مجتمع

حكاية تسعيني بتيزنيت لم ير أبناءه منذ 51 عاما

مصطفى امزراري

 لم يخطر بخُلد “الفقير محمد”، أنه ذات يوم من صيف سنة 1964 لن يتمكن من رؤية زوجته وأبنائه مرة أخرى وهو يغادر بيته الصغير بأحد دواوير بيفورنا التابع لجماعة تيوغزة التابعة حاليا لإقليم سيدي إفني، متجها نحو السوق الأسبوعي. فقد كانت دهشة “الفقير” كبيرة عندما ولج إلى منزله ليجده خاويا على عروشه، فالزوجة والأبناء لا أثر لهم وسؤال الغياب ظل يراوده كل حين وهو ينتقل من منزل إلى آخر سائلا عن مكان شريكة حياته وفلذات أكباده.

مشاكل صغيرة تتحول إلى أشياء كبيرة

بلهجة ملؤها الحزن والشفقة، يحكي أحد أقرباء محمد الفقير لـ “العمق المغربي” قصة هذا الشيخ التسعيني الذي يعيش حاليا بأحد دواوير جماعة الساحل التابعة لإقليم تيزنيت، وحيدا دون أن تفارق مخيلته المنهكة شريط أسود من قصة حياته التي انقلبت رأسا على عقب سنة 1964 حينما غادرت زوجته وأبناءها رفقة عائلتها بيت الزوجية إلى مكان مجهول، حيث ظلت الأسئلة عالقة منذ ذلك الزمن وإلى اليوم لم يجد لها جوابا شافيا يسكن قليلا جرح “الغدر” الذي أصابه من زوجته “ع. بنت أحمد بن لحسن نوش”.

قريب محمد يقول للموقع، إن الشيخ كان يعيش مع زوجته بعض الخلافات العائلية العادية بفعل الفقر وقلة ذات اليد، حيث لم تكن تتوفر حينها في القرية التي كان يقطن بها فرص للعمل، غير أنه لم يكن يظن يوما أن تغادر زوجته فراش الزوجية لهذه الأسباب وتخفي منذ ذلك الحين دون أن يظهر لها أثر أو أن يعرف السبب الحقيقي الذي دفعها إلى ذلك، وهو ما حرمه من رؤية أبنائه منذ ذلك الحين إلى اليوم رغم جميع الجهود التي بذلها من أجل الوصول إليهم، حيث سلك جميع الطرق واتبع جميع الخيوط التي كان الناس يوجهونه إليها منذ اختفائها وحتى يوم الناس هذا.

رحلة بحث مستمرة

رغم أنه تزوج مرة أخرى وأنجب أبناء آخرين وبلغ من الكبر عثيا، إلا أن الفقير محمد، كما يقول قريبه، لم يترك يوما مكانا إلا وتوجه إليه حينما يسمع أن زوجته السابقة رفقة أبنائها يوجدان به، غير أنه دائما ما يمنى بنتائج مخيبة للآمال، حيث تظل شهادة كل المرشدين كالسراب ما إن يقترب منها حتى تتبخر، وهو ما دفع بقريبه مؤخرا إلى طرق باب الصحافة والإعلام عل وعسى أن يكون الباب الذهبي الذي سيفتح له رؤية أبنائه الثلاثة الذين رأى اثنين منهم (أحمد المولود سنة 1958 ومبارك المزداد سنة 1963)، فيما الثالث تركه في ظلمات بطن أمه.

ويضيف القريب أنهم علموا أن الزوجة توجهت في بادئ الأمر إلى منزل عائلتها بمنطقة تدعى “إدباها”، لتقلها رفقة أخيها سيارة نحو منطقة الأخصاص بتيزنيت، لتنتقل العائلة ككل إلى منطقة “فضالة” بمدينة المحمدية إلى حيث يوجد عمها، غير أن هذا الأخير قام بطردها عندما علم أنها غادرت بيت الزوجية دون إذن، لتنتقل من مكان إلى آخر، وهو ما دفع “الفقير” إلى رفع دعوى قضائية ضد زوجته، ليحكم القضاء بضرورة عودتها وأبنائها إلى بيت الزوجية لكن أباها رفض قيد حياته الامتثال للحكم بدعوى أنه لا يعلم مكانهم.

آخر الروايات التي يقول قريب الفقير محمد إنهم توصلوا إليها في رحلة البحث عن الأبناء، تفيد أن زوجته لا تزال توجد بمدينة المحمدية، وقد تزوجت من رجل آخر بعد أن استطاعت الحصول بطريقة ما على شهادة وفاته، حيث انتقلوا إلى المكان الذي وصف لهم لأكثر من مرة، ليجدوا في إحداها أحد الأبناء المفترضين لزوج “ع. بنت أحمد بن لحسن نوش”، وحكوا لها قصة الرجل، غير أنها وعدتهم بإخبار أبيها بالقصة، لكنها أغلقت جميع خطوط التواصل معها بفترة قليلة لينقطع بعدها الرابط الوحيد الذي كان عندهم من أجل الوصول إلى الأبناء، الذين أكد قريب محمد أنهم لا يعرفون أن أباهم حي يرزق، وأنهم أخبروا منذ الصغر بأن أباهم توفي في أحد حروب الصحراء.

تزوير واحتيال على القانون

قريب محمد يقول في حديث لـ “العمق المغربي” إن أم الزوجة يمكن أن تكون هي العقل المدبر الحقيقي لعملية الاختفاء هذه برمتها، وأنها يمكن أن تكون هي المتورطة في الحصول على شهادة مزورة تثبت وفاة “الفقير محمد”، وذلك بمساعدة الزوج الحالي لزوجة محمد الأولى، مشيرا إلى أن ما جعلهم يرشحون هذا الاحتمال هو تصرف ابنة الزوج بعدما أكدت لهم أنها ستعمل على حل هذه القضية، وقد تكون أخبرت والدها فعلا بالقصة لكن خوفه من أن يفتح تحقيق في المستقبل حول شهادة الوفاة يمكن أن يجره إلى السجن، وهو ما دفعه إلى إلزام ابنته بإغلاق هاتفها في وجه “الفقير” وأقاربه.

ويأمل قريب “محمد الفقير” أن يعثر هذا الأخير على فلذات كبده قبل وفاته، مبرزا أنه يأمل أن تساعده وسائل الإعلام في حل لغز اختفاء أسرته منذ ما يفوق 51 سنة، رغم تعدد المحاولات التي بذلها من أجل العثور عليهم ومعرفة مصيرهم، حتى لا يغادر إلى دار البقاء وحرقة السؤال تؤرقه.