خارج الحدود

أسرار أقدم مسجل خطر في مصر.. ارتكب 80 جريمة واستخدمه وزير الداخلية الأسبق لتنفيذ أهدافه

“مسجل خطر”، هي الكلمة الأكثر تردداً داخل أروقة أقسام الشرطة، هذه الكلمة التي تظل تطارد صاحبها طوال حياته، فما أن تقع جريمة ما في محيط المنطقة الجغرافية التي يعيش بها الـ”مسجل خطر”، يجد نفسه واحدًا ضمن طوابير من المسجلين خطر الذين يجمعهم رؤساء البحث لفحصهم ومناقشتهم في مدى تورطهم في هذه الجريمة، فضلاً عن أن هذه العبارة تمثل للشخص عقبة على مدى حياته، فتحرم أولاده وأحفاده من الالتحاق بالكليات العسكرية، بالإضافة إلى العبء الاجتماعي الذي يقع على عاتق أسرة المسجل خطر، حتى في حالة توبته توبة نصوحة والعدول عن “سكة الندامة”.

“مهدى أبو الدهب”، أقدم مسجل خطر فى مصر، ذلك الرجل السبعينى من العمر، الذى عاصر كبار المسجلين خطر والبلطجية الأشهر، حتى أصبح الاسم الأشهر فى القاموس الشرطى، فلا يأتى رئيس مباحث بالقاهرة إلا ويسأل عن “مهدى أبو الدهب”، الذى كان الاسم الأشهر فى ستينات القرن الماضى وما بعده.

التقى “اليوم السابع” بأقدم مسجل خطر فى مصر “مهدى أبو الدهب”، الذى سرد قصة تحوله لـ”مسجل خطر”، وكيف أفنى عمره ما بين المتهمين والتردد على زنازين السجون، ورؤيته لأوضاع المسجلين خطر الآن، وكيف تحول هذا اللفظ لمهنة.

مجدى ابو الدهب اقدم مسجل خطر (4)

قال “مهدى أبو الدهب”، ولدت قبل 76 سنة من الآن فى 1941 بالقاهرة، إلا أننى من أصول صعيدية من محافظة قنا تحديداً، وتزوجت مرتين وأنجبت 7 أولاد “3 بنات و4 ذكور”، وكنت شخصا طبيعيا، لم أدخل قسم الشرطة قط، لا يشغلنى فى هذه الدنيا سوى العيش بصحة وستر وراحة بال، لم أتوقع أن تنقلب حياتى فى لحظة من اللحظات رأساً على عقب، ولا أدرى أن حادث يحولنى إلى مسجل خطر، ليس هذا فحسب، وإنما المسجل الأشهر فى مصر.

يعود “مهدى أبو الدهب” بظهره للخلف، وكأنه يعود بذاكرته عشرات السنوات ليتذكر ما مضى، عندما اندلعت مشاجرة سنة 1971 بين نجل شقيقته وشخص آخر، فيقول “مهدى”، جاءنا الخبر أن ابن شقيقتى يتشاجر مع شاب على قهوة فى الوايلى بالقاهرة، واعتقدنا أنها مجرد مشاجرة بين شباب، أسرعنا لهناك واكتشفنا سقوط نجل شقيقتى قتيلاً، ومن هنا كُتب “الاجرام” على وهو كره لى.

مجدى ابو الدهب اقدم مسجل خطر (1)

وتابع “مهدى”، عقدت عائلتنا اجتماع عاجل لبحث تطورات ما حدث، وطلب البعض أن ننتظر حتى يقتص لنا القانون، خاصة أن المتهم تم القبض عليه، وكنت وقتها صغير السن، وفى عادات أهل الصعيد لا يستطيع الصغير أن يتحدث فى وجود الكبار، فلم أستطيع أبدى الرأى، واكتفيت به داخل نفسى، حيث قررت أن يخرج الجثمانين معاً، جثمان ابن شقيقتى وجثمان المتهم بعدما قررت قتله بالرغم أنه بات فى حوزة الأمن.

ويضيف “مهدى أبو الدهب”، لم يغمض لى جفن طوال الليل، وسهرت أفكر فى أمرى، ثم تسللت لقسم شرطة الوايلى، حيث عرفت أنه سيتم ترحيل المتهم صباحاً لجهات التحقيق، واكتشفت أن سيارة قديمة متوقفة أمام القسم منذ أشهر، فاختفيت وراءها من السادسة صباحاً، وعندما شاهدت المتهم يخرج من القسم برفقة رجال الشرطة ظهرت وأطلقت عليه 3 رصاصات اخترقت جسده ليموت فى الحال، وتم القبض على، وحقق معى ضابط شرطة اتذكر اسمه للآن يدعى “إبراهيم راسخ”، وبعد 3 أشهر حبس خرجت بكفالة، وظلت القضية معلقة لمدة 9 سنوات، حيث صدر حكم على سنة 1981 بالسجن 10 سنوات.

وتابع “مهدى أبو الدهب”، هربت قبل القبض على، وبعد 25 يومًا هرب قررت تسليم نفسى وقضيت المدة وخرجت، وأثناء وجودى بالسجون تعرفت على عتادة الاجرام فى مصر”كتكوت الجيارة” أخطر أباطرة الكيف فى مصر، و”فؤاد أبو على”، أشهر تاجر سلاح بروض الفرج، ومن هنا بدأ اسم يظهر فى عالم الجريمة، خاصة أن الصدفة قادتنى للتعرف على  “نخنوخ”، وأصبحنا أصدقاء لا نفترق نهائياً.

حكايات “مهدى أبو الدهب” عن الجريمة أزاحت الستار عن العديد من الأسرار وعلاقات الشرطة وقتها ببعض المسجلين خطر، حيث قال “مهدى”، كان اللواء حبيب العادلى يكلفنا بحل العديد من المشاكل، فيتصل بـ”نخنوخ” ويقول له: “فيه مشكلة فى المكان الفلانى على حتة أرض روحوا خلصوها مش عايز وجع دماغ”، ونذهب ونحل المشاكل و”ندى التمام لـ حبيب بيه”، فكان لنا دور مهم فى أن يستتب الأمن.

مجدى ابو الدهب اقدم مسجل خطر (2)

ويقول “مهدى”، لم يقتصر دورنا عند هذا الحد، وإنما كان يستعين بنا رجال المباحث فى الإرشاد عن الخارجين عن القانون وحل ألغاز الجرائم المعقدة، و”تقدر تقول ما فيش رئيس مباحث عاصمة ييجى إلا لما كان يقعد معانا.. وإسماعيل الشاعر كان يعرفنا بالاسم ونتعاون معه فى ضبط الخارجين عن القانون”.

وأردف “مهدى”، عندما كانت تحل الانتخابات البرلمانية نجد اتصالات مكثفة من “إسماعيل بيه”، يقول لنا : “شدوا حيلكم معنا”، ونقف أمام اللجان، حتى ينتهى الأمر لصالح مرشحى الحزب الوطنى، ولا يقتصر دورنا على الانتخابات البرلمانية وإنما كنا نجمع زملائنا وننزل بسيارات وصور للرئيس الأسبق حسنى مبارك أثناء الانتخابات الرئاسية أو تعديل بعض مواد الدستور او الاستفاءات “ونعمل جو كويس”.

ويقول “مهدى”، سجلى به أكثر من 80 قضية، بينها قضايا “مش بتاعتى بس انا حاسبت فيها على المشاريب”، فأتذكر فى مشاجرة جاء أصدقاء لمجاملتنا وأثناء المشاجرة سقط شخص قتيل، وعندما ضبطوا زملائى اعترفت انى قتلت الضحية “عشان ما اشيلش الناس اللى جات تجامل مع انى ما قتلتوش”، وفوجئت فى احدى المرات بعد خروجى من السجن بالباعة يفترشون الأرصفة ويبيعوا صور لى وأسفلها مكتوب “سفاح منشية الصدر”، واشتريت كل الصور حتى  لا يتم تداولها.

مجدى ابو الدهب اقدم مسجل خطر (3)

وتابع “مهدى”، المسجل خطر “بتاع زمان” غير “المسجل خطر “بتاع اليومين دول، فقديماً كان لدينا أصول وقيم لا يمكن اختراقها، فلا يمكن مسجل يسرق أو يقتل فى منطقته، وكنا نساعد الفقراء على طريقة “أدهم الشرقاوى”، أما الآن “فالمهنة لمت”، وأصبحت تجمع “الحابل بالنابل”، مطالباً الجهات المعينة برفع اسمه من قوائم المسجلين خطر حيث أنه أصبح رجل مسن، ويرغب فى زيارة بيت الله لتكون هناك توبته النصوحة بعدما عزف عن ارتكاب الجرائم لانه أيقين أنه لا فائدة منها، وترخيص مقهى له للحصول على الرزق بطريقة شرعية.