منتدى العمق

مرحبا أيها “الفايسبوكي”

كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان ، قوم يعيشون في أرض افتراضية ت تدعى “فايسبوك” فلكل بيته “بروفايل” بجانب بيوت جيرانه من مختلف انحاء المعمورة ، هم قوم لا يشقى بهم جليسهم، حركيين لأبعد الحدود حتى أنهم أحدثوا فيما بينهم علاقات ينظمها قانون السيد “فايسبوك” داخل حدوده الافتراضية، فيضمن كل جار عضو منتمي للمجتمع الفايسبوكي حقه في التعبير عن ما يخالجه ويشغل باله ويبلبل تفكيره وينتظر تفاعل الجيران معه، تعبيرا منهم على أن المجتمع الفايسبوكي كالجسد الواحد ولحمة واحدة تجاه كل متاهات وصراعات الدنيا، فالسيد “فايسبوك” يكفل حق التعبير للجميع ويؤاخي بين الجميع في عالم لا يشبه عالمنا المثقل بالهموم.

ذات مرة٬ التقيت احد أصدقائي في مقهى شعبي كعادتنا، نتبادل أطراف الحديث حول العديد من القضايا المعيشية في جو من التكتم والسرية بعيدا عن أعين المخابرات_وكل ما يمكنه أن يشي بمزاعمنا_ليفاجئني بخطوة غير متوقعة منه كونه قام بزيارة “الفايسبوك”’فتملكني الذهول مما سمعت حيث قال لي بالحرف: “إن السيد فايسبوك يفتح ذراعيه للمعبرين ويجمع كل من يهتم بنفس القضايا “وبعدما انتهى من كلامه وجه إلي الدعوة لزيارته، وذلك عبر تصريح بالشرف لدى السلطات المختصة الفايسبوكية، اقوم من خلاله بالإدلاء ببياناتي الشخصية “اسم، جنسية، ومقر سكنى …..” حتى يتسنى لي الدخول لعالم بلا حدود يكاد يشبه “جمهورية افلاطون” كما وصفه صديقي،مما شجعني وألهب حماسي لوضع التصريح الذي من اجله سادخل ارض “الفايسبوك”

قبل التصريح بسرعة جنونية ، السيد” فايسبوك”في خدمة الجميع، خدمات مجانية عالية الجودة، ديكورات فخمة، اناس من كل الامصارر والاقطار، استجابوا من قبلي واستحسنوا ما وجدوه تحت تصرفهم وتفاعلوا في فضاءه بالايام والسنون دون كلل أوملل، يشاركون جيرانهم أسرار بيوتهم،جميعهم يشي للسلطات الفايسبوكية شكواه ويعبر عن تأزمه من واقع مركب على جميع المستويات، فيبدأ الجيران بالتعاطف عبر زر” إعجاب”و أحيانا إذا بلغ التفاعل أقصى مداه “مشاركة المنشور” ’تواصل فعال يقرب المسافات ، السيد “فايسبوك” يرحب بضيوفه الكرام ترى فماذا أنا فاعل هنا؟ أ هذه هي الفرصة المواتية لإفراغ ما في جعبتي من أفكار ؟ هل السلطات الفايسبوكية تقيم تنسيقأمني سيكون بمثابة القشة التي ستقصم ظهر البعير واتحول الى مطلوب للعدالة؟ أ

لي اهتمامات فكرية متعددة ومواقف وتصورات حول القضايا المعاصرة وأوضاعنا الراهنة،وبقدرة قادر تحول أصدقائي الدين كنتأتبادل معهم النقاش إلى زوار كدلك، فتحول النزال من المقاهي إلى شاشات الفايسبوك حيث ستبدأ حرب ضروس لا هوادة فيها، انضم من خلالها حلفاء وأعداء حتى تربص بي أحد المقيمين في فضاء “فايسبوك”معارضا كل فكرة تارة يقدم نقد بناء، وتارة يعارض لأنه خلق منأجل المعارضة ويغلف فعلته بثوب من الاحترام وبمقولة “الاختلاف لا يفسد للود قضية “.

استرعى اهتمامي الرجل وزرت بيته خفية طبقا لقوانين السيد “فايسبوك” فوجدته من نفس المدينة، بدردشة ودية تم الاتفاق على تحويل مقر النقاشات للمقاهي تحت الأضواء الكاشفة، وأزيز السيارات، وضجيج المارة، وعلى مسمع من الجميع، حضر صديق الفايسبوك،استقبال حار ونقاش ودي وكأننا نعرف بعضنا البعض مند أيام خلت، بتسلسل اطوار اللقاء دخلنا في عمق النقاش الدي كنا قد بدأنا اوراشه في دولة “الفايسبوك”،وبعد استعمالي بعض الدروس في” التواصل المؤسساتي “والتحدث البليغ باللغة العربية من أجل التاثير على المخاطب، تهاوى الرجل وصار يحاول أن يقاطعني دائما وأبدا بل وأحيانا بتعنيف لغة الحوار “لا تكن دوغمائي ’لا تتحدث بعاطفة”_ والحقيقة أنني كنت أتحدث بتركيز وهدوء تام_ غير أن المعضلة أنه ضعيف التكوين ولا يملك تصورات محددة، فهو مريد لأحد شيوخه المفكرين يفكر بهم ولا وجود للحس النقدي في خطابه، استمر الجدال لأجد نفسي مقيدا

بالسؤال التالي :هل الاختلاف يفسد للود قضية خارج الفايسبوك؟

تيقنت ان الفايسبوك أرض يابسة، مجدبة ، قاحلة مليئة بالمرضى لا علاقتهم بالواقع المعاش، بل ما يكتبون ما هو إلا انفعالات غريزية ،بقرار مفاجئ أنسحب من النقاش داخل المقهى وأقرر سحب بطاقة الإقامة لدى ارض “الفايسبوك” من فوري ، إلى حين ظهور وجوه خير تبحث عن مناقشة الواقع بكل موضوعية ودون تعصب أو حس دوغمائي قائلا في قرارات نفسي: “مرحبا أيها الفايسبوكي في المقهىأو أي فضاء مغلق لارى معدنك الاصيل “وإيمانا بقولة الفيلسوف اليوناني سقراط “تكلم حتى أراك”.