منتدى العمق

بمناسبة اليوم العالمي للسيدا أكتب…

لا أريد أن أتكلم في مقالي هذا  بلغة الأرقام والإحصاءات التي تسجلها وزارة الصحة، في موضوع فقدان المناعة المكتسبة (SIDA)، وذلك نظرا لنسبيتها.

 سأتكلم بلغة الواقع والحقيقة، بلسان قلوب تألمت ولم تجد البديل،  أصيبوا بداء السيدا بسبب الظروف الإجتماعية  التي تفرض شروط حياة قاسية على بعض الفئات الهشة في مغربنا العميق،  فئة تجد جميع الأبواب مغلقة أمامها ما عدا باب الدعارة، مجتمع أفراده يرفضون تشغيل هذه الفئة وينظرون إليها نظرة نقصان واحتقار، فهناك من طلقها زوجها لأنها حاملة للفيروس،  وجعلها  تسقط في شباك ليالي حمراء لتلبية رغبات الجنس الآخر وسد جوع  أطفالها وتغطية مصاريف مأكلهم ومشربهم وطلباتهم  التي لا تستطيع تلبيتها في ظل ضعف اقتصاد المغرب.

حينما نجد أما عازبة  تخلى عنها المجتمع وقسا عليها،  حينما ارتكبت خطأ فادحا  بسبب هشاشة عاطفتها أو بسبب اهمال  أو نتاجا للتفكك الأسري،  حينما نجد أرملة لم يترك لها  زوجها ما يسد جوع أولادها،  حينما نجد شابا احتضن البطالة وأصبح مهوسا بالمواقع الإباحية و أفلام البورنو،  يمتهنون الدعارة  ويجعلون من الليل رفيقهم، نقول، أن العامل الإجتماعي له دور هام في ارتفاع نسبة الإصابة بهذا الداء.

عوض أن نبحث في جمع الأرقام والإحصائيات المرتبطة بالأشخاص المصابين بالسيدا،  حتى نظهر في الواجهة وأننا مجتمع متطور قادر بأساليب علمية متطورة على احصاء الأشخاص المصابين بالسيدا، الجهات المعنية لا تقوم بجهود جريئة في مواجهة الداء من خلال البحث في الأسباب؟؟ تذهب مباشرة  للطرق التوعوية  التي يمكن تقديمها للمصاب بهذا الداء، وكيف  يحمي نفسه وغيره؟؟ فحينما نجد شبابا يتعاطون المخدرات ويتبادلون الحقن، نقوم بتوزيع حقن معقمة وجديدة  لفائدتهم حتى لا ينتقل داء فقدان المناعة ،  إنه أمر جميل ونحن بدورنا نشجعه،  لكنه في الحقيقة لا يزيد الأمر إلا تعقيدا ويساهم بطريقة غير مسؤولة في تفشي ظاهرة أخرى تفتك بشبابنا الضائع.

ليس منطقيا أن نترك البحث في الأسباب،  ونشتغل بطرق الوقاية والإحصاءات التي يمكن أن نقدمها في مؤتمر دولي أو عربي،  نظم من أجل مناقشة هذا الموضوع حتى نظهر أننا شعب متطور في وسائل الإعلام.

  يجب البحث أولا،  في العوامل التي ساهمت في ظهور هذا المرض الفتاك وآرتفاعه، ما هي الدوافع؟؟ هل الأمر يرتبط بما هو اجتماعي( الفقر والهشاشة)؟ أم أن للأمر علاقة بما هو نفسي وجنسي،  حيث نجد كل من الرجل والمرأة يبحثان في العلاقات التي يقيمانها عن الشريك الأنسب القادر على تلبية الرغبة الجنسية وإحساس الطرف الأخر بالاستقرار الداخلي والسعادة؟  أم أن سؤال القيم والمعتقدات والبعد عن الله له دوره في القبول بعلاقات لا تنتج إلا خيبات الأمل و الإنتقال من مصلحة  علاجية إلى أخرى دون جدوى بسبب كارثية المستشفيات العمومية بالمغرب التي لا تقدر أن تضمن العلاج في أبسط الامور فما بالك بأكبرها؟؟

تحكي إحداهن عن معاناتها مع المرض، عن الإقصاء الذي تجده في سوق الشغل، عن رفض مجتمعها لها ولأولادها …الأولاد غير مصابون لكنهم يتحملون النتائج بحكم قانون وضعته نظرة مجتمع أغلبية أفراده مستبدون ،  تؤكد أن رغبتها في الجنس منعدمة،  لكنها لا تستطيع الصمود أمام جوع أولادها ، لهذا تجد نفسها مضطرة للخروج إلى الشارع والتفاوض مع الزبون حول الثمن، وتضطر عدم اخباره بأنها من حاملات السيدا حتى لايتركها ويضيع (قوت يومها) لصراحتها..

أمام هذا الوضع أتساءل،  هل صحيح أن لا خيار أمام النساء الممتهنات للدعارة لكسب قوت يومهم؟ أليس هناك حل اخر غير معصية الله و إيذاء الجسد والمساس بالكرامة؟ هل جمع المال من الجنس والعلاقات المحرمة  يخلق السعادة أم أنه يذمر من يبحث عنها؟

السعادة لا تأتي هكذا.. كلنا  نبحث عن السعادة، إلا أن لكل طريقته في الوصول إليها.