وجهة نظر

لفهم ما أراده صانع داعش..

تُؤكد الأحداث التي وقعت بفرنسا في 13 نونبر الجاري، والتي هاجم خلالها ثمانية أشخاص مواقع حساسة بالأحزمة الناسفة والرشاشات، ترتب عنها مقتل أزيد من 130 مواطن وأزيد من 290 مصاب والتي تبناها فيما بعد تنظيم داعش، أن هناك تغيير نوعي لاستراتيجية هذا الأخير مع سوء تقدير لقوته التي تتمكن وتمتد في آن واحد يوما بعد يوم.

شرارة تنظيم داعش بدأت بالتدخل العسكري الغربي بالعراق وما صاحبه من اعتداء وإقصاء لأصحاب الأرض وتحقير وتهميش للطائفة الأصلية، وزادت قوته –أي التنظيم- بالحرب في سوريا وانقسام الأطراف المشاركة فيها ما بين معارض ومؤيد لبشار الأسد كل حسب تقديراته ومنفعته. غير أن اللافت للنظر من خلال الهجمات الأخيرة، أن هناك انتقال خطير أكثر دموية مما كانت عليه استراتيجية داعش -أو من صنعوها-، تروم تحقيق أهداف متعددة في آن واحد:

أولها: نقل الحرب من المواجهة المباشرة والاشتباك الميداني في سوريا في مدن استراتيجية كعين العرب وكوباني وسنجار إلى ضرب ومهاجمة أهداف وعواصم أوروبية ومدن ومواقع غربية منتقاة بعناية خاصة، والخطير أن يتم هذا الأمر بأبناء هذه الدول الذين وُلِدوا وترَعرَعوا وتعلّموا فيها.

ثانيا: زعزعة وإرباك الأمن والاستقرار في هذه الدول العظمى والتأثير على الاقتصاد وضرب السياحة وبالتالي إحداث حالة من الفوضى الداخلية وخلق رأي عام وطني مُعارض للتدخل العسكري الأجنبي في الحرب على داعش ومُطالب بالاهتمام أكثر بالأمور الداخلية وإن كان على حساب المُستضعفين في الدول العربية الإسلامية المنكوبة.

لا شك أن لهذا التكتيك الجديد لتنظيم داعش والذي بدأه في تركيا وفرنسا، سيكون له تداعيات وارتدادات خطيرة على المكتسبات الإنسانية والديمقراطية وعلى مبادئ الأخوة العالمية وعلى الحرية وعلى الإعلام، وخصوصا بالنسبة للإسلام والمسلمين والجالية العربية المسلمة في المهجر –وهي من أهداف من صنعوا داعش ومن يتحكم بها وفيها-. ولعل أبرز هذه التداعيات تكمن في:

أولا: إلحاق الضرر الكبير بأزيد من 10 ملايين مسلم من الجالية المسلمة التي تعيش بأروبا، والإِجهاز على الثقة والعلاقة التي تربطهم بوطنهم الجديد، وكسر آمالهم، وتقويض قدراتهم العملية والعلمية التي كانت تخولهم الوصول إلى مناصب عليا وسامية ومراكز القرار، ولِمَا لاَ إِمكانية قيادة أحزاب وطنية أو إحداث أخرى، كانت ستكون حاضرة وبشكل مُعتبر في السّاحة السياسية لهذه الدول الأوروبية.

ثانيا: منح تغطية دولية للتدخل الأجنبي في الشرق الأوسط وفي الدول العربية، وتوفير أعذار وتبريرات لاتخاذ إجراءات وردود أفعال ضد المستهدفين –وغالبيتهم من المسلمين- حيث قامت فرنسا بتكثيف القصف الجوي على مواقع سورية، كما اتخذ الرئيس هولاند قرارات دستورية وسياسية وعسكرية استثنائية، والتي لا شك سوف يُقِرُّها البرلمان باسم الحرب على فرنسا والمصلحة الوطنية؛ وصلت إلى حد إجراء تعديل دستوري على المادة 16 و36 من الدستور، وذلك بإحداث صيغة جديدة من شأنها أن ترفع صلاحيات حالة الطوارئ إلى مقام الإعلان عن الأحكام العرفية –حصول الرئيس على صلاحيات واسعة- وتمديد حالة الطوارئ من 12 يوم إلى 3 أشهر، بالإضافة إلى نزع الجنسية من الفرنسين المتورطين في أعمال إرهابية أو يُهدِّدون استقرار البلاد من حاملي جنسيات أخرى ولو وُلِدُوا بفرنسا، مع تفعيل قانون الطرد في حقهم. علاوة على ذلك، قرر الرئيس الفرنسي تقوِية المنظومة الأمنية عبر توظيف 5000 رجل أمن و2500 في سلك قضاء الإرهاب و1000 جمركي، وعدم خفض ميزانية الدفاع إلى حدود 2019. والأكيد أن باقي الدول الأوربية ستسير على نفس المنوال بحكم اللحظة الحرجة التي تمر بها أوروبا.

رغم 15 سنة من الحرب على الإرهاب وثلاث سنوات من الحرب على داعش في سوريا، لم يتم القضاء على هذا التنظيم ولم تتم الإطاحة برئيس سوريا بشار الأسد، وكان الضحية وزال الشعب البريء بأطفاله ونسائه وشيوخه الذين يُقْتَلون يوميا ولمرَّات عديدة بالخوف والجوع والبرد، قبل الموتة الأخيرة، والتي تكون إمَّا بتعذيب وبرصاص شبيحة بشار أو بالحد وبقطع الرؤوس بسيوف داعش، أو بغارات طائرات التحالف الأجنبي أو ببراميل المتفجرات العنقودية التي تُرسلها الحاملات الروسية.

الغرب يقضي أغراضه السياسية والاقتصادية والدبلوماسية والدستورية بفزاعة داعش، وداعش تُتقن هذا الدور بإعدام وقتل الناس بحكم أنّهُم كفَّار لتُدخِلَهُم النار –بحسبهم- وهي بذلك توافق رسالة الشيطان الذي يُريد بدوره أن يُدخل معه البشرية للجحيم، أما المسلمون فقد ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، ومن جور الأديان إلى عدالة ورحمة الإسلام…