وجهة نظر

ما أقسى أن يولد المرء مغربيا..؟

لطالما شخصيا كنت ممن لا يعيرون كثير اهتمام للقانون في هذا البلد… ببساطة لأني على اقتناع تام أنه الأخير مجرد سيف مسلط على أعناق الفقراء والبسطاء دون غيرهم من بقية الشعب خاصة “رجل السلطة”، الأكثر من ذلك أن هذا الأخير في المغرب هو بمثابة ما يشبه إله بمعنى الكلمة في منطقة نفوذه مادام هو الآمر الناهي الذي لا يحده لا قانون ولا هم يحزنون…

ففي بلد التحقيقات المفتوحة إلى ما لا نهاية، يجد المواطن مرة أخرى نفسه أمام جريمة أخرى تنضاف إلى عديد الجرائم التي ترتكب ضد هذا الشعب المغلوب على أمره، جريمة قتل لمواطن ذنبه الوحيد أنه وقف ضد جبروت وعنجهية رجل السلطة، وذنبه الوحيد أنه قال لا للحكرة ولا للذل والمهانة…

لم تكن الجريمة مجرد حادثة استثناء، ولا مجرد خطأ بشري يمكن أن نمر عليه مرور الكرام…، الأمر هو سلوك يومي لرجل السلطة، وسلوك يومي “لابن المخزن”، فكل يوم وفي ربوع هذا الوطن آلاف “المحسن” يتعرضون لكل أصناف و تلاوين الذل والهوان والشطط في استعمال السلطة دون أي رادع أو زجر ضد هؤلاء، بل الأكثر أن الحماية من أعلى الدوائر وكارط أبيض موفر دائما، مادام مسؤول السلطة خادم ومنفذ مطيع لما يطلبه من هم أكبر منه .

المسألة ليست لحظة عابرة، وليست سلوكا عبثيا للأسف، إنها عقلية ومبدأ وسياسة نظام بأكمله…فلن نفهم مختلف كل هذه السلوكات الصادرة من المفروض فيهم أن يكونوا “الساهرين على أمن وحماية المواطن -” بدء من أصغر الحلقة أي “المقدم” إلى أكبرها داخل النطاق الترابي أي الوالي وربما ما فوق الوالي..-دون أن نفهم كيف تشتغل المنظومة السياسية المخزنية والنسق أو الإطار التسلطي الذي تتمأسس عليه، والذي يشكل في الحقيقة عمودها الفقري ويمثل في صلبها تلك الآلية التي تضمن له الاستمرارية والدوام، مع السعي للحفاظ على موقع داخل الهرم الاجتماعي وحتى موقعه في الصورة الذهنية عند المواطن البسيط وذلك من خلال مختلف التمثلات الاجتماعية له على أنه (أي المخزن) هو الضامن للأمن وصاحب الشرعية الوحيد في توظيف واستعمال العنف.

رجل السلطة يعتبر ممثلا “للمخزن” بالتالي فمن شروط تمثيليته الأساسية والضرورية تلك هي “القوة”، والظهور دوما بمظهر “المسيطر” و”الضابط” لكل الأمور داخل منطقة نفوذه، الأكثر من ذلك فانه يتعامل مع الأمر كما لو أنه يحكم دولة أو مملكة مصغرة يكون فيها هو الآمر والناهي، ويكون فيها هو المالك الوحيد للسلطة وذو الشرعية الوحيدة في ممارستها ما دام هو ممثل المخزن داخل ذلك النطاق، ببساطة هو بحسب المنطق المخزني يجب أن يكون “فوق القانون”، الذي وضعه ممثل المواطن وانتهى الأمر.

فالسلوكات الخارجة عن “رجال المخزن” لم تكن يوما سلوكات اعتباطية ولا معزولة، إنها جزء من العمل وجزء من المهمة وجزء أيضا من الشروط التي يجب أن تتوفر في الرجل الذي يجب أن يمثل ذلك المخزن، ومن يرد أن يحكم بالقانون أو بمنطق -دولة الحق والقانون- فليبحث له عن شيء آخر غير تمثيل السلطة.

ببساطة هذا مبدأ رجل السلطة ورجل المخزن في النسق السياسي المغرب، فعقلية المخزن هي ألا يثق في أحد غير أبنائه، وعقلية المخزن هو أن يحمي هؤلاء بما أؤتي من قوة، بل الأكثر من ذلك فان أي سعي لإظهارهم بأي صورة سلبية أو غير مرغوب فيها فان ذلك كفيل بأن يجعل منك عدوا أول لنظام برمته، حتى وان تكن مظلوما من أي من احد رجالاته، ببساطة لأن أي تشكيك في نزاهة هؤلاء وفي استقامتهم وقيامهم بالعمل كما يجب، هو بالضرورة تشكيك في نزاهة النظام نفسه وهذا بالطبع شيء لن يقبل به الأخير من أي من “راعي”.