبرز الذي تختبرنه الصحافيات اللاتي تعرض لعنف قائم على النوع الاجتماعي، سواء في الاستطلاع الذي أجريته أو استطلاع اليونسكو، الأمر الذي يضيف عبئا نفسيا ثقيلا على نساء مهنة المتاعب، التي تحتاج كثيرا من الصفاء والطاقة.

لا تهدد هذه الآفة، أي العنف الجندري، سلامة نساء الصحافة فقط، بل تمس حرية الصحافة والتعبير، إذ كثيرا ما تلجأ الصحافيات لاستراتيجيات التجنب كرد فعل على الهجمات، بما في ذلك الانتقاء في المواضيع المُشتغل عليها، والقصص المختارة لمشاركتها مع الجمهور، وحتى التفكير في الإقلاع عن الصحافة، أو الانسحاب منها فعلا، مما يقوض صحافة المساءلة، التي هي ضرورة حيوية للمجتمعات.

كيف يمكن حل معضلة العنف الجندري ضد الصحافيات؟

بدأ تسليط الضوء على مسألة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الصحفيات في العديد من قرارات الأمم المتحدة واليونسكو الأخيرة. وكانت المقرر الأممية، دوبرافكا سيمونوفيتش، قد أعدت تقريرا عن العنف ضد الصحفيات  العام الماضي، تعالج فيه التحديات التي تواجه الصحفيات، فضلا عن أسبابها، وتقديم توصيات إلى الدول وأصحاب المصلحة الآخرين حول كيفية معالجة هذه القضية، التي تفاقمت في سياق وباء كورونا.

على هذا النحو، تسعى جهود المقررة الخاصة إلى إرساء الأساس للدول لإنشاء إطار حقوق الإنسان المناسب بهذه المسألة، بما في ذلك تطوير السياسات أو استراتيجيات لضمان حماية الصحفيات.

تواصلنا مع إدارة اليونسكو التابعة للأمم المتحدة من أجل فهم الحلول الجارية لضمان سلامة الصحافيات حول العالم، أخبرتنا سوارلا مكاب، المستشارة الأولى لتطوير الاتصال والمعلومات والإعلام لدى اليونسكو، أنه من أجل التصدي للتهديدات الخاصة بنوع الجنس على سلامة الصحفيات على الإنترنت وخارجه، «يجب تصميم الاستجابات وتقديمها لأصحاب المصلحة المعنيين، مثل الحكومات أو المنظمات الإعلامية أو المجتمع المدني أو المنصات عبر الإنترنت«.

توضح مستشارة اليونسكو قائلة: «ينبغي على الحكومات وضع آليات فعالة للوقاية والحماية والرصد والاستجابة للتصدي للعنف ضد الصحفيات، سواء عبر الإنترنت أو خارجها. علاوة على ذلك، يجب أن ترتكز معالجة العنف ضد الصحفيات على جهود أوسع مرتبطة بتحسين المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة«.

أما فيما يتعلق بالمشكلة المتزايدة للعنف على الإنترنت ضد الصحفيات، فقالت: «يمكن للحكومات ضمان تطبيق القوانين والحقوق المصممة لحماية الصحفيات في وضع عدم الاتصال بالإنترنت على قدم المساواة». مضيفة، «تحتاج المنصات على الإنترنت إلى تعزيز تأثيرها في معالجة قضية العنف المتنامية على الإنترنت ضد الصحفيات«.

تردف مستشارة اليونسكو، «من بين أمور أخرى، يمكن للمنصات على الإنترنت تحديد سياسات وإجراءات أكثر فاعلية لاكتشاف ومعاقبة المخالفين المتكررين، وإيقاف نفس المنتهكين الذين يتقمصون حسابات جديدة بعد حظرهم. كما يجب على المنصات الاجتماعية إنشاء المزيد من أدوات الإبلاغ عن الإساءة، بحيث تدعم اللغات المحلية وتكون حساسة للمعايير الثقافية المحلية، وتضمن المزيد من الشفافية فيما يتعلق بكيفية استجابتهم لتقارير التحرش«.

على المستوى المحلي، أحرز المغرب تقدما ملحوظا في المساواة بين الجنسين، بعد جهود حثيثة في السياسة والقوانين والإعلام والمجتمع المدني منذ بداية الألفية الجارية، ومع ذلك لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، حتى يكون حضور المرأة في الصحافة منسجما مع مساهمتها في تنمية المجتمع.

وفي هذا الإطار، تنشط مجموعة من هيئات المجتمع المدني في مكافحة العنف الجنوسي، منها شبكة الرابطة انجاد ضد عنف النوع، التي تقول رئيستها نجية تزروت في تواصلنا معها، «نقدم خدمات الاستماع للنساء ضحايا العنف المبني على النوع، ومنهن صحافيات، بمساعدة أخصائيين للدعم النفسي والاجتماعي«.

وتُتمم الناشطة المدنية نجية، «كما نقدم خدمة التوجيه القانوني والمرافقة والمؤازرة المجانية للنساء المعنفات في وضعية صعبة، بالإضافة إلى مساهمتنا في الترافع من أجل تغيير القوانين وتحقيق المساواة بين الرجال والنساء«.

وكان من اللافت معاينة النقص الملحوظ لدى الصحفيات المغربيات المُستطلعات في المعرفة اللازمة لاستعادة حقهن وعافيتهن النفسية في حال تعرضهن لعنف جندري، حيث قالت 26% إنهن لا يعرفن صراحة كيفية التعامل مع الأمر، فيما عبرت 40% عن معرفتهن القليلة في هذا الشأن.

وهو ما يثير الحاجة إلى إتاحة موارد مفيدة للصحفيات على مدار اليوم، من أجل استخدامها في وقت الحاجة ارتباطا بالعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقد باتت المنظمات الإعلامية الدولية تخصص دلائل إرشادية وموارد من أجل مكافحة العنف القائم على النوع الاجتماعي ضد الصحفيات، نذكر منها:

* تم إطلاق مركز الاستجابة للعنف عبر الإنترنت حديثا من قبل المؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة (IWMF) والمركز الدولي للصحفيين (ICFJ). ويقوم المركز بتوفير مختلف الموارد في مكان واحد، لتقديم الدعم والمساعدة والإرشاد للمستهدفات بهذه الهجمات عبر الإنترنت. بالنسبة للصحفيات، يمكن الضغط على زر «المساعدة الطارئة» ذي اللون البرتقالي في حال احتجن إلى المساعدة الطارئة.

* أنتج صندوق الأمم المتحدة للسكان دليلا شاملا حول كيفية تغطية مواضيع العنف القائم على النوع الاجتماعي، لمساعدة الصحفيين والمنابر الإعلامية.

* أطلقت طومسون رويترز والمؤسسة الإعلامية الدولية للمرأة (IWMF) مؤخرًا دليل إرشادات عملية حول سلامة الصحفيات.

* يضع موقع الاتحاد الدولي للصحفيين مجموعة من الموارد الإرشادية لسلامة الصحفيات، كما يعرض سبلا للمساعدة.

* نشرت منظمة حرية الصحافة عام 2020 دليلا شاملا حول سلامة الصحفيات، مُوجه للجهات المدنية والإعلامية والسياسية.

* وعلى المستوى المحلي، هناك الجهات الرسمية المعنية في كل بلد على حدة، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني العاملة في العنف ضد النساء التي توفر المساعدة لحالات العنف الجندري.

يبقى أن نشير إلى أن بعض الحكومات – وفق منظمات صحفية – تستعمل «محاربة العنف القائم على النوع الاجتماعي» ليس لتعزيز دور حرية الصحافة كما هو مفترض، وإنما تكتيك جديد لإخراس الصحافة والانتقام من الصحافيين الجريئين، الذين يقدمون تقارير حول الفساد وإساءات السلطة ومساءلة ذوي النفوذ، حسب اللجنة الدولية لحماية الصحفيين (CPJ).

ومع ذلك فإن العنف الجندري هو ظاهرة محلية وعالمية، يلحق النساء عموما، ومنهن صحافيات، اللاتي قد يتحملن عبء العنف الجندري، مُضافا إلى ما تعانيه الصحافة الحرة من اعتداءات وترهيب في الوقت الراهن، من قبل الحكومات والمافيات واللوبيات المالية في العديد من مناطق العالم.

 

أُنجز هذا التقرير بدعم من «Justice for Journalists Foundation»

Illustrations including the cover show gender violence against women – Credit: Khalid Bencherif

الـمـصـــــــــــــادر

———————-

  1. Gender-based Violence
  2. IFJ survey: One in two women journalists suffer gender-based violence at work
  3. Combating violence against women journalists
  4. إعداد التقارير العالمية حول العنف القائم على النوع الاجتماعي
  5. كتاب علم الاجتماع
  6. Freud’s Perspective on Women
  7. The 2018 World Economic Forum’s Global Gender Gap Report
  8. Online violence Against Women Journalists
  9. The Committee to Protect Journalists
  10. Welcome to the Online Violence Response Hub

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *