منوعات

بويخف يكتب .. “الـPJD” على مفترق الطرق بين السياسة والديموقراطية

2) انكسار الديموقراطية الداخلية لا انتصارها

لا يتقبل العديد من أعضاء حزب المصباح ومتعاطفيه مجرد الحديث عن حقيقة ساطعة تفيد أنه بمجرد مأسسة التداول حول التمديد للأمين العام للحزب بعد انتهاء ولايته القانونية الأخيرة يكون الحزب قد ولى ظهره للديموقراطية، ودخل نادي الأحزاب التي تفصل قوانينها على مقاس الأشخاص. والذين يعيرون من هؤلاء أهمية لكلمة “الديموقراطية” ولا يتوسلون بالإرهاب الفكري، يحاولون إخفاء شمس الديموقراطية بغربال من المرافعات التبريرية التي تزيد التأكيد على هشاشة الفكر الديموقراطي وحسها لدى الكثيرين منهم، وإعطاء الأولوية للاعتبارات السياسية وشبه السياسية على الاعتبارات الديموقراطية.

في هذا المقال سنحاول بيان لماذا يكون تعديل نظام الولاية في المسؤولية في هذا المؤتمر بالذات إصابة في مقتل الديموقراطية الداخلية للحزب. مع أنه لا ينبغي أن يفهم من هذا أن جميع من هم ضد التمديد في ولاية الأمين العام ديموقراطيون، أو أن موقفهم أملته اعتبارات تعطي الأولوية للديموقراطية.

سوف نخوض هذا النقاش على مستويين، المستوى الأول نناقش فيه دفوعات تحاول تزييف الوعي حول الديموقراطية للتخفيف من الحرج الذي يطرحه كون حزب المصباح بصدد التهييئ لذبح ديموقراطيته الداخلية. والمستوى الثاني نناقش فيه كيف أن مجرد مصادقة لجنة المساطر على مشروع تعديل يعط الحق للأستاذ ابن كيران في ولاية ثالثة سيجعل كل العمليات التي تهم اختيار الأمين العام والأمانة العامة بعد ذلك مجرد أشكال لا ديموقراطية فيها.

لا ديموقراطية بدون شرعية ديموقراطية

بداية لابد من التأكيد على أن من حق أي شخص (مادي او معنوي) الاختيار بين أن يكون ديموقراطيا أو غير ديموقراطي، لكن ينبغي فقط أن يكون واعيا باختياره ومستعدا لإعلانه والدفاع عنه بوضوح. والمشكلة التي نحن بصددها هي أن لا أحد من “البيجيديين” يريد من الحزب ولو للحظة واحدة أن ينعث بكونه غير ديموقراطي، لكن حين يتعلق الأمر بمحطات حاسمة في هذا الأمر، يتم إشهار أفكار وشعارات و”قواعد” تبريرية تحاول التخفيف من الحرج الذي يطرحه الدخول في تهييئ الحزب للانقلاب على منهجه الصارم في حماية وإرساء ديموقراطيته الداخلية. وهذه في حد ذاتها مشكلة حقيقية، تمتحن درجة الإيمان بالديموقراطية نفسها وحقيقته داخل الحزب.

إن الإجتماع الشرعي، والنقاش الحر والعميق، والتصويت بالأغلبية عناصر مهمة في وصف أي قرار ، مثل تعديل أي قانون، بكونه ديموقراطي، لكن تلك العناصر مع الأسف الشديد لا تكفي مجتمعة حين يغيب عنصر واحد وهو الشرعية الديموقراطية التي يستند إليها طرح ذلك التعديل من الأصل.

والشرعية الديموقراطية، خلاف المنهجية الديموقراطية التي تهتم بالشكليات، هي تأسيسية، وتتعلق بالتعاقدات الجوهرية التي تشكل الأرضية الفلسفية والتعاقدات الجماعية الكبرى التي ينبغي على المنهجية الديموقراطية احترامها بصرامة. ونظام الولايتين في حزب المصباح يدخل في دائرة القضايا التأسيسية لديموقراطيته الداخلية، تماما مثل اعتماد مبدا الانتخاب في المسؤولية، أو مبدأ عدم اعتماد الترشيح الفردي الحر لصالح الترشيح الجماعي، أو مبدأ المساواة بين الجنسين في تولي المسؤوليات…

وتتعلق الشرعية الديموقراطية في تعديل المادة القانونية المتعلقة بنظام الولايتين بطبيعة الدواعي والخلفيات الحقيقية التي تقف خلف طرح ذلك التعديل وتوقيته، بمعنى طبيعة الحاجة إلى ذلك التعديل في علاقتها بالاعتبارات الأصلية التي انبنت عليه والآن، وعدالة ذلك التعديل ثانيا بغض النظر هل اعتمد أم لم يعتمد.

وتتحقق الشرعية الديموقراطية على مستوى الدواعي والتوقيت حين تتحرر من الاعتبارات الشخصية وتتأسس على تقييم موضوعي لنظام الولايتين، يخلص إلى ضرورة مراجعة ذلك النظام في سياق يجعله فوق الاعتبار الشخصي. وهذا الأمر معدوم في نازلة “الولاية الثالثة للأستاذ ابن كيران” التي فرضت بالخصوص بالضغط الإعلامي، فالمطالبة بالتمديد للأستاذ ابن كيران وعلى إثر انتهاء مدة صلاحية توليه المسؤولية ارتبطت مند اليوم الأول بأمرين لا ثالث لهما، بشخص ذ ابن كيران من جهة، وباعتبارات سياسية أخرى تدور كلها حول نفس الشخص. وهذا يكفي لوحده لوصف تعديل نظام الولايتين بكونه غير ديموقراطي وأنه تفصيل للقانون على مقاس شخص ذ ابن كيران.

وعلى مستوى عدالة التعديل، فالشرعية الديموقراطية تغيب أيضا وبشكل خطير، ذلك أن الأصل في تحديد عدد الولايات في المسؤوليات هو فرض تغيير القيادات وتجديدها بغض النظر عن مدى صلاحية أي شخص لأكثر مما حدده القانون من الولايات، لمنع الاستبداد المنظم بالقانون، والتمكين للتداول السلمي والسلس على المسؤولية، وفرض تقاسم السلطة. كما تتعلق العدالة أيضا باحترام القاعدة الذهبية في الديموقراطية وهي تكافؤ الفرص في التداول على المسؤوليات بين جميع من تتوفر فيهم الشروط القانونية. ولاشك في أن تعديل نظام الولايتين في عهد قائد انتهت شرعية انتدابه القانوني يضرب في تلك المبادئ والقواعد، ذلك أن مثل هذه التعديلات، حين تحترم المنهجية الديموقراطية حقيقة، لا تتم في عهد قائد لا يحق له قانونا أن ينتدب لولاية جديدة، بل في ولاية عادية لقائد جديد، وإلا سقط التعديل في تفصيل القانون على مقاس الأشخاص، وهو اختيار يناقض المنهجية الديموقراطية ويفتقد لشرعيتها.

والنقاش الديموقراطي ينبغي أن يتأسس على الشرعية الديموقراطية أولا وأخيرا في تعديل نظام الولايتين، كما بيناها سابقا. لكن ولعلم الجميع بكون التمديد للأستاذ ابن كيران في ولاية ثالثة لا يمكن وصفه أبدا بكونه قرارا ديموقراطيا، لجأ أنصار الولاية الثالثة، لتغطية الكسر المتعمد للديموقراطية الداخلية بلفافات فكرية وسياسية وديماغوجية، وتوريط المؤسسات في الخطأ لإضفاء الشرعية عليه وتهييئ الرأي العام الداخلي لتقبله وبلعه.

ومن المفيد التوقف عند ما جاء في توجيه الأمين العام للحزب الأستاذ ابن كيران نفسه، بتاريخ 16 أكتوبر، والموجه للأعضاء على خلفية ما أثاره قرار لجنة الأنظمة والمساطر اعتماد تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب وفسح المجال للأستاذ ابن كيران للفوز بولاية ثالثة. وفي ذلك التوجيه نجده يصف أعمال تلك اللجنة بالناجحة ويقول: (إن أهم رسالة ينبغي التقاطها من اجتماع لجنة الأنظمة والمساطر، هي أن هذا الاجتماع كان درسا ديمقراطيا عالي الدلالات، والذي نجح فيه أولا وأخيرا هو الحزب وديمقراطيته الداخلية)! وحين نبحث عن العناصر التي يتم الارتكاز عليها لوصف قرار تلك اللجنة بكونه ديموقراطي وأن عملها درس في الديموقراطية الداخلية، نجد الأستاذ ابن كيران يحيل على شكليات انعقاد اجتماع تلك اللجنة فيقول: (ومن أوجه هذا النجاح الأجواء الإيجابية التي انعقد فيها الاجتماع إلى النهاية مما عز نظيره، والنقاش الحر والمسؤول والمتعدد والغني الذي عرفه وبالإنصات المتبادل لكل الآراء، وهي الرسالة التي نعتز بها وينبغي على الجميع العمل على صيانتها من أي عبث أو تشويش أو تشويه)، وإذا كان ما ذكر هي شروط النجاح الديموقراطي فلماذا لا تكون أيضا أجواء الفرح والبهجة بل والفرجة والرضى التي انتخب فيها السيد إلياس العمري بالتصفيقات والزغاريد والرقص أمينا عاما لحزب “البام” درسا في الديموقراطية قل نظيره؟
وكما سبقت الإشارة الديموقراطية شكل وجوهر، وإذا تخلف أحدهما انتفت الديموقراطية مهما حاولنا التغطية على ذلك.

إن الإجتماع الشرعي، والنقاش الحر والعميق في إطار من الأخوة والمحبة وحتى العشق، والتصويت بالأغلبية أو حتى بالإجماع، عناصر شكلية كلها مهمة في المنهجية الديموقراطية، لكن مهما كانت تلك الشكليات النظامية والعاطفية راقية فهي لا يمكن أن تعوض كونها لا تستند إلى الأصل الأصيل الذي هو الشرعية الديموقراطية كما أوضحناها سابقا. ولا يمكن بالمطلق وصف قرار حرمان الإناث مثلا من تولي المسؤولية في الحزب ولو بالإجماع بكونه ديموقراطي.وإذا تمعنا في قول الأستاذ ابن كيران في توجيهه: (إن حزب العدالة والتنمية حزب مؤسسات وقوانين وأنظمة ومساطر، وهذه المؤسسات هي المخولة باتخاذ ما تراه ملائما من قرارات بعد تداول حر ومسؤول لأعضائها، والمؤسسات في منهجنا تعلو على الأشخاص مهما علت مواقعهم)، نجده يرفع من شأن القوانين والأنظمة والمساطر، وكأن كل تلك الترسانة من المرجعيات قد احترمت في نازلة الولاية الثالثة التي خلت من الروح الرياضية في لعبة التداول. لكن الحديث عن المؤسسات وكونها هي المخولة باتخاذ ما تراه ملائما بعد تداول حر ومسؤول، يخفي الخلل الفكري المتعلق بأصل الأشياء، فكلام الأستاذ ابن كيران صحيح نسبيا في قضايا تقنية وتنظيمية لا تستند إلى رؤية تأسيسية فلسفية كما هو الشأن بالنسبة لنظام الولايتين، لكنها في مثل تلك النازلة وفي عهد آخر ولاية قانونية للقائد القائم، فتلك الدفوعات لا قيمة لها. لذلك مهما حاول الأستاذ ابن كيران الدفاع عن لجنة المساطر وما سيأتي من استحقاقات تنظيمية بعدها، فهي كلها في نازلة الولاية الثالثة تسير في اتجاه نقض الديموقراطية الداخلية للحزب والمنهجية التي كانت تحميها. وتؤكد عدم تحلي الأستاذ ابن كيران بالروح الرياضية اللازمة في التداول على المسؤولية، والتي تقتضي منه الوقوف الصارم والقوي في وجه تعديل المادة 16 من القانون الأساسي للحزب في هذه الظرفية، والتشبث بالمنهجية الديموقراطية التي كانت ديدنه حين تعلق الأمر برئاسة الحكومة.

ونسف ما تبقى من المنهجية الديموقراطية أيضا

قرار الولاية الثالثة لا يفتقد فقط إلى الشرعية الديموقراطية، بل سيحول كل ما تبقى من الأشكال في تلك الديموقراطية الداخلية إلى إطار فارغ لا مصداقية له، حيث سيجعل كل العمليات التي تهم اختيار الأمين العام والأمانة العامة بعد ذلك مجرد أشكال فقدت الأساس الذي وضعت من أجله.

فكما هو معلوم، فحزب العدالة والتنمية لا يعتمد الترشيح الحر للمسؤوليات، بل يعتمد الترشيح الجماعي، أي أن المرشحين لا يقترحون أنفسهم بل الجماعة هي التي تختار المرشحين بمساطر خاصة، مما يجعل المرشحين للأمانة العامة في علم الغيب قبل أن يتم اختيارهم وفق تلك المساطر الفريدة، فتكون الفرص متساوية بين الجميع. لكن في نازلة الولاية الثالثة، فالتعديل إذا اعتمد رسميا يعني أن ترشيح ذ ابن كيران للأمانة العامة محسوم ويستحيل وقوع عكسه، مما يعني أن مسألة إخضاع عملية الترشيحات لمنصب الأمين العام للمساطر التقليدية أمر فاسد بالتمام ولا معنى له، حيث أننا أمام مرشح محسوم ومعلوم قبل الآخرين، والذي سيتم هو إضافة مرشحين آخرين على أساس من عدم تكافؤ الفرص.

وأخطر من ذلك أن قرار التمديد يضرب مبدأ تكافؤ الفرص فيما يتعلق بالدعاية للمرشح. فإذا كان الدعاية للمرشح محرمة في أدبيات الحزب في تناغم مع كون الترشيح جماعي وليس فرديا، ففي نازلة الولاية الثالثة للأستاذ ابن كيران، نجد الدعاية له كقائد مخلص للحزب انطلقت وبشكل كثيف وقوي مند مدة طويلة، واستعملت فيها حتى مؤسسات الحزب الداخلية، حيث أن النقاشات التي تدور حول تعديل المادة 16 لا يمكن أن تتحرر من الدعاية لشخص الأستاذ ابن كيران مادامت تعنيه وحده. والدفوعات التي تقدم لدعم هذا الخيار هي في نهاية المطاف دعاية لشخص أحد المرشحين. كما أن المرشحين المنافسين المحتملين تعرضوا لحملات تشهيرية شديدة، بلغت حد الاتهام بالخيانة. فعن أي أساس ديموقراطي يمكن الحديث عن ديموقراطية تعديل المادة 16 اليوم؟

إن خرق قواعد أية لعبة يفقدها المصداقية، وقاعدة الولايتين لا يمكن تعديلها عند انتهاء مدة صلاحية تولي المسؤول القائم للمسؤولية، وإلا فنحن بصدد “غدر” في حق منافسيه المحتملين، وهذا “الغدر” لا يرفعه كون القرارات تتخذ من طرف المؤسسات ولو بالإجماع، إذ أن ذلك مجرد توريط لتلك المؤسسات لا غير، وهذا ما لا يدركه البعض، ويحاول البعض الآخر التغطية عليه بالاعتبارات السياسية التي سنخصها بالمناقشة في المقال الموالي.

إنه إذا كان رقم 16 في المغرب قد ارتبط بفاجعة 16 ماي الارهابية التي شكلت صدمة مرعبة لكل من يملك حسا إنسانيا ومواطنا، وهزت كيان المغاربة، فإن ذلك الرقم، إذا تم اعتماد تعديل المادة 16 من القانون الأساسي في المؤتمر المقبل للحزب، والذي كان من المفروض أن ينعقد سنة 2016، ستضل شاهدة على “تخريب أبيض” للديموقراطية الداخلية في حزب العدالة والتنمية لكل من يحترم الديموقراطية شكلا ومضمونا. ومن مكر الصدف أن يكون توجيه الأستاذ ابن كيران الذي يدافع عن عمل لجنة الأنظمة والمساطر التي وضعت قطار ذلك التخريب على سكته، قد تم في يوم 16 أكتوبر أيضا. لتنضاف اعتبارات التاريخ لاعتبارات انتهاك فلسفة وقواعد الاجتماع البشري الذي ينظمه القانون من بين أمور أخرى. وفي ذلك التوجيه دعا الأستاذ ابن كيران إلى ترشيد النقاش حول تعديل المادة 16 بـ “ألا نكون كمن يخربون بيوتهم بأيديهم”، فهل من تخريب أكبر من تعديل المادة 16 في مؤتمر المفروض أن الأستاذ ابن كيران غير معني بالتنافس فيه على أمانة حزب المصباح؟
“فاعتبروا يا معشر مناضلي ومناضلات العدالة والتنمية “، كما جاء في آخر كلام الأستاذ ابن كيران في توجيهه ليوم 16 حول تعديل المادة 16، لمؤتمر يفترض أن يكون قد انعقد سنة 16.

في المقال الموالي سوف نناقش بحول الله الاعتبارات السياسية التي يتسلح بها البعض للتغطية على تخريب الديموقراطية الداخلية للحزب.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *