منتدى العمق

أي مغرب نريد؟

قد يستغرب الكثير منا إزاء وضع السؤال التالي : أي مغرب نريد؟ واقع جديد في ظل زمن جديد أطاح بعروش حكام لم يكونوا يتصوروا يوما أن نعمة العروش قابلة للزوال_ في بلدان سعى حكامها دائما وأبدا لتقسيم المجتمعات طائفيا ومذهبيا _من اجل أن يبقى الصولجان حكرا على أصحاب رؤوس الأموال ورجال السياسة المعهودين فكيف تبدو الصورة اليوم ؟

حقيقة لا ينكرها جاحد المنطقة العربية نحو وضع جديد أكثر تعقيدا واشد انفراجا مما كان عليه الوضع، إننا في زمن “التحول التاريخي”_ أو ما بات يعرف بالربيع العربي _حيث انتفض التونسيون ضد نظام زين العابدين بن علي فتم تسميتها بثورة الياسمين، لأنها مرت دون دم وفي شرارة هادئة خافتة وفي غفلة عن الجميع رحل بن علي للسعودية ،تاركا التونسيون في لحظة هيجان ثوري نحو استكمال الخيار الديمقراطي دون ممانعة ، كذلك الشأن في مصر فرياح التغيير هبت تأثرا بتونس وسيرا على نفس النهج ميدانيا فسقط مبارك في مدة قصيرة ،غير أن الأمور بدأت تتطور حينما يتعلق الأمر بأنظمة كانت تصنف في السابق أنها أنظمة شمولية من قبيل النظام الجماهيري الليبي ونظام علي عبد الله صالح وسليل عائلة الأسد “بشار الأسد” هذا هو المشهد: المنطقة تعرف سيناريو لم يكن معهودا.

شاءت الأقدار أن تعود القاطرة لنقطة الانطلاق، وزير خارجية بن علي “الباجي القايد السبسي” يترأس البلاد بعدما تقاسمت السلطة مجلس حكومي انتقالي بقيادة حركة النهضة ،ومجلس رئاسي بقيادة المنصف المرزوقي الرئيس الانتقالي للجمهورية التونسية ،الذي لم يستطع التغلب على مشاكل البلاد ولعل أبرزها: “استتباب الأمن وحل مشاكل البلاد السوسيو-اقتصادية كالبطالة والفساد السياسي والاجتماعي ……..”، ليدخل الباجي القايد السبسي لسدة الحكم تحت شعار “بن علي جديد يناديكم من جديد” كذلك الشأن بأرض الكنانة مصر ، إذ لم يستطع نظام محمد مرسي أن يجد مخرجا لازمة البلاد والتصدي لأطماع المعارضة الداخلية وتربص الجيش بمؤسسة الرئاسة للانقضاض على السلطة من جديد ليقوم “الفريق أول عبد الفتاح السيسي” بانقلاب عسكري بذريعة ثورة سلمية سماها الكثير من أنصارها “ثورة الثالث من يونيو ” ليرفع شعار “عدوا إلى مقاعدكم رفعت الثورة” ،وما خفي كان أعظم انقلبت الأمور انقلابا مفجعا بعد أن اختارت الأنظمة الشمولية خيار المواجهة العسكرية ؛ لتصبح ليبيا ارض سجال مسلح بين ثوار فبراير وكتائب القذافي انتهى السجال بنهاية مأساوية للعقيد الليبي لتندلع حرب أهلية لازال شظاياها مستمرة للان، ليقرر بعد دلك علي عبد الله صالح الانسحاب والعودة لتدمير البلاد بتحالف مع قوات عبد الملك الحوثي ذو المرجعية الشيعية _على حد تعبير الخبراء السياسيين_ وفي ارض الشام قام الأسد بتحويل سوريا إلى منطقة صراع دولية ،حتى أصبح إدراك حقيقة الوضع أمر جد مستعص للغاية فما موقع المغرب مما يقع حوله ؟

يرى الخبراء السياسيون والباحثون في الأمور الإستراتيجية ،أن المغرب حقق ربيعا عربيا دون دم وفي جو هادئ الملك محمد السادس: يقر دستور جديد أعقبته انتخابات مبكرة جاءت بحزب إسلامي لقيادة حكومة ائتلافية سيرا على نهج سلفه الملك الحسن الثاني الذي اقر حكومة التناوب بصعود الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لموقع التسيير التنفيذي، في حين يرى آخرون على رأسهم محمد منار السليمي استاد القانون الدستوري أن” ربيع الإسلاميين وصل وليس الربيع العربي” وهنا نحن مدعوون للتفكير مليا في مسلسل الانتقال الديمقراطي، خاصة بعد فشل حكومة “العدالة والتنمية “في نهج سياسة إصلاحية يستيقظ من خلالها الشعب المغربي على إيقاع التغيير المنشود فأي مغرب نريد ؟

المرحلة القادمة سترفع مؤشر التحديات بامتياز، خاصة بعد نشوب أزمات فشلت الحكومة في حلها لعل أبرزها “قضية الأساتذة المتدربين وصندوق التقاعد ……..” إضافة لارتفاع نسبة البطالة، والدين الخارجي ارتفاعا صاروخيا كما أن المواطن المغربي ذاق درعا بالعملية الديمقراطية التي لا تنتج تغييرا يستطيع انقاد البلاد من عقالها، كما أن نهج الحكومة لسياسة التقشف في النفقات العامة خلف سخطا شعبيا واسعا.

على المستوى السياسي :

المغرب ماض نحو الثنائية الحزبية سيرا على نهج بلاد العم “سام” بين حزب محافظ (العدالة والتنمية)، وبين حزب يوصف بأنه ماض نحو خيار التحكم الديمقراطي (حزب الأصالة والمعاصرة) خاصة بعد تراجع دور أحزاب وطنية كحزب الاستقلال الذي خسر موقعه المعهود حسب ما أكدته الانتخابات الجماعية والجهوية 2015، وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي قدم تنازلات سياسية للأصالة والمعاصرة مما سيهدد بإفساد الحقل السياسي المغربي المعروف بالتعددية الديمقراطية والحزبية .

على المستوى السوسيولوجي:

ينقسم المجتمع المغربي إلى طوائف وقبائل حيث تحتفظ كل قبيلة بخصوصياتها الثقافية، وترفض خيار المواطنة كضرورة قصوى وسلوك المدنية كما تعرف البلاد تعددا على مستوى الاعتقاد الإيديولوجي، ولعل صراع الفصائل بالجامعة المغربية خير دليل على ذلك، حيث أن الدهنيات وصناعتها رهان أساسي للفكر بحيث تطغى النزعات القبلية والتعصب الديني، وأحيانا ضعف التكوين سياسيا وثقافيا من ابرز مسببات الاقتتال في الجامعة وفي الشارع لا يزال المغاربة يرقصون على أنغام ثقافة القبلية ويشكل المحفل الانتخابي فرصة لا تعوض لاكتشاف ذهنيات المغاربة حيث يعتمد أغلب الأحزاب على مرشحين قبليين يتمتعون بصفات الزعامة والسيادة في مناطقهم وأحيانا شيوخ ودعاة من اجل استمالة القلوب الضعيفة للتصويت عليهم، لنفهم من هذا المعطى أن نسبة الأمية لا يكتشفها المغاربة إلا في المحفل الانتخابي يضاف إلى دلك بروز فئة تعيش على أفكار مثالية وأحلام وردية .

ترفض التغيير والإصلاح عبر المشاركة السياسية فيرفضون دولة المؤسسات والنضال المؤسساتي ،ويعيشون كالأموات -الأحياء لا علاقتهم بالسياسة والهم العام واغلبهم ينشط في مجال العلوم الانسانية .

على المستوى الثقافي :

لازالت مهمة “المثقف ” في مجتمعنا الحالي لم تعرف طريق أرحبا للظهور، وفي المجتمع المغربي لازال المغاربة “المثقفون “يعيشون على أنقاض قضايا تجاوزها العالم المعاصر فأصبحت إشكالية الدين تطفو على السطح محاولين صنع أسماء لهم على حساب قضايا ستزيد من تعقيد الوضع ،في مقابل أخر نجد البعض يحاولون التمزيق من وحدة المجتمع بطرح قضايا اعتبرها العالم المعاصر جانبية وهو ما أكده دستور فرنسا حينما اعتبر أن اللغات الجهوية هي من تراث فرنسا وعلى النقيض من دلك نجد من يحاول إحياء ما يعرف بالقضية الأمازيغية ونقد سيادة الكيان العروبي وهو ما سيدخلنا في صراع هوياتي خطير وفي لعبة “شد الحبل” بين المتنافسين اللاوطنيين والوطن يسرق من الجميع.

خلاصة القول إن المغربي حسب تعبير المفكر “عبد الكبير الخطيبي ” في كتابه” المغرب المتعدد” أن الهيئة المظهرية والفكرية للمغاربة يجب أن تكون أكثر انفتاحا نظرا للخصوصية الثقافية المميزة للمجتمع (عرب مسلمون،أمازيغ ،يهود، مسيحيين والثقافة الحسانية …….) كما أن الواجهة الإستراتيجية للمغرب ستجعل المغربي مطالبا بالانفتاح، وأن يشكل كيانا عالميا وشاملا ونستشف من رأي الكاتب المغربي أننا مطالبون بالتعايش السلمي والاستفادة من وضعنا الجيو-استراتيجي ،وتجاوز النعرات التي تجعل في تأخر تاريخي وبناء نظام سياسي مبنية على أسس ديمقراطية صرفة واقتصاد قوي يجعل المغرب يتجاوز أزماته وترسيخ سلوك المواطنة داخل الأسرة والمجتمع وفي كل مكان هذا هو المغرب الذي نريد.