منوعات

مقررات التربية الإسلامية مرة أخرى!

من أغرب ما ابتلي به الإعلام بالمغرب في قضايا الإرهاب تمكن منطق لدى البعض يعتبر كل حديث عن الأسباب التي تنتج الإرهاب والتطرف سقوطا في تبريرهما! بالرغم من أن معالجة المخاطر والاختلالات والأخطاء تنطلق جميعها من بحث أسبابها، وإلا كان مصير الجهود التي تبذل في سبيل مواجهة تلك المخاطر والاختلالات دون معالجة تلك الأسباب هو الضياع. لكن الغريب في هذا المنطق أنه في الوقت الذي يصادر الحق في إرجاع تنامي الإرهاب وفكر التطرف إلى مسببات تهم السياسات العمومية والأوضاع السوسيو اقتصادية للمواطنين والفوضى المصاحبة لانتشار تكنلوجيا المعلومات الحديثة وخاصة الأنترنيت، لا يتردد في البحث عن أسباب التطرف والإرهاب في حالات معزولة تتعلق بكلمة أو صورة أو مصطلح أو عبارة عابرة في المقررات الدراسية وخاصة المتعلقة بالتربية الإسلامية! وتقام لذلك “مندبة” إعلامية كبيرة تأخذ أبعادا حساسة بسبب المعالجات التي تبحث عن الإثارة الإعلامية من جهة و التي تروم الاستهداف السياسي من جهة ثانية.

ورغم أنه لحد الساعة ليس هناك أي دراسة علمية محترمة تربط بين انتشار التطرف وفكر الإرهاب في أوساط الشباب وبين المقررات الدراسية في المغرب، ورغم أن جميع الحالات التي تمت معالجها في إطار محاربة الإرهاب والتطرف لم تثبت علاقة تطرفها وإرهابها بالمقررات الدراسية، فإن إصرار البعض على ربط بعض مضامين مادة التربية الإسلامية بالإرهاب والضغط من أجل غربلة تلك المقررات من المفاهيم والمصطلحات والعبارات والأسماء بشكل أقرب إلى إفراغها من مضامينها الدينية، أمر غير مقبول ويطرح شكوكا مقلقة حول أهدافها ومراميها الحقيقية.

ورغم أن مصدر انتشار فكر الإرهاب والتطرف يرتبط اليوم بشكل لا جدال فيه بالانترنيت وبالأدوار الملتبسة التي تلعبها بعض وسائل الإعلام التي لا يهمها محاربة التطرف والإرهاب بقدر ما يهمها ممارسة الإثارة وتصفية الحسابات السياسية الضيقة، فإن التركيز المفرط على المقررات الدراسية بعد عملية المراجعة التي عرفتها، والاهتمام المبالغ فيه بالموضوع على حساب مناقشة الأسباب الحقيقية لانتشار فكر التطرف والإرهاب، يجعل بعض المبادرات خارج دائرة الجدية والوضوح.

إن مراجعة المقررات الدراسية ليس في حد ذاتها عيبا يستنكر، إذا كانت خلفياته تربوية وعلمية وبيداغوجية، تروم تصحيح الأخطاء، ومواكبة التطورات، وتدارك النقائص. والمطالبة بتلك المراجعة على أساس ما تمت الإشارة إليه ليس عيبا أيضا، إذا تم بأسلوب علمي وباعتماد وسائل معروفة في هذا المجال مثل المذكرات والأيام الدراسية بل وحتى بالعرائض والبيانات، إذا كان كل ذلك يخدم الأهداف النبيلة للمراجعات التي تعرفها المقررات الدراسية في العالم أجمع. لكن العيب في أن يتحول موضوع مراجعة مقررات مادة التربية الإسلامية بالخصوص، بعد العملية الشاملة التي عرفها حديثا، إلى مشروع سياسي إعلامي يمارس الاستفزاز من خلال قاموس بعيد عن العلمية والاتزان، و يثير حوله شبهة استهداف القيم الدينية في حد ذاتها وتصفية الحسابات السياسية الضيقة.

إن مراجعة المقررات الدراسية مراجعة موضوعية تروم تحقيق أهداف تلك المراجعات العلمية والتربوية، لأي مادة تدرس للناشئة المغربية أمر ضروري ينبغي أن يستمر، لكن الحساسية التي تطبع مادة التربية الإسلامية تفرض الحرص الشديد على مقاربة موضوع تلك المراجعات خارج منطق الضغط الإعلامي والسياسي، وتفرض إعمال آليات الحوار العلمية المعتمدة في هذا المجال.