وجهة نظر

هوس الأمازيغ بالقانون التنظيمي وضرورة قلب الطاولة على المخزن

من بين الأمور الأكثر إثارة للعجب في المغرب ذلك الهوس الجماعي العجيب بـ”القانون التنظيمي للأمازيغية” لدى الناشطين والمدونين والمدافعين عن الأمازيغية. وهو قانون كان قد صدرفي مسودة أولية وقد يصدر رسميا لـ”تنظيم” كيفية ترسيم الأمازيغية (وكأن الدولة لا تعرف كيف ترسِّم اللغات!).

ويطالب هؤلاء الناشطون أولا بتسريع إصدار ذلك القانون ويطالبون ثانيا بأن يكون مشتملا على كذا وكذا من الإجراءات التي تجبر الدولة على ترسيم الأمازيغية في الإدارات وعلى تدريسها في المدارس والمعاهد ونحو ذلك. ولكن ذلك القانون التنظيمي مبني على أسس دستورية خبيثة وفاسدة وظالمة ولن ينتج عنه إلا مزيد من الفساد والظلم وتضييع الوقت والمال. وهذا يجعل من يطالب بإصدار ذلك القانون التنظيمي (في ظل هذا الدستور الظالم للأمازيغية)أشبه بشخص مظلوم محكوم بالإعدام يطالب بتحسين جودة حبل المشنقة بدل أن يطالب بالحياة والحرية.

1) أنصار الأمازيغية يتجاهلون حقيقة أن الأمازيغية لغة رسمية ثانوية في دستور المغرب:

الشيء الغريب في كل هذا هو أن هوس المدافعين عن الأمازيغية بصدور هذا القانون التنظيمي يقابله صمت مطبق وسكوت رهيب من طرفهم حول حقيقة أن الفصل الخامس من الدستور المغربي لا يعتبر الأمازيغية لغة رسمية مساوية للعربية إطلاقا وإنما يعتبرها لغة رسمية ثانوية مؤجلة الترسيم. فالدستور المغربي يقول بوضوح أن العربية هي اللغة الرسمية الأولى للدولة ولا يذكر الأمازيغية إلا سهوا في أسفل الفصل الخامس (وكأن كاتب الدستور كاد أن ينسى الأمازيغية فاستدرك و”نعل الشيطان”).

وقد صيغ ذلك الفصل الخامس بطريقة ماكرة وملتوية ومضللة جعلت الأمازيغية لغة رسمية ثانوية مؤجلة الترسيم بـ”قانون تنظيمي” اخترعته الدولة واللوبيات التعريبية الإسلامية المحاربة للأمازيغية. ولم يطالب أحد من قبل بذلك القانون التنظيمي للأمازيغية.

ويكرر أنصار الأمازيغية عبارات من قبيل: “لقد تم ترسيم الأمازيغية في الدستور المغربي إلى جانب العربية”. وهذه هلوسات مضحكة تدخل في إطار “گولو لعام زين”.

فالدستور لا يضع الطابع الرسمي للأمازيغية بجانب الطابع الرسمي للعربية بل يحرص على الفصل بينهما بطريقة الأبارتهايد Apartheid العنصرية الجنوب أفريقية المشهورة. ويقول الدستورالمغربي بوضوح ضمنييكاد يفقأ العين من فرط وضوحه أن الأمازيغية لغة رسمية ثانوية خلف العربية وأن ترسيمها مؤجل بمراحل (هكذا حرفيا بـ”مراحل”). وهذا يعني أن معركة الترسيم الدستوري لم تنته وأن هذا الدستور يجب أن يُعَدَّل. وبالتالي فتجاهل الدستور وهذا الفصل الخامس الخبيث والتركيز على قانون تنظيمي ولد من ضلع أعوج هو مضيعة للوقت وشيء لا يقبله العقل. فما بني على باطل فهو باطل. والفصل الخامس من الدستور أعوج وأعور وكل ما سيصدر بناءً عليه سيكون أعوجا وأعورا، وسيستمر الشعب المغربي بأكمله في دفع ثمنه بمزيد من سنوات تضييع الوقت والمال في المعارك الإعلامية والسياسية الدونكيشوتية الطواحينية الفارغة التي تسبب فيها هذا الفصل الدستوري الخامس منذ 2011 إلى الآن.

2) الحركة الأمازيغية أصبحت تدافع عن بنات أفكار المخزن:

“القانون التنظيمي للأمازيغية” هو واحد من بنات أفكار المخزن واللوبيات التعريبية والإسلامية الكارهة للأمازيغية. فبعد أن رفض الإسلاميون (حزب العدالة والتنمية) والتعريبيون (حزب الاستقلال) بشدةٍ وضراوةٍ المطلبَ الشعبي الفبرايري المغربي بترسيم الأمازيغية في الدستور الجديد وأخذ هؤلاء الإسلاميون والتعريبيون يبتزون المخزن المرعوب من حركة 20 فبراير التي كانت تَرُجُّ وتزلزل شوارع المغرب اهتدى المخزن إلى “حل وسط” لإرضاء الشعب ولإرضاء التعريبيين والإسلاميين المضادين للشعب وهو: “ترسيم الأمازيغية دون ترسيمها ومساواتها بالعربية دون مساواتها” عبر تقنية الخداع اللغوي والبلاغي والإنشائي الكلامي (على سنّة المحتال المشهور عمرو بن العاص)، في حين أن جملة بسيطة واضحة وقاطعة كانت كافية لإيصال المعنى وحسم القضية نهائيا بدون “قانون تنظيمي” ولا أية تخربيقة أو تخرميزة أخرى.

وهكذا خرجت إلينا تلك الصيغة المراوغة القبيحة المخزية للفصل الخامس من الدستور وخرج إلينا الاختراع المخزني العظيم: “القانون التنظيمي للأمازيغية” (بهدف تأجيل وتلغيم وفرملة ترسيم الأمازيغية) والذي تلقفته الحركة الأمازيغية بالبندير والزغاريد ظانة ومتوهمة أن الأمازيغية فازت بشيئين (الترسيم والتقنين) بدل شيء واحد (الترسيم فقط)، أما الحقيقة فهي أن الأمازيغية فازت بترسيم ناقص ومهين وبهدية مسمومة اسمها “القانون التنظيمي للأمازيغية”.

خزعبلة “القانون التنظيمي” تلقفها المدافعون عن الأمازيغية كنوع من bonus أي كعلاوة أو جائزة إضافية ربحتها الأمازيغية في حين أن “القانون التنظيمي” هدية مسمومة هدفها دك الترسيم أو تمييعه وتأجيله وتقييده بعوامل الزمن والبيروقراطية. أي: كل ما حرثه ألغم alɣem دكه.

3) القانون التنظيمي؟! … لا بل إنه القانون التنويمي

يمكن أن نقول أن “القانون التنظيمي للأمازيغية” ما هو إلا “قانون تنويمي” أراد منه واضعوه إيهام الشعب بأن الأمازيغية ستكون رسمية بالقانون وأنها ستكون على الطريق الصحيح.

والمضحك هو أن الحركة الأمازيغية أصبحت اليوم مدافعةشرسة عن ذلك القانون التنظيمي الذي لم تطالب به يوما والذي هو اختراع مخزني كامل (بل إن لا أحد سمع بشيء اسمه “قانون تنظيمي” قبل يوليوز 2011). ولقد نسي المدافعون عن الأمازيغية معركة الترسيم الدستوري الحقيقي وأغلقوا أعينهم تماما عن كون الأمازيغية لغة ثانوية مهانة في الدستور المغربي.

إذا كانت الدولة المغربية قد نجحت في ترسيم اللغتين الفرنسية والعربية منذ 1912 واستمرت بعد 1956 في معاملة الفرنسية والعربية كلغتين رسميتين للمغرب دون أي “قانون تنظيمي” للفرنسية أو للعربية، فلماذا تحتاج هذه الدولة اليوم فجأة إلى “قانون تنظيمي”يساعدها على ترسيم الأمازيغية؟!

عجيب حقا أمر هذه الدولة الضعيفة المسكينة التي نجحت في ترسيم لغتين (الفرنسية والعربية الفصحى) لا يتحدثهما مغربي واحد في بيته ولكنها تحتاج إلى “قانون تنظيمي” جبار لترسيم اللغة الأصلية للمغرب والتي يتحدثها الملايين والملايين ثم الملايين من المغاربة في بيوتهم!!!

وإذا كانت هناك ضرورة لقانون ينظم اللغات الرسمية (مثل قانون اللغات الرسمية الكندي Official Languages Act) فلماذا لا يتم إصدار “قانون اللغات الرسمية بالمغرب” الذي يشمل الأمازيغية والعربية والفرنسية ويحدد طابعها الرسمي وطرق استعمالها؟!

لماذا يطبَّق مبدأ “القانون التنظيمي” بكل قيوده وجداوله الزمنية على الأمازيغية بينما يتم إعفاء الفرنسية والعربية من قيود “القانون التنظيمي” وتتم معاملتهما كلغتين رسميتين طبيعيتين أتوماتيكيتين؟!

(طبعا، الأجدر بالمغرب هو أن يتخلص تماما من الفرنسية ويعمم تدريس الإنجليزية ولكن هذا حلم لطيف لن يتحقق لأن الدولة المغربية مرتبطة ارتباطا مقدسا بالفرنسية مثل ارتباطها المقدس بالعربية الفصحى الإسلامية، كما أن الشعب المغربي لا يبدو منزعجا من الفرنسية إطلاقا، بل إن المغاربة يتهافتونعلى الفرنسية بشكل هستيري).

4) المدافعون عن الأمازيغية يطالبون بإصدار قانون شرعه الدستور خصيصا لفرملة الأمازيغية:

المدافعون عن الأمازيغية اليوم لا يبدون مهتمين بحقيقة أن الأمازيغية لغة رسمية ثانوية في الدستور ولا يهتمون إلا بصدور القانون التنظيمي الذي تم زرعه في الدستور من طرف دهاة المخزن ودهاقنة الأحزاب خصيصا لتأجيل وتسويف وتمطيط مدة ترسيم الأمازيغية.

لا شك في أن عبارة “القانون التنظيمي للأمازيغية” عبارة رنانة توحي للمدافعين عن الأمازيغية بأن الأمازيغية ستحظى بعناية خاصة وأن الدولة ستكون مجبرة على الخضوع لقانونها. ولكن كم من القوانين المتراكمة هناك التي لا تطبقها الدولة ولا تعيرها أي اهتمام وتتملص منها بدعوى قلة الموارد المالية والبشرية أو غيرها من الأعذار؟!

ولقد تعرّف المدافعون عن الأمازيغية على عينة من “القانون التنظيمي” عندما صدرت مسودته الأولى التي تنص على تأجيل وتمطيط الترسيم بعشرات السنين (كما قُصِدَ به في الدستور). ولا يرتقب أن تخرج النسخة المقبلة عن هذا الخط. وفي خضم ذلك تستمر عملية تعريب وفرنسة المغرب بلا قيود.

5) “القانون التنظيمي للأمازيغية” وهم وسراب ومصيره كمصير الإيركام:

سواء صدر النص الإنشائيلـ”القانون التنظيمي للأمازيغية” كما يشتهيه أنصار الأمازيغية أو كما لا يشتهونه فهو مجرد سراب. وسيكرس تراث أبيه (الفصل الخامس الفاسد) في معاملة الأمازيغية كلغة رسمية ثانوية مؤجلة الترسيم. ولن يكون ذلك “القانون التنظيمي” إلا مجرد “قريّد” من ذلك القرد. فهذا القريّد من ذلك القرد.

وبعد صدور ذلك القانون (إذا صدر) سيستهلك المغرب 5 أو 10 سنوات أخرى من المعارك الإعلامية الأسطورية الخاوية (فيلم هندي لا نهاية له) والشطحات السياسية وتضييع الوقت والجهد بشكل شبيهبفترة 2011-2018 التي بقي فيها أنصار الأمازيغية يشتكون ليل نهار من عدم صدور “القانون التنظيمي” ويشتبكون فيها مع الإسلاميين والتعريبيين والدولة متغافلين عن كون الفصل الخامس في الدستور هو المشكل الجذري الأكبر الذي يسكت عنه الجميع، وذلك رغم أن تعديل الدستور حق للشعب وللبرلمان حسب الدستور المغربي نفسه.

وإن فشل تدريس الأمازيغية بتيفيناغ في المدارس الابتدائية، ودخول الإيركام إلى حقبة العصر الجليدي، والإنتاج الأمازيغي الصفري في مجال الصحافة المكتوبة (فلا أحد يكتب أو يقرأ الأخبار بتيفيناغ)هي كلها أشياء من المفروض أن توقظ أنصار الأمازيغية من سباتهم العميق ومن أوهام القانون التنظيمي.

6) يجب قلب الطاولة على هذه “السياسة البربرية الجديدة” الاحتوائية:

مع فضيحة الترسيم الدستوري الأعوج والخبيث للأمازيغية، ومع مسرحية “القانون التنظيمي” الهزلية التي دامت أزيد من 6 سنوات كاملة، ومع الفشل الذريع لتدريس اللغة الأمازيغية في المدارس الابتدائية المغربية بحرف تيفيناغ يتوجب على المدافعين عن الأمازيغية الانسحاب من هذا الفيلم المخزني الرديء والتمرد على هذه “السياسة البربرية الجديدة” التي تحاول الدولة تنفيذها في إطار استراتيجيتها الهادفة إلى إقامة “التوازن المخزني” بين معسكرات الساحة السياسية حيث تضرب أنصار الأمازيغية بالتعريبيين وتضرب الإسلاميين بالعلمانيين وتضرب السلفيين بالصوفيين وتضرب الحقوقيين بالعياشة.

التمرد على هذه “السياسة البربرية الجديدة” يستلزم مبادئ وخطوات وإجراءات من بينها:

– السعي إلى تعديل الفصل الخامس من الدستور المغربي بإقرار المساواة اللفظية بين الأمازيغية والعربية على منوال: “اللغتان الرسميتان للدولة المغربية هما اللغة الأمازيغية واللغة العربية.”

– حذف حكاية “القانون التنظيمي للأمازيغية” تماما وإضافة عبارة في الدستور مثل: “تقوم الدولة على تدريس اللغتين الأمازيغية والعربية لكل المواطنين والمواطنات وتقوم باستخدامهما فورا كلغتين رسميتين في كل الإدارات والمؤسسات والوثائق واللوحات والمصالح العمومية بمساواة تامة بينهما. وتضمن الدولة لكل مواطن ومواطنة حق الاختيار في استخدام الأمازيغية أو العربية شفويا وكتابيا في كل إدارات ومصالح ومؤسسات الدولةوحق تلقي كل الوثائق والخدمات باللغة التي يختارها منهما”.

– إذا كانت هناك ضرورة لـ”قانون اللغات الرسمية” فيجب عليه أن يشمل كل اللغات الرسمية للدولة المغربية لا أن يحاصر لغة معينة لوحدها بالقيود البيروقراطية والجداول الزمنية.

– إزالة حرف نيو-تيفيناغ Neo-Tifinagh الإيركامي كحرف لتدريس اللغة الأمازيغية وتعويضه بالحرف الأمازيغي اللاتيني ABCČDḌEƐFGǦƔHḤIJKLMNOQRŘṚSṢTṬUWXYZẒ لتدريس الأمازيغية في الثانوي والإعدادي والابتدائي. وتدريس حرف تيفيناغ الطوارقي الأصيل للتلاميذ المغاربة كتراث أمازيغي قديم وأصيل: ⴴⴼⵐⵌⴰⵀⴱⴲⵂⴷⴾⴸⵜⵗⵉⵈⵙⵔⵏⵝⵢⵓⵎⴻⴺⴹⵊⵣⵤⵋⴳⵑⵊⵍⵎⵆⵛⴶⵞⵘⵡ (أما الحروف ⵄⵖⵃⵅⵥⵇⴽ فهي ليست حروفا طوارقية أمازيغية أصيلة وإنما هي حروف مخترعة اخترعها الإيركام أو ناشطون جزائريون منذ سنوات ولا ضرورة لأغلبها لأن هناك حروفا أمازيغية طوارقية أصيلة أقدم منها تقوم محلها).

وفي المستقبل عندما تتقوى الأمازيغية وتنجو من الانقراض وتتوقف عن الانكماش الديموغرافي فسيمكن حينئذ التحول إلى كتابة الأمازيغية بحرف تيفيناغ الطوارقي الأصيل بشكل كامل. بل إن هناك حروفا أمازيغية أقدم من تيفيناغ الطوارق ألا وهي “الحروف الليبية الأمازيغية” (الليبومازيغية) Libyco-Berber (أو حروف عهد ممالك ماوريتانيا ونوميديا والملك ماسنسن/ماسينيسا) ويجب تدريسها كتراث أمازيغي قديم حيث أنها حروف أمازيغية مختلفة الشكلوموغلة في القدم يبلغ عمرها ما بين 2500 إلى 3000 سنة، ولا يهتم بها المدافعون عن الأمازيغية ولا يذكرها أحد.

– إعادة النظر في كيفية تدريس وتموقع اللغة الأمازيغية في التعليم وإعطاء القوة للتعليم الثانوي كقاطرة جديدة لنقل الأمازيغية إلى العصر الحديث حيث أن مردودية التعليم الثانوي أسرع وأكثر فعالية من حيث تكوين الطلبة وإعدادهم للجامعة والوظيفة وسوق العمل. فالتلميذ المغربي يدرس حاليا 6 لغات في التعليم الثانوي (عربية، فرنسية، إنجليزية، ألمانية، إسبانية، إيطالية) وليست الأمازيغية واحدة منها وكأن الأمازيغية أكثر أجنبية في المغرب من الألمانية والإيطالية!

إن إدخال اللغة الأمازيغية كمادة إجبارية في التعليم الثانوي (بساعتين أسبوعيا مثلا) وبالحرف اللاتيني سيكون قفزة عظيمة لصالح الأمازيغية أفضل من مليون “قانون تنظيمي”. فالجزائر تدرّس الأمازيغية في الإعدادي والثانوي منذ حوالي 10 سنوات بالحرف اللاتيني، وتنظم سنويا امتحانات الباكالوريا الموحدة وطنيا في مادة اللغة الأمازيغية ويشارك فيها عشرات الآلاف من تلاميذ الثانوي الجزائريين، وقد تم إنجاز ذلك في الجزائر قبل أن تكون الأمازيغية رسمية هناك وبدون أي “قانون تنظيمي”.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *