وجهة نظر

مقترح قانون “البيجيدي” بشأن العربية نكوص ذهني متأخر

من بين العبارات التي كانت متداولة في فترة ما داخل الحركة الأمازيغية أن الإسلاميين “ليسوا إلا قوميين عربا بعمامة ولحية وفولار”، وهي عبارة تأكد مضمونها غير ما مرة، وفي أكثر من مناسبة، آخرها مقترح القانون الذي تقدم به نواب حزب “العدالة التنمية” بالبرلمان، لـ”حماية اللغة العربية”، على حدّ تعبيرهم.
حماية اللغات الوطنية والرسمية والنهوض بها مسؤولية الدولة ما في ذلك شك، وإخراج القوانين الفعالة الكفيلة بذلك يتطلب جهود جميع الأطراف، لكن صيغة السعي إلى ذلك عند “البيجيديين” ـ كما كان عليه الشأن لدى حزب الاستقلال ـ لا تخلو من خبث إيديولوجي وصفاقة، إن لم نقل قلة حياء مكشوفة لا غبار عليها، حيث يصبح قانون حماية العربية قانونا لحظر ومنع اللغات الأخرى.
كانت الحركة الأمازيغية في غاية الحكمة عندما كانت تعمد دائما في أدبياتها ومذكراتها المطلبية إلى وضع عبارة “بجانب اللغة العربية”، وهي تطالب بإقرار اللغة الأمازيغية مؤسساتيا، وذلك لتجنب أي سوء فهم قد يعتقد طرف ما بموجبه أن الفاعلين الأمازيغيين يعتبرون اللغة الأمازيغية بديلا لغيرها، بينما يبدو أنّ إسلاميي “حزب المصباح” لم يستفيدوا من حكمة غيرهم، كما لم يأخذوا العبرة مما حدث لأتباع “حزب الميزان” لأكثر من مرة، حيث عمل هؤلاء خلال العقود الأخيرة ـ ودائما من باب المزايدة لا أقل ولا أكثر ـ على محاولة تمرير “مقترح قانون لتعريب الحياة العامة”، ارتكبوا فيه نفس الأخطاء التي عاد إليها برلمانيو الحزب الإخواني اليوم، دون تحفظ أو احترام للدستور، أو على الأقل للجهود التي بذلت من أجل المصالحة الوطنية في موضوع الهوية.
كان يثير استغرابنا ـ وامتعاضنا أيضا ـ مقدار استهتار الاستقلاليين بمكونات المغرب اللغوية والهوياتية، عندما كانوا يطالبون في مقترح قانونهم بالحكم بالغرامات والسجن على “كل من استعمل لغة غير العربية” في الندوات والعلامات والدعوات واللافتات (كذا) ، وكنا نتساءل إن كان هؤلاء يعيشون معنا في المغرب فعلا أم أنهم أجانب عن البلد، لا يعرفون تاريخه ومقوماته الثقافية والحضارية.
ونظرا لأن معظم هؤلاء كانوا يُدرسون أبناءهم في البعثة الثقافية الفرنسية، ويحرصون كل الحرص على إتقان أبنائهم وبناتهم للغة موليير، فقد كنا نأخذ مقترحهم على محمل الدعابة والمزاح ـ الثقيل طبعا ـ إذ لا يجوز أن نصدقهم وهم يبذلون المال والجهد من أجل أن يتولى أبناؤهم مناصب الترأس والتسيير باللغة الأجنبية، ويطالبون بإقرار العربية في كل قطاعات الحياة العامة، بينما لا يعرف أبناؤهم منها أكثر مما يعرفه بواب العمارة أو حارس السيارات.
طبعا لهذه الأسباب أو لغيرها من الأسباب التي لا داعي لإيرادها هنا، كان يُلقى بمقترح قانون “حزب الميزان” في سلة المهملات دون حتى أن يناقش.
وقد ذكرني هذا الأمر، بعد حالة العود التي عمد إليها نواب “البيجيدي”، بمقترح قانون آخر لا يقل جنونا ونفاقا قام بتدبيجه بعض الفاعلين المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، والذي كانوا يرمون من خلاله إلى “تجريم التطبيع مع إسرائيل”، فوضعوا في مقترح قانونهم الحكم بغرامة 100 مليون سنتيم وبالسجن خمس سنوات لكل من سولت له نفسه التخاطب أو التعامل مع يهودي مغربي قادم من إسرائيل، حتى ولو كان من عائلته أي من يهود المغرب القاطنين بين ظهرانينا، كان القانون جنونيا لدرجة أن كل من أوتي قدرا من الحس السليم سيدرك بأن واضعيه مصابون باضطراب نفسي لا غبار عليه، ولهذا وجد نفسه في المكان الطبيعي الذي ينتظره، وهو سلة المهملات.
مشكلة البيجيديين اليوم أن صحوتهم العروبية جاءت متأخرة، لكن بشكل غبيّ نوعا ما، ما داموا قد عمدوا إلى تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبها سابقوهم دون تحفظ، وما داموا لم يعتبروا مضمون الفصل الخامس من الدستور كما هو مصاغ بكامله لا كما يريدونه، ولهذا استحقوا منا أن نقرص آذانهم ونهمس فيها بالحكم التالية:
ـ أن حماية أية لغة لا يستوجب الطعن في اللغات الأخرى وحظر استعمالها.
ـ أن أية لغة لا يمكن أن تحيى إلا على حساب غيرها هي لغة ميتة.
ـ أن الدعوة إلى الحكم بالغرامات والسجن لفرض استعمال لغة نزعة فاشستية.
ـ أن الاعتقاد في إمكان وجود لغة واحدة للدولة وللمغاربة خرافة متقادمة.
ـ أن من يتعامل مع الدستور بانتقائية لا يمكن إلا أن يكون خارج الدستور.
ـ أن التواجد داخل البرلمان لا يعني الوصاية على عقول المغاربة وحياتهم.
وانتهى الكلام.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *