وجهة نظر

الانتخابات والوجه الثاني لعملة التحكم

لا حديث اليوم، ونحن في أوج الحملة الانتخابية التشريعية ليوم 7 أكتوبر 2016، وقبل الحملة، إلا عن مصطلح التحكم. هذا المصطلح الذي يشكل بمفرده موضوعا خصبا للتحليل والتمحيص والتنظير والاستهلاك أيضا، بل بات برنامجا انتخابيا دسما وتكتيكا استراتيجيا لدى بعض الأحزاب المتربصة. ويرتبط ذلك، كما يعلم جميع المغاربة، ارتباطا عضويا بالشبهة التي لحقت وما تزال إنشاء بعض الأحزاب، وآليات اشتغالها، والأموال الطائلة التي تتصرف فيها، وكذا الشعارات التي ما فتئت تتغنى بها وترفعها في المحافل والمنتديات، والأهداف التي جاءت لتحقيقها…

غير أن للتحكم وجه آخر، يشكل الجهة الثانية لعملة التسلط والفساد والزبونية وعدم تكافؤ الفرص، ويمثل الصفحة البيضاء النقية الثانية للورقة. إن الأمر هنا يتعلق بالمواطن؛ العنصر الجوهري في مسرح الأحداث وفي العملية برمتها؛ يبدأ دوره ناخبا، ثم بعد ذلك إما أن يكون أو لا يكون أبدا. ولكي يكون؛ فالأمر بيده، والسلطة بيده، والاختيار بيده، والتمييز بين الغث والسمين من الأحزاب بيده. لا عذر له اليوم ولا حجة.وأما ألا يكون فتلك قصة أخرى.

لذلك، أخي الناخب المحترم، إن اختيارك لحزب التحكم تكون قد تركت مجالا للقيود تكبلك، وللأغلال تصفدك، فلا تقهر نفسك بنفسك؛ لأنك تملك الاختيار بين العبودية أو الحرية. لا تكن حطبا لغيرك من الفاسدين؛ لأن النار تزداد اشتعالا واستفحالا كلما وجدت أمامها حطبا. لا تصنع أصناما لكي تنحني لها وتخضع لوهم قوتها. لا تكن وغيرك حماة للصوص، ولا شركاء لمصاصي الدماء، ولا خونة لأنفسكم قبل غيركم. فأنت اليوم وغيرك تملك الإرادة وتملك حرية الاختيار، وغدا قد تتحولون جميعا تحت وطأة التحكم والتسلط إلى جبناء مقهورين.

إن مثل هذه الأحزاب التي لا تخضع للمساطر، يستعين قائدها بثلة قليلة من الناس، يصغي إليهم ليكونوا شركاء له في ارتكاب المحظور، فهؤلاء المتزلفون، لا شك في ذلك، يدربون قائدهم على التحكم؛ ليس بمكرهم فحسب، بل بسطوته وبمكائدهم جميعا، وتلك الثلة القليلة أعدادهم تتضاعف وأتباعهم تتزايد في كل مكان من الوطن، فتتقوى سواعد القائد بهذه الأتباع، وتطول يده بهؤلاء المتزلفون. وما أطول سلسلة الأتباع بعد حين! وما أوسع شبكة المتزلفين بعد ذلك!

لا ثقة في مثل هذه الأحزاب التي تجعل من استغلال أمية الناس وسذاجتهم مصدرا لفرض سطوتها، لا ثقة فيها حينما تجعل من فقر الناس وضعفهم قوة لها، لا ثقة فيها لأنها تصفع باليد الممدودة إليها طمعا ورهبا، وتجعل من الأقدام المهرولة إليها طوعا؛ وسيلة للدوس والوطء على الرقاب والأنوف.

لا يغرنك بريق كنوز هذه الأحزاب، وأشعة بذخها، وأضواء الشهرة المسلطة عليها، لا يغرنك ذلك فتكون كالفراشة التي تستهويها الأضواء والأنوار؛ حتى إذا اقتربت أملا في أخذ قبس منها، أو رجاء في النيل من لذة نورها، فإذا بها تجد نفسها في خضم نار حارقة؛ منتحرة بمحض إرادتها.

لا ثقة في أحزاب التحكم، كلها سواء، ليس في القنافد من هو أملس، والبعوض ليس فيه إلا لون واحد وأوحد. فالمتواطئون لا يتنافسون إلا في الشر؛ فإذا اجتمعوا تآمروا، وإذا تآمروا فسدوا وعثوا وظلموا. فهؤلاء؛ تجد كل واحد منهم يحب الناس مثل حب القط لذلك الفأر المذعور المرعوب، يتسلى ويعبث به وقتا من الزمن حتى إذا ضعف واستكان وأُنهكت قواه التهمه وابتلعه. مثل هذا القط،بعد ذلك، حينما ينظر في المرآة، يخال نفسه نمرا شرسا لا يقهر ولا يهزم.

تأكد، أخي الناخب المحترم، أن التحكم لا يأتي من الأعداء فحسب، إنما يأتي على يديك حينما تصنع كبريائه وعظمته وتجبره واستعلاءه. فإذا كنت تراه على هيئة تمثال عال وهائل؛ ما عليك إلا أن تجرب سحبه من الأسفل، فتجده يهوي على الأرض بقوة وزنه وحدها فقط، آنذاك ينكسر ويتحطم. فتكتشف أن التحكم لا يحتاج الأمر إلى أن تحاربه بالسيوف أو تهزمه بالدبابات، فهو في الأصل خُلق مهزوما ومدحورا. بل يكفي ألا تخضع له وتستكين لتسلطه. حينئذ لا يستدعي الأمر أن تحاول انتزاع القوة والتحكم منه، بل يكفي الامتناع عن الخضوع له والعطاء له، وأيضا التصويت له.

لا تجعل صندوق الاقتراع يتحول على يديك غدا إلى تابوت لنقل أشلاء الموتى بعد الفتك بهم، وإلى نعش يحملك لتوارى الثرى في الصحراء الجرداء. آنذاك، فإن الذي ساوى بين التمر و”الكيف”، والذي أعلن جهارا أنه جاء ليحارب عقيدتك، آنذاك سيجد مسوغا لمنع إقامة صلاة الجنازة ومراسم العزاء، وربما أباح زواج المحارم.