من العمق

لغروس يكتب .. قول في واقعة شاطئ المنصورية والفرقة “العرضية”

بمجرد ما بلغني الخبر الصاعقة المتعلق بواقعة بنحماد والنجار بشاطئ المنصورية، قفز إلى ذهني مباشرة  كتاب “الأجهزة السرية بالمغرب الاختطافات والاغتيالات”  لصاحبه أحمد البخاري، لما يتضمنه من عشرات الحكايات والقصص في فنون الاغتيالات والاختطافات والتعذيب ومقالب وفخاخ الإيقاع بالمعارضين من سياسيين ونقابيين وحقوقيين بإدارة دور الدعارة والفساد والإرشاء واعتماد الشطط منهجا في السلطة… وكيف تطورت الأجهزة الموازية إلى آخر تمثلاتها اليوم، ومسار المصالحة ومحاولة الإنصاف غير المكتملة لأن الإفلات من العقاب واقع وما تزال بعض المظالم شاهدة (ملف السلفية نموذجا)، إلى ما أصبحنا عليه بمغرب اليوم “لسنا في جنة حقوق الإنسان لكننا لسنا في الجحيم” والعبارة هنا لوزير العدل والحريات المصطفى الرميد.

في تقديري، فإن بعضا من النقاش حول واقعة المنصورية ينبغي أن تآخذ فيه حركة التوحيد والإصلاح بالنظر إلى الصورة التي تقدمها عن نفسها للمجتمع، ومعها القياديين السابقين في الحركة مولاي عمر بنحماد وفاطمة النجار وبدرجة أساس بنحماد، فمكان التواجد، فيه كل عناصر الشبهة والشبهات والقول بالزواج العرفي خرافة ما بعدها خرافة، فبسببك يا بنحماد وما إن صعق أصحابك بذلك الخبر المزلزل حتى أفزعوا ولم يدروا أيتوارون من القوم من هول ما سمعوه أم يحثوا الرمل على وجوههم أم يدفنوها في التراب، فعلى قدر الخاطئ تكون الخطيئة، وهذا لا ينقص من فضل الداعيتين وما سعوا فيه من خير، وكما قال الدكتور أحمد الريسوني فحسنات الأبرار سيئات المقربين.

طبعا مؤخذة حركة التوحيد والإصلاح امتدت إلى شريكها الإستراتيجي حزب العدالة والتنمية وعرفت مستويات معقولة، وأخرى صرفت الأحقاد وانتهزت الفرصة للشماتة والنيل من حركة تدافع عن مبادئها الصلبة وترفض أن تَخرجَ أو تُخرج من القرية فقط لأنهم قوم يتطهرون، وأخرى زكت جزءً من شكوك حول احتمال أن نكون أمام “مسرحية” مُحكمة الإخراج موضوعا وسياقا وتوقيتا، فما معنى مثلا ألا تكتفي جريدة ما بتقديم تفاصيل الاعتقال المملة –وخرق سرية التحقيق بادية- وتزيد عن مكان بنحماد والنجار في اليوم الذي سبق الواقعة؟ وعن الكلام الذي دار بينهما؟ وعن العرس؟ وعن الإسم الذي سجل به بنحماد اسم النجار في هاتفه، لم يبقى لهم إلا نقل نوع المرق في العرس ليلة الجمعة إلى السبت هل كان ب “البرقوق بالزنجلان او بالمشمش والأناناص”.   

أما الجزء الأكبر من النقاش واللوم والعتاب والانتقاد فينبغي أن يتوجه إلى الدولة وخاصة الجهاز الذي أشرف على عملية المنصورية ومنه الفرقة الوطنية العتيدة وكل من أمر وتحرك وسرب للإعلام، لماذا؟ لأن الخصوصيات ينبغي أن تصان وألا تنتهك، ولأن الدولة ينبغي أن تقطع مع تصفية المعارضين بالمكائد والفخاخ أو التجسس والترصد بغض النظر عن مرجعيتهم والإيديولوجية التي يحملونها، ولان خطاب الحريات الذي صم الآذان ينبغي ألا يكال فيه بعدة مكاييل،  فبالأمس فتح الله ولعلو واليوم بنحماد وبينهما غلام والمنصوري دون عودة إلى بن بركة وبنجلون..والله يعلم الدور على من مستقبلا، ولأنه جنائيا لا يحق لأي كان أن يسأل اثنين ما لم تضبط مخالفة أو دليل مادي وإلا ينبغي تفتيش المغاربة من طنجة إلى لكويرة في المقاهي والشواطئ، ولأننا صوتنا على دستور وما نزال نصدقه، قال لنا في فصله 23 “لا يجوز إلقاء القبض على أي شخص أو اعتقاله أو متابعته أو إدانته إلا في الحالات وطبقا للإجراءات التي ينص عليها في القانون”، وفي الفصل 22 أنه “لا يجوز المس بالسلامة الجسدية أو المعنوية لأي شخص وفي أي ظرف ومن قبل أي جهة كانت خاصة أو عامة”.
  
تحاول الفرقة الوطنية “العرضية” جاهدة أن تقنعنا بأن عملية إيقاف بنحماد والنجار بشاطئ المنصورية أمر عرضي وهي فرضية تظل قائمة على كل حال وقد لا نملك من أمرنا غير التصديق، لكن لنطرح السؤال ألم يتم توظيف أفراد أو أجهزة في السلطة على مر التاريخ لتصفية او تشويه المعارضين السياسيين؟ ألم تكتب عدة تقارير عن تورط جهاز معين في الإيقاع بسياسيين ومستشارين من الشمال إلى الجنوب لصالح شخصيات معروفة بعلاقاتها الكبيرة في هذا المربع؟ ثم متى أصبحت المحاضر حقيقة مطلقة؟ ومتى كانت الرواية الأمنية المسربة للإعلام أمر مقدس؟ نعم نحترم المؤسسات ولا مناص من احترامها، لكننا أمام بشر يخطئ ويصيب، يفسد ويصلح، يمارس السلطة وقد يتبعها بالشطط واستغلال النفوذ، وقد يشارك في جريمة لمصلحة شخصية وقد يتم توظيفه؟

سأصدق عرضية حادث المنصورية إذا كانت واقعة ضبط فتح الله ولعلو الوزير السابق مع شاذ جنسي عرضية، سأصدق عرضية الحادث إذا كانت واقعة رشيد غلام بالجدية عرضية، سأصدق عرضية المنصورية إذا كانت واقعة ضبط واعتقال الحقوقي المنصوري هشام عرضية، سأصدق عرضية الحادث إذا كان كل ما سرب وصور عن العدل والإحسان وحركة “20 فبراير” من تخوين واتهام بالعمالة للبوليساريو وشذوذ جنسي عرضية. سأصدق خطاب العرضية، إذا كان منع جمعية “الحرية الآن” من حقوق مواطنتها عرضية؟ سأصدق إذا كان منع حزب البديل الديمقراطي عرضيا؟ سأصدق إذا كانت “الأحداث المغربية” ليست هي الجريدة نفسها التي قالت لنا في 2004 بأن أحد المقاولين المتضررين من قرارات وزير المالية الشجاع فتح الله ولعلو هو من وظف جريدة “الأسبوع السياسي” لتشويه صورة وزير المالية، وأن أمر “ضبطه في فيلا يمارس شذوذه مع شاب بمدينة المضيق بعد شكاية من طليقته ليس أمرا صحيحا”،  وها هو السؤال لك مرة أخرى زميلي المختار الغزيوي لماذا مع ولعلوا موقف الدفاع ومع بنحماد موقف التغراق. كما سبق أن سألتك يوما بالإذاعة الوطنية وأنت تزعم الدفاع عن الحريات لماذا وصفت الرابور الحاقد بالكلب واستكثرت عليه ممارسة حريته ولم تجب إلى اليوم؟

طيب صدقنا عرضية الحادث؟ فماذا عن تسريب وقائعه للإعلام؟ لا شك أنه عرضي أيضا؟ وماذا عن مضمون المحاضر، هل هو أيضا عرضي كذلك؟ أين واجب السرية عند الفرقة والنيابة؟ وقبل هذا وبعده أين تاجر المخدرات الكبير والجزائري الجنسية الذي كنا نتربص به؟ يبدوا أنه عاد لبلده عبر حدودنا وتحت أعيننا دون أن نلقي عليه القبض، وإن قيل لنا بداية أن الأمر يتعلق بحملة تمشيطية ضد لكريساج.

هل سيدخل بنحماد والنجار السجن؟ الجواب للقضاء، لكنني لا أعتقد ذلك، لأن الغاية من تسريب الواقعة للإعلام قد آتت أكلها وإن لبعض الوقت، واستغلت سياسيا وإعلاميا بشكل فج ضد خصم حزب وقائد وطني مزعج اسمه عبد الإله بن كيران، مع أن فرضية انقلاب السحر على الساحر تظل قائمة، فهل ستؤثر مثل هذه “الفضائح” وما شاكلها على الرأي العام ضد العدالة والتنمية…لنترك الجواب ليوم 7 أكتوبر.

#قول_في_واقعة_شاطئ_المنصورية_والفرقة_العرضية