وجهة نظر

المواطن القمامة وطبقة الأوزون

الوطن يطحن أنباءه. هكذا عنون أحد رواد مواقع التواصل الاجتماعية تدوينته؛ معلقا على الفاجعة التي كان ضحيتها ابن الحسيمة محسن فكري والتي أثارت غضبا عارما؛ ليس على مستوى المدينة فحسب، بل في أنحاء المملكة برمتها. الحدث الفاجعة، بصرف النظر عن كل الملابسات والحيثيات، يحيلنا مرة أخرى على مجموعة من التساؤلات ذات طبيعة حقوقية واجتماعية وإنسانية، وانتخابية أيضا. تلك الأسئلة التي أسالت الكثير من المداد ولم يجف بعد حول موضوع الفاجعة؛ فكثر القيل والقال. الكل يشتم الكل، الجميع يلبس التهمة للجميع. ففي الوقت الذي تحتاج فيه الحادثة وضع الأصبع على موطن الأذى، بدأت محاولات تبرئة النفس حتى قبل أن يبتدئ التحقيق، وتأخذ المسطرة القانونية مجراها، بل أخذت القضية منحى آخر لا علاقة له بعمق الفاجعة وصلبها، فتحولت المأساة إلى نزال سياسي وسبق إعلامي ومعلوماتي. فاختلفت الآراء حول شرعية المظاهرات وتأجيجها من عدمها.

وعندما تختلف الآراء حول الموضوع الواحد تضيع الحقيقة. لكن عندما يراد أن تتباين الآراء حول أحد المواضيع؛ التي يتورط فيها قاطنو طبقة الأوزون؛ يبتدئ البحث عن المبررات والمسوغات، والغاية آنذاك تبرر كل الوسائل؛ حتى الطحن والسحق.

والحديث عن طبقة الأوزون هو حديث عن جزء من الغلاف الجوي لكوكب الأرض. ومن أهم وظائف هذه الطبقة أنها تحمي سطح الأرض من أضرار الأشعة الضارة للشمس. غير أن إحداث ثقب في هذه الطبقة أو هدم جزء منها قد يحدث دمارا ليس لهذه الطبقة التي تحمي الأرض فحسب، وإنما لكل الكائنات التي تعيش على سطحها. وأسباب إحداث خرم في هذه الغشاء كثيرة وكثيرة جدا.

هذا يحدث، تجاوزا، في الغلاف الجوي الذي يفصل بين الأرض والشمس الحارقة في السماء. أما فوق الأرض، فالكائنات هي نفسها، لكن الغشاء ليس كالغشاء والشمس ليست هي الشمس.

فوق الأرض توجد تجمعات سكانية تنطق لغة واحدة، وتجمعها هوية واحدة، ويرفرف في سمائها عَلَم واحد، وتتعامل فيما بينها بعملة واحدة، وتعتز بحضارة واحدة…. لكن فوق غشاوة هذه الأرض توجد كائنات بشرية تشترك معنا في الآدمية، وتتحدث اللغة نفسها وكذلك لغات أخرى لا نفهم منها إلا كلمتي الخبز والماء.. في آفاقها ترفرف راية تحمل الألوان نفسها، لكن أعينهم مصابة بداء عمى الألوان أو ما يسمى بالدالتونية.. العملة هي ذاتها لكن قيمتها تعادل قيمة العملة الصعبة.. تدعي أنها تنتمي إلى الحضارة نفسها، لكن أزياءها وعاداتها لها أسماء أخرى..

هذه الكائنات البشرية تريد أن تتفرد بخصائص لا تسمح للغير أن ينازعها في الأمر؛ وإلا تعرض لشمس حارقة لا تبقي ولا تذر، فهي تملك سلطة المال والأعمال، تعرف ردهات الإدارة ودواليبها، وهي التي تصنع السياسية والاقتصاد… ولكنها تحتاج لمن يؤنس وحدتها، ولمن يروج بضائعها، ولمن يخضع لأوامرها؛ وإلا فلا حلاوة لوجودها ولا معنى لكينونتها.

احذروا أن تتعرض غشاوة أرضكم لا أرضنا فجأة لخرم ولو بحجم إبرة؛ فتكون بمثابة ثغرة وفلتة، فتصبح معها الأرض غير الأرض، حينذاك سنسترق إطلالة أو نظرة أو لمحة من الخرم، ونأتي بالخبر اليقين، ونعلم من أين تؤكل الكتف، وأين تصرف الصناديق السوداء، وأين تذهب الأموال المهربة دون أن تخضع للمراقبة من مكتب الصرف، ونعلم معنى المفهوم الجديد للسلطة الذي بات مرادفا لطحن وسحق المواطنين؛ المواطنين الكادحين ليس إلا.

واحذروا أن يخرب هذا الثقب طبقة أرضكم أو يهدم جزءا منها؛ لأن أي دمار لن يخرب هذه الطبقة التي تحمي أرضكم فحسب، وإنما قد يعرض كل الكائنات التي تعيش على سطحها للهلاك؛ حتى التي تؤنس وحدتكم، وتروج بضاعتكم، وتخضع لأوامركم وتجاربكم وقسوتكم.

احذروا الثورة الربيعية التي يحلو لكم أن تحولوها إلى خريف، وتوهمون الناس بذلك، فالأمواج إذا انكسرت يوما فهي لن تنتهي أبدا.