وجهة نظر

كشف الغمة في رفع الهمة لشباب الأمة

كثيرة هي الوقائع التي نطَّلع عليها في تراثنا الإسلامي، لكن قلّ ما نقف عندها وقفة تأمل، من منا لا يحفظ سورة الشرح؟ والمقصود هنا الآية الكريمة:(فإذا فرغت فانصب)، ومن منّا من لم يسمع هذه القولة المشهورة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في كتب السيرة النبوية:(لا أدري والله بأيهما أفرح: بفتح خَيْبَر أم بقدوم جعفر)، لقد فرح رسول الله بقدوم ابن عمه بعد غيّاب طويل في هجرته للحبشة، هذا إن دلّ على شيء، فإنما يدل على مكانة محبة جعفر بن عبد المطلب رضي الله عنه عند رسول الله، وبعد مدة قصيرة أصدر رسول الله أمره بإعطاء جَعْفَر بن عبدالمطلب حق قيادة جيش مؤتة أثناء قتال الرّوم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(قائدكم هو زيد (زيد بن حارثة) فإن أصيب فجعفر بن أبي طالب، فإن أصيب فعبدالله بن رواحة، فإن أصيب فارتضوا لأنفسكم قائدا)، الشاهد عندي هنا من خلال ذكر الآية الكريمة، وتفضيل النبي صلى الله عليه وسلم لابن عمه، هو التأكيد على أمر مهم جدا هو شحذ الهمم والرفع من المعنويات النفسية المنهزمة عند بعض شباب هذه الأمة، جاء في السورة كما ذكرت (فإذا فرغت فانصب)، إذا انتهيت أيها الشاب من الفرض فإن النوافل تنتظرك، لاوجود لمساحة الفراغ في الخريطة الذهنية لديك، حياة المسلم كلها نصب، وعمل وجد واجتهاد، هذا لا يعني أن حياة المسلم لا يتخللها أوقات الراحة والفرح والمرح، يقول الله عزوجل:(وابتغي فيما آتاك الله الدار الآخرة ولاتنسى نصيبك من الدنيا)، أهم شيء أن يكون المنهج الوسطي، والتوازن الفكري في الممارسة العملية والفعلية للقوانين والأوامر الشرعية، حتى لايفهم الدين في معناه الضيق، كما قال الرهط لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نصوم ولانفطر، نقوم الليل كله، ونعتزل النساء، الدين أكبر من هذا، راحة وعبادة ثم السعادة في الدنيا والآخرة.

وأما حدث رسول الله مع ابن عمه، فيمكن أن نأخذ منه كذلك، ما يشحذ همّتك أيها المسلم، عليك أن تنطلق وترفع من إيقاعك، لم يمنح الغياب الطويل جعفر بن عبدالمطلب حق الجلوس، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يَقُل: ياجعفر فرحت بقدومك فتفضل واجلس معنا، فاني أحبك حتى اختلطت فرحة خَيْبَر بك، بل أرسله للمشاركة في المعركة، فهذه الوقائع يجب أن لا تمر على المسلم مرور الكرام، بل وجب علينا أن نقرأ التاريخ وننزله وفق مستجدات العصر، ونفكر على غرار ما كان عليه المتقدمين من مجتهدي الأمة، مع استحضارنا لفقه الواقع والفهم المقاصدي لنصوص الوحي والسنة النبوية، لأن مشكلتنا الفكرية اليوم في وجود تيارين: إما مفرطين وإما متشددين في تفسير النصوص، وضاع التيار الوسطي بينهما.

إن المعالجة الشرعية للحوادث والنوازل التي تعرفها الأمة اليوم في مجالات مختلفة وبخلفيات متعارضة، تستوجب علينا أن نبني جيلا من الشباب يجعل من القرآن والسنة النبوية نبراساً ينير دروبه المظلمة، ويمنحه القوة للتصدي للفكر المتشدد والثقافة الإباحية الهدامة، فجهاد الأمة اليوم في قوة اقتصادها، وفكرها، واستغلال مواردها البشرية مِن خيرات شبابها، الكل يعرف هذا الأثر، جاء عن رسول الله :(حالفني الشباب، وخالفني الشيوخ)، و قال أيضا عليه السلام:(نصرت بالشباب)، لست هنا في صدد سرد النصوص، ولكن علينا أن نعي مضمون النص وفقه.

فمن يتحمل مسؤولية ضياع شباب هذه الأمة؟

في ثقافتنا أي مشكلة تعترضنا، المتهم الأول عندنا هو الدولة في مؤسساتها، في نظري هذا هروب من المسؤولية، فكل فرد عاقل يتمتع بأهليته، يميز بين الحق والواجب، يتحمل المسؤولية فيما نحن فيه، لكن الدولة تأخذ حصة كبيرة، مقارنة مع المواطنين العاديين، لأن الدولة تملك من الوسائل ما يكفيها في رفع الهمة لدى الشباب.

إعلاميا: بدل من نشر ثقافة الانحراف والشذوذ الفكري، على الدولة أن تأطر شباب الأمة من خلال برامج هادفة، تحمي هويتهم الثقافية والحضارية، لأن هلاك الأمم المعاصرة نتيجة ما يروجه الإعلام بمختلف أنواعه المقروء والمسموع والمرئي.

تربويا وتعليميا: لايخفى عليك أخي وأختي أهمية التربية والتعليم فــي صناعة الحضارة، فكم من البلدان لم يشهد لها رقي إلا عندما جعلت من التربية والتعليم أهم أولوياتها، اليابان مثلا دون أن نحكي لكم عن تجاربهم، فالكل على علم بما تعرفه هذه الدولة من تطور وتقدم، نحن أمة إقرأ ومع ذلك لا نقرأ، لست في حاجة لذكر النصوص فالكل يستظهرها، فما نحتاجه الآن هو مضمون النصوص وفقهها، وأن تكون للدولة الإرادة القوية وللمواطن الهمة العالية والرغبة في حب التعليم والتعلُّم، فوالله لا وجود ولا شهود للأمم إلا عندما نجعل من التربية على الدين، وحب الوطن، وتعلم الإتقان والجودة في كل شيء أهم أولوياتنا، فأما أن نجعل من مجال التعليم مختبرا للتجارب، كلما جاءت حكومة لعنت سابقتها، وبدّلت وغيَّرت دون مراعاة الخصوصية الثقافية والفكرية للدولة، فاعلم أننا ندور في حلقة مفرغة.

هناك مجالات أخرى مهمة يتعين على الدولة أن تهتم بها من أجل النهوض بفئة الشباب، لكن اكتفيت بالإشارة إلى الجانبين الإعلامي والتربية والتعليم نظرا لأهميتهما كما أشار إلى ذلك الدكتور المهدي المنجرة رحمه الله في غير ما مرة.

توجد بالمغرب عملة ثمينة، من الطاقات الشابة المبدعة لكن مع كامل الأسف لم تلقى من الاهتمام ما يكفي في صقل مواهبها، ودفعها للمزيد من الإبداع في بناء المغرب الحداثي، ليس كما يفهمه البعض من حداثة الانحلال والميوعة، وإنما النموذج المغربي الذي يحافظ على الهوية الإسلامية للدولة.

ومع ذلك نعيش على الأمل، مادام الخير باق في هذه الأمة إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وأن يرفع مجد هذه الأمة شبابها، ويقودوا سفينتها للشهود الحضاري على كل الأمم، وماذلك على الله ببعيد، فاللهم وفق شبابنا للخير والعمل الصالح أمين.