منوعات

العلام يكتب.. في مملكة الخوف

* في مملكة الخوف يَحكُمونك بالخوف والرعب، أكثر مما يحكمونك بالانجازات الاقتصادية والساسية والاجتماعية، يزعمون صنع الأمن برجال البوليس والسجون، ويتناسون أن لا أمن من دون عدالة اجتماعية، ويدّعون تطبيق القانون ويتناسون أنهم يستثنون أنفسهم من سلطته؛

* في مملكة الخوف المال متاح لكن للأهل والمقربين، أما من يسمّونهم “العامة” فيمكنهم أن يعيشوا على ما يفضل عن عِلّية القيوم، حتى لا يهلكوا، لأن الحاجة إليهم مُلحّة، فمن سيحرث الحقول ويدوّر المصانع ويبني القصور ويخدم أهل النعمة إذا هم هلكوا؟

* في مملكة الخوف يمكنك أن تحتج ضد أي شيء وضد أي شخص، لكن إذا رفعت صوتك مطالبا بالمطالب الحقيقية أو سلَّطت الضوء على الفاعل الحقيقي، الذي يملك السلطة والمال والنفوذ فيجب أن تعلم أن المعتقل ينتظرك؛

* في مملكة الخوف تحكمك حكومة لا تحكم، وتؤطرك أحزاب غير مؤطرة، ويُسيّر شأنك العام كائنات انخابية فاسدة، ويُطلَب منك ألا تخون الوطن، ولا تتهاون في خدمة البلد، والواقع أنهم يخونون البلد كل لحظة وحين، ويريدون منك أن تتعب من أجل مصالحهم هم؛

* في مملكة الخوف يتذكرون مواطنتك فقط حين دعوتك للاصطفاف في الطابور منتظرا زيارة الزعيم، وعندما تهتف من أجل حقوقك يسلطون عليك أبواق إعلامهم واصفة إياك بـ “الرعية”؛
(….)

* في مملكة الخوف أنت مُتهم بكل أنواع الجرائم حتى تُثبت براءتك؛ فأنت متهم بانتهاك المقدسات، وبتعكير صفو الرأي العام، وبالإخلال بالاحترام الواجب لهيئة رسمية، والاشادة بالاراهب، والخيانة الزوجية، وببيع المخدرات واحتساء الخمر….حتى تعتزل الخوض في السياسة النبيلة أو كشف الحقائق المستورة؛

* في مملكة الخوف يُمنَح الزعيم 700 مليون سنتيم في اليوم، ويُقمع العاطل، ويُحتكر السوق من قبل الشركات الشريفة، ويُسلّط الرقيب على بقال الحي، وتوزع الهكتارات على الأغنياء، وتُسيّج أراضي الفقراء بدعوى خضوعها لأراضي “الجموع”؛
في مملكة الخوف تُهرَّب خيرات البلاد للخارج، ويُطلَب فيها من المغتربين انقاذ الاقتصاد، تُوزَّع فيها الثروة حسب الطبقات ويطلب من المسحوقين تقديم فروض الطاعة والولاء؛

* في مملكة الخوف تُدعى لممارسة السياسة لكن فقط مرة في أربع سنوات، من أجل تكثير سواد المقترعين وتحسين صورة البلد في الخارج، لكن أن تقترف السياسة بما هي ممارسة الحريات السياسية والوقوف صوب قطار الظلم والمهانة فذاك محرم في عرفهم؛

* في مملكة الخوف تُفرش الزرابي للأحذية والسيارات الفارهة، بينما تُفرش الأتربة والإسفلت لآلاف المعطلين والمتسولين والمعدمين وذوي الحاجات. تُسكن القصور والاقامات الفاخرة للأغنياء وذوي النفوذ وخدّام الدولة، بينما تَضيق العمارات والمجمعات بملايين البسطاء الذين يفنون أعمارهم مقابل أداء أقساط بيوت تسمى في عرف المغاربة “قبور الحياة”؛
(….)

* في مملكة الخوف يَتحسّس الناس أفكارهم كما يتحسسون جيوبهم، وتجد الناس (ليس الكل) حادّين حيال بعضهم البعض وضد من لا يملك، لكنهم يخفضون جناح الذل والمهانة لِمن يزعمونه “مخزنا”؛
في مملكة الخوف تخفت الأصوات (ليس الكل) كلما تم التطرق لأمور السياسة الحقيقية، وتُبتلع الألسُن (ليس الكل) حين الحديث عن من في يده السلطة الحقيقية، وترتجف الأصابع (ليس الكل) لما تحاول أن تتجاوز خطا أحمر؛

* في مملكة الخوف لا يتحدث الناس (ليس الكل) عن “الزعيم” إلا بما يعشق ويُفضّل، ولا يذكرونه إلا مقترنا بمفردات الجلالة والمهابة، وإذ أرادوا الاحتجاج على سياسات أحد خدامه، لا يفعلون ذلك إلا رافعين صوره وهاتفين بحياته؛

* في مملكة الخوف تتباطؤ الأرجل (ليس الكل) عندما يتعلق الأمر بالنضال من أجل مطالب مجتمعية أو تحسين مرافق عمومية، لكنها تتسارع عندما يتعلق الأمر بالبحث عن “وْسِيطة” أو استغلال نفوذ؛
في مملكة الخوف يُؤمّم الاعلام ويُدعى له المداهنون والمدَّاحون والمنافقون (ليس الكل)، ويمنع على الأحرار والمعارضين؛

* في مملكة الخوف تطلق على المرافق العامة والمنشآت الحيوية، أسماء أميرية تنهل من القاموس المخزني، بينما (تكاد) تنعدم مسميات الشرفاء الذين قدّموا أرواحهم فداء للوطن والذين أسدوا خدمات كبيرة لهذا الشعب؛
(….)

* في مملكة الخوف يطلقون لقب “الشريف” على خيرات ومنتجات البلاد، حتى تبقى بقرة حلوبا لأهل “الشرف” والجاه والنسب الشريف، لا يُسأل عنها في برلمان ولا في إعلام، ولا يَعرف مداخيلها ولا مصاريفها إنس ولا جان، بل هي صناديق سوداء؛

* في مملكة الخوف يتم تَجنّب أحسن المسارت وتُهمّش أجود الطاقات البشرية، في مقابل انتهاج أسوء السياسات، وتقريب أفسد الساسة، ومع ذلك يتم التساؤل عن أين هي الثورة؟ ولماذا لم توزّع بشكل عادل؟

* في مملكة الخوف يعتقدون أنهم يستطيعون خداع الشعب، لكنهم يتناسون الحكمة القائلة: تستطيع أن تخدع الشعب لماما، لكنك لن تستطيع خداعه دائما؛