وجهة نظر

حصار غزة: حصاد مأساوي وخرق سافر للقانون الدولي

تمر أزيد من عشر سنوات على الحصار المفروض على سكان قطاع غزة، ويأبى الاحتلال الصهيوني رفع حصاره وتأبى الأخوة العربية والإسلامية أن تتحرك لرفع الحصار، ويستمر تخاذل الأنظمة العربية وتباطؤها في واجب النصرة.

تعود جذور الحصار المفروض على القطاع الذي يشكل أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم بأكثر من 1, 9 مليون نسمة، إلى مطلع عام 2006 عقب النتائج التي حققتها حركة المقاومة الإسلامية –حماس- التي استطاعت أن تحصل على 76 مقعد من أصل 132 من مقاعد المجلس التشريعي وهو الأمر الذي لم يرضي قوات الاحتلال التي تعتبرها حركة إرهابية، الحصار لم يرفع رغم تخلي حماس عن حكم غزة ومع تشكيل حكومة توافق وطني. لم يكن الحصار كافيا لهذا المحتل الغاشم بل إن القطاع شهد خلال هذه الفترة ثلاث حروب دامت لعدة أيام وحصدت العديد من الشهداء وخلفت الكثير من الألم وبقي أهل غزة صامدين رافضين الانحناء، مقاومين بشكل فردي، واستطاعوا بما لهم من السلاح أن يصدوا العدوان ويخرجوا من كل معركة مرفوعين الرأس محققين انجازات باهرة يسمو بعضها على بعض.

حصاد الحصار هو عبارة عن أوضاع اقتصادية واجتماعية وإنسانية وبيئية يعجز اللسان عن وصفها ويعجز الحبر عن جردها،فهو يحمل أرقاما مفجعة لمعاناة مستمرة منها ما ذكرته تقارير منظمات دولية وهيئات حقوقية وشعبية ومنها ما لم يذكر ويتم التكتم عنه. من بين هذه النتائج ما جاء في بيان لهيئة الحراك الوطني لكسر الحصار وإعادة الإعمار أن نسبة البطالة تجاوزت 45% الأمر الذي خلف 272 مليون مواطن عاطل عن العمل، وفي المقابل فإن فرص العمل باتت ضئيلة بفعل إغلاق المعابر ومنع الاستيراد لكثير من السلع والموارد الأساسية والدمار الكبير الذي أصاب المصانع والمرافق الصناعية جراء الحروب الإسرائيلية الثلاث، وتخلي حكومة التوافق عن مسؤولياتها تجاه قطاع غزة.

أما القطاع الصحي فقد مر بمراحل معقدة طوال الأعوام الماضية زادت من معاناة المرضى، حيث أكثر من 30% من الأرصدة الدوائية و40% من المستهلكات الطبية الأساسية ما زال رصيدها صفراً لدى وزارة الصحة.
ويعتبر مشكل الكهرباء من أبرز المشاكل التي أفرزها الحصار الأمر الذي اجبر شركة كهرباء غزة على مد المنازل بتيار كهربائي، وفق جدول يشمل قطع التيار 8 ساعات ثم قطعه 8 ساعات أخرى، وتزيد ساعات القطع في حال نفاذ الوقود اللازم لتشغيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة. ويحتاج القطاع إلى 360- 370 ميغاواطا من الكهرباء، حتى تعمل مدة 24 ساعة، بينما لا يتوفر حالياً إلا على 210 “ميغاواط”، توفر منها إسرائيل (120 ميغاواطا)، ومصر (32 ميغاواطا)، وشركة توليد الكهرباء (60 ميغاواطا).
كل ما سلف أن ذكرناه ما هو إلا قليل من كثير ويحصل أن يحدث كل هذا أمام أنظار العالم في زمن حقوق الإنسان.

فالاحتلال الصهيوني قد عمل على فرض حصار بري وبحري وجوي, فمن الناحية البرية فإنه يحكم قبضته على المنافذ الخمس للقطاع, فهو يحكم قبضته على كل من:

• معبر بيت حانون أو المسمى “إيريز” الواقع شمال القطاع والذي يعد بوابة العمال إلى الضفة الغربية وبقية الأراضي الفلسطينية قد أغلق عام 2007 ولم يسمح بالمرور عبره إلا لمؤسسات أجنبية وحالات صحية حرجة.
• معبر ناحل عوز: يقع شرق غزة، يتم من خلاله مرور الوقود والغاز إلى القطاع.
• معبر المنطار “كارني”: يقع كذلك في شرق غزة، وهو المعبر التجاري الرئيسي للقطاع.
• معبر صوفا: يقع جنوب القطاع، من خلاله تستورد مواد البناء وقد خصص للأغراض التجارية الأخرى بدلا من معبر المنطار لكن أيضا باستخدام محدود.
• معبر كرم أبو سالم ” كيرم شالوم”: يقع في جنوب القطاع، من خلاله تستورد البضائع من مصر عبر إسرائيل، اعتمد بعد تشديد الحصار عام 2007 وذلك بشكل جزئي.(1)
• بالنسبة للمعبر السادس للقطاع وهو معبر العودة أو معبر رفح فهو الأخر أحكم الاحتلال قبضته عليه بعدما شرب وأكل مع نظام السيسي، فهو مغلق ولا يفتح إلا نادرا.

أما من الناحية البحرية فإنه لا يسمح إلا للصيادين بالدخول إلى الشواطئ ضمن مسافة محددة في ستة أميال بحرية يكون من تجاوزها في مرمى نيران البحرية الإسرائيلية أو الاعتقال. هذا ما كان قد تم الاتفاق عليه ضمن تفاهمات وقف إطلاق النار بين الجانب الفلسطيني والكيان الصهيوني والذي تم برعاية مصرية والذي لم يحترمه الكيان.
حتى جوا لم يسمح للقطاع باستغلال فضائه الجوي، إذ أن مطار غزة الدولي الذي انشأ عام 1998 بموجب اتفاق أوسلو (اللعين) قد أغلق عام 2000، وليتم قصف المهبط الوحيد للطائرات في القطاع وتدميره خلال العدوان الصهيوني عام 2008.

يحدث أن يحصل كل هذا أمام أنظار العالم في زمن العولمة وحقوق الإنسان والشعارات الرنانة ولا أحد يكرك ساكنا، حتى أخوة العرب فمنهم من في سبات ومنهم من تواطأ وشارك في حصار إخوانهم، فمنهم من يشارك في فرض الحصار ومنهم من يدعم المحتل جهرا وأمام الناس، ومنهم من يعاديه جهرا ويقبل قدميه سرا. والغريب في الأمر أن هذا الحصار لا يستند على أي مسوغات قانونية ولا عن أي قرار دولي صادر عن مجلس الأمن أو غيره، وهو ما يؤكد الانبطاح التام والمباشر للأنظمة العربية أمام سياسة الاحتلال الصهيوني المدعم بشكل صريح من طرف الولايات المتحدة الأمريكية التي يتسابق المرشحون لرئاستها إلى كسب ود اللوبي الصهيوني. وهذا يدفعنا إلى التساؤل عن دور جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ومجلس التعاون الخليجي وغيره من الهيئات التي تعقد فيها اجتماعات متأخرة أحيانا وطارئة أحيانا أخرى، يجتمع فيها من يجتمع حول الموائد الفاخرة ويلتقطون لبعضهم صور تذكارية ليختموا مجمعهم المبارك بقراءة بيان تنديدي يتوعدون فيه المحتل بلهجة حادة بأنه إن لم يوقف اعتدائه فإنهم سيجتمعون من جديد لإصدار بيان شديد اللهجة؟

وأمام هذا التخاذل الرسمي؛ نجد حراك شعبي يتحرك تارة هنا وهناك، فبعد كل عدوان تخرج تظاهرات ترفع خلالها الشعارات وخاصة ذلك الشعار الخالد:”الشعب يريد تحرير فلسطين” وأخر “الموت لإسرائيل” وغيرها، ليعود المتظاهرون إلى بيوتهم بينما أهل غزة يدفنون شهدائهم ويضمدون جراحهم ويحتمون من برد الشتاء، فلا يجدون مأوى إلا إيمانهم بالله وحقهم المغتصب وهم صابرون رغم الحصار.
صحيح أن التحركات الشعبية لا يملك أحد تبخيسها أو نكران مفعولها، فقد استطاعت الحملات التي يقوم بها الشباب على موقع التواصل الاجتماعي من إقلاق العدو، وخير دليل على ذلك مسح موقع توتير لمجموعة من الهشتاخ المساند للقضية وكذا إزالته للصفحات الرسمية لكتائب القسام، من بين الأمور التي تؤكد مفعولها أنها الوسيلة التي ينسق بها شباب الانتفاضة تحركاتهم، كما أن اقتحام الاحتلال لمقر قناة فلسطين اليوم وتنكيله بالصحافيين (هنا نشيد بمعركة الصحفي محمد القيق الذي واجه الاحتلال بالأمعاء الفارغة) وحجب بث قناة الأقصى من القمر الصناعي نايل سات دليل أخر على فعالية هذه الوسائل أمام محتل يخشى الحقيقة، هذا إلى جانب ما تقدمه قوافل كسر الحصار من تخفيف الكرب عن إخواننا، إلا أنها غير كافية ويجب البحث عن وسائل أكثر فعالية ليس لفك الحصار عن غزة ولكن لتحرير فلسطين كل فلسطين.

من الناحية القانونية تعد “إسرائيل” بالنسبة لغزة دولة احتلال رغم ما تدعيه من كونها انسحبت من القطاع مند 15 غشت 2005، مما يعفيها من أية مسؤولية، وهذا يتناقض مع ما أعلنت عنه في خطة الانفصال عن غزة أن “إسرائيل ستستمر بصورة حصرية في السيطرة على المجال الجوي لغزة وأنها ستستمر في تنفيذ نشاطات عسكرية في المجال البحري التابع لقطاع غزة”. كما أن اتفاق أوسلو أبقى في يد إسرائيل السيطرة الحصرية على المجالين الجوي والبحري لقطاع غزة كما كان عليه الوضع منذ أن احتلت “إسرائيل” قطاع غزة سنة 1967، وبالنتيجة يقع على عاتق دولة الاحتلال- وفقاً لاتفاقية لاهاي لسنة 1907 وميثاق جنيف الرابع (1949) الذي تنص المادة الثانية منه على أن الاتفاقية تنطبق على جميع حالات الاحتلال الجزئي أو الكلي للأراضي- مسؤولية شاملة عن أمن ورفاهية المواطنين الذين يعيشون داخل المناطق المحتلة. وعندما تخل الدولة المحتلة بالتزاماتها المنبثقة عن الاتفاقيات والمعاهدات الدولية تتعرض للمسؤولية الدولية، غير أن “إسرائيل” أصبحت تتمتع بوضع أقل ما يمكن قوله بشأنه أنه وضع استثنائي يجعلها خارج قواعد القانون الدولي والمحاسبة السياسية، نتيجة الحماية الأمريكية غير المشروطة، و من تم كان تجرؤها على قافلة الحرية التي تعرضت لها في المنطقة البحرية التي تبعد عن مياهها الداخلية بحوالي 48 ميل بحري، منتهكة قاعدة حرية المرور التي تنص عليها اتفاقية قانون البحار لسنة 1982 ومستهترة بالمجتمع الدولي وبمؤسساته وبمختلف المواثيق الدولية التي تضمن للشعوب الحد الأدنى من الحقوق الأساسية، ومكرسة نفسها بالتالي دولة خارج القانون، وحالة يندر أن نجد لها مثيلاً في التاريخ الإنساني.(2)

ختاما نشير أنه من الحمق والجنون التعويل على المنتظم الدولي أو الدول المتمدنة من أن تقف في صفنا ضد عدونا الذي هو حبيبها وابنها المدلل، وأنه من الواجب التشمير على ساعد الجد والسعي نحو بناء لوبي عربي إسلامي ذو قوة اقتصادية متملك لقوة إعلامية تمكنه من مجابهة اللوبي الصهيوني، وعلى الهيئات الشعبية عدم الملل من مساندة ومؤازرة إخواننا الفلسطينيين في محنتهم وبدل كل ما يمكن في سبيل رفع الظلم عنهم أو تخفيفه وفضح جرائم المحتل الصهيوني.

المراجع :
(1): معاناة قطاع غزة تحت الحصار الصهيوني تقرير معلومات(1)،مركز الزيتونة لدراسات والاستشارات بيروت،إعداد قسم الأرشيف والمعلومات، 2009 صفحة 20-21
(2): مقال للأستاذ أحمد بو دراع أستاذ القانون العام بجامعة محمد الأول بوجدة، نشر بصحيفة القدس العربي اللندنية، الأربعاء 28 يوليو2010.