وجهة نظر

عن إعفاء خطباء الجمعة

تسريح العاملين والمستخدمين، لم يعد من اختصاص شركات القطاع الخاص وحدها، بل طالت هذه العدوى و بوتيرة ملحوظة حتى خطباء الجمعة التابعين لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، لكن هذه المرة يبدو الأمر مختلفا، ولم يمر هذا الحدث مرور الكرام كما في السابق، بل هناك معطى جديد غير مسبوق من خلال مقاطعة المصلين لخطبة الجمعة بمسجد يوسف بن تاشفين بفاس، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام المسجد المذكور، تضامنا مع خطيبهم الذي تم إعفاؤه من مهامه بدعوى خلط الدين بالسياسة.

حقيقة اعتلاء المنابر الدينية بمثابة قضية من القضايا الحساسة جدا في المغرب، بالنظر إلى تأثير الخطاب الديني على البنيات الفكرية وسلوكيات الأفراد والجماعات، ومدى مساهمتها في توجهات المواطنين، مما فرض على السلطات المختصة التحكم في منابر المساجد ورسم إطار محدد لمواضيع ومضامين خطب الجمعة ، خوفا من نشر الفكر المتشدد وحفاظا على توجهات المذهب المالكي.

ما يلاحظ، هو أن تبريرات إعفاء خطباء الجمعة، بدعوى خلط الدين بالسياسة لا ينسجم بتاتا مع توجهات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية هي نفسها، حيث في كثير من المرات كانت تقحم خطباء الجمعة فيما هو سياسي من خلال دعوة المواطنين من على منابر خطب الجمعة إلى التصويت في الاستحقاقات الدستورية والانتخابية.

من جهة أخرى المتأمل الحصيف للمرامي السامية والقصد من خطبة الجمعة، سيجدها وسيلة من وسائل اجتماع المسلمين بشكل متواصل وأسبوعي لتدارس مشاكلهم وشؤونهم الدينية والدنيوية، لتكريس تضامنهم ولحمتهم، وهو شيء أصبح بعيد المنال من خلال مضامين خطب الجمعة التي أفرغت من مضمونها، فصارت تناقش العموميات والمواضيع السطحية، حتى أنه في غالب الأحيان يخيل للمرء أن الخطيب يتحدث عن زمن وسياق آخر، غير الذي نعيش فيه، وفي مرات عديدة يصعب عليك التفريق بين خطبة الجمعة ونشرات أخبار الظهيرة بالقنوات العمومية المغربية.

في السياق الحالي، لم تعد هيبة خطباء الجمعة كما كانت، كرجال علم ومعرفة وفقه، بل صاروا مجرد أشخاص يتلون نصوص مملات لخطب مكتوبة بشكل آلي تقارب عشرة دقائق نصف مدتها مخصص للبسملة والأدعية، وهي عملية يمكن أن يقوم بها أي فرد عادي لم يتجاوز طور الابتدائي، كما أن خطباء المساجد في الغالب الأعم بمثابة غرباء عن ساكنة الأحياء المحيطة بالمساجد، لكونهم معينين ويتم استقدامهم من أماكن أخرى بعيدة، وبالتالي يجهلون مشاكل الناس الحقيقية المحيطة بأحيائهم، والتي هي من المفروض مناقشتها والتطرق لها برؤية دينية.

إذن، ما العيب في أن يتحدث خطيب الجمعة عن موضوع بناء مدرسة أو مستشفى أو تهيئة طريق أو توفير وسائل النقل بالحي مثلا، هل في ذلك مساس بالأمن العام أم هو بمثابة إفساد لعقول الناس و أخلاقهم، أم أن الأمر ليس من الدين، ثم إذا لم يناقش خطيب الجمعة شؤون الأمور اليومية ماذا سيناقش.

من جهة أخرى، ألا يحق لنا القول في إطار ما يعرف بانفتاح الشأن الديني على الإصلاح، أنه وفق آلية الانتخاب على أساس ديمقراطي، أن يصبح لساكنة الحي دور ورأي في انتخاب والتوافق على من يحدث ويخطب فيهم.

لنكن صرحاء، إن إستراتيجية إلهاء الناس عن مشاكلهم اليومية الحقيقية والاكتفاء بمضمون سطحي هي في حد ذاتها ممارسة السياسة في الدين.

إذا كان الخوف من نشر الفكر المتشدد يدفع بالأمور إلى مصادرة حرية التعبير عن مشاكل الناس وقضايا عيشهم اليومي، فإننا بذلك نكون قد ساهمنا في تربية أجيال هشة وفارغة المحتوى وقابلة للاستمالة والإغراء، وهو ما يحدث الآن بالفعل، حيث يعد الشباب المغربي من بين أبرز فئات الشباب العربي التي يسهل غسل دماغها من طرف الفكر الإرهابي، ولذلك نجد عدد كبير من شبابنا ضمن مجموعات إرهابية وهو موضوع مازال مسكوت عنه ولم يجد البحث والعناية الكافية من طرف علماء الاجتماع و النفس المغاربة.

في نفس السياق، تستوقفنا مفارقة يروج لها الإعلام المغربي، تتمثل في كون المغرب نموذج ديني متميز، في المقابل بين كل حين ولحظة نسمع بلاغات السلطات الأمنية بتفكيك خلايا إرهابية متشددة دينيا تريد زعزعة استقرار البلاد، وبالتالي فهو دليل على فشل الخطاب الديني المغربي في الوصول إلى الشباب وإقناعهم بقيمنا الدينية المعتدلة، في حين نجحت أفكار أخرى متطرفة آتية من جهات أخرى في استمالتهم والتلاعب بعقولهم.