وجهة نظر

من رئيس مجلس النواب… إلى مفتش للمخيمات

همسة في أذن وزير

بعض الوزراء، عفى الله عنهم من غاشيةِ الاستوزار… فطولُ المدة في حمل الحقائب وأثقالها، يُوَرِّث خفةً في العقل وشططا في الخرجات كما أخبرتنا الحياة… هذا العيارُ من المسؤولين وِزرٌ على أنفسهم وعلى أوطانهم، لا يتعبون من تقمُّص الأدوار، ولا يَملُّون، ولا يجرؤون على القول بأنهم لا يفهمون في هذه الوزارة أو تلك، وبدل ألا يقبلوا بغير تخصصاتهم، ليستفيد الوطن من خبراتهم فيما يحسنون… ويرفضوا الهزل مرفوعي الرؤوس، فيكسبوا تقدير مواطنيهم لهم… تجدهم يتهافتون على جميع الوزارات والقطاعات والمجالات البرية والجوية والبحرية، وما أدراك ما هيّه…، ولا يقلقهم أن يُعاد انتشارهم أو نشرهم، بنقلهم من وزارة الماء إلى وزارة التراب لِيّجِفّوا، أو من وزارة الهواء إلى الصناعة والطاقة لِيَتزوَّدوا، أو من وزارة التجارة، إلى الرياضة لِيَتَقَوَّوْا…، أو ما شئت من الوزارات لما شئت من الأغراض، فجرأتُهم، وصمتُ المغاربة، وغيابُ أولي الاختصاص، وعزوف الأكْفَاء، وضُمور المحاسبة، وضيق الأفق… يجعلهم أبطالا و”فهايمية” من الدرجة الأولى، و وزراء “جواكرية” بالأحقية والأسبقية، وخبراءَ في تتبع العورات، وإثارة النعرات، وعميانا عن ملاحقة النكبات، وصُمّا عن سماع التوجيهات…

فبدل أن يكلفوا أنفسهم، وقد صاروا أمرا واقعا، وعبئا ثقيلا على رقاب المغاربة، خدمةَ القطاع الذي غَنِموه بعد مهزلةِ حكومةٍ معوّقةٍ مغتصَبةٍ، يسارع “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة” الذي ضاقت عليه الوزارة بما رحُبت، إلى قضية جزئية يشغل بها الرأي العام: منع صلاة الصبح، وصلاة الجمعة، وأمسيات الأناشيد والأمداح في المخيمات، ويسيء إلى المغاربة ويفضحهم أمام العالم، فيصير الوطنُ موضوعا للتندر في بعض الفضائيات والشبكات الإخبارية، التي استغربت من سلوك وزير مغربي في بلد مسلم ” يسعى جاهدا إلى منع صلاة الصبح في المخيمات: لأن الصلاة لا تعنيه، أو يخاف منها”، ويسيء صاحب القرار إلى الإسلام والمسلمين، وإلى تاريخ المغرب وهوية المغاربة، وإلى رمز البلاد، ودستورها… آمرا بالمنكر ناهيا عن المعروف… فبئس القرار…

إن اختصار مهام الوزارة واختزالها، في مثل هذه الجزئيات دليل على ضيق الأفق، وعدم استيعاب أمر الشباب والرياضة، فالأولى أن يفكر من سقطت المسؤولية في حجره، في سلامة الملاعب حتى لا تتكرر فضيحة الكراطة، وفي اللاعبين الذين يقتنصون الفرص “للحريك” إلى خارج الوطن، وفي أبطال المغرب في الزمن الجميل، الذين تحولوا إلى مشردين يتكففون المارة، ويبيتون في العراء، وقد أدرتم لهم ظهوركم…وفي إدارات الفِرَق التي طغت عليها الزبونية والمحسوبية والفساد… وفي توفير المساجد والفضاءات المغطاة بالمخيمات حتى لا يصلي الأطفال في العراء تحت حر الشمس فتتفَتَّرَ قلوبكم حزنا عليهم (علما أن صلاة الجمعة لا تدوم لساعات كما زعم السيد الوزير، إلا إذا كان يعيش في كوكب آخر)… وفي تجهيز المخيمات ليستفيد منها أبناء الفقراء الذين ليس لديهم، أو لم يبق لهم، إلا التدريب على صلاة الصبح وصلاة الجمعة…وقد تركوا لأبنائكم التدريب على ركوب الخيل، والسيارات الفارهة، والقنص، والصيد، والرمي، والتزلج، والرحلات إلى عواصم العالم ومخيماته… بأموال التعاضديات والمتقاعدين…

يفاجئنا بعض المسؤولين بتصرفات غير مسؤولة، تتجلى في اعتلاء ما يتخيلونه “حائطا قصيرا” متمثلا في الدين…والمجاهرة باستفزاز المغاربة في عقيدتهم، والنعيق بأنكر الأصوات… بمنع الأذان، أو منع صلاة الصبح، أو منع صلاة الجمعة، أو منع أضحية العيد…إلى التسوية في الإرث، والبنوة البيولوجية، والإفطار في رمضان، والإجهاض، والزنا الرضائي، والمثلي…كأن هذه القضايا وأخواتها هي أم مشاكل المغاربة، وهي سبب تعثر مشاريع منارة المتوسط، ومشاريع طنجة ومراكش… ومآسي الحسيمة وجرادة وورزازات…وحصار الأطلس وأزيلال، وعزل القرى والدواوير والمداشير…أم تعمى أبصار المسؤولين وبصائرهم عن المشاكل الحقيقية لقطاعاتهم، فيصابون بالحبسة الحركية، ولا تَتَفَتَّقُ عبقريتهم إلا على استفزاز مشاعر المغاربة في خرجات غير محسوبة… لإخفاء القصورِ الكلوي الذي تعانيه مُخيِّلاتهم، والعقمِ المصاحبِ لإنجازاتهم…

الغريب أن “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة” وهو من حزب إداري، يعرف المغاربة ظروف تكوّنِه… يسعى جاهدا لمحو ما علق به من خيبات الزمن القريب، ولا يتأفف، مستأسدا، من تقمص أدوار الأحزاب اليسارية المعروفة بعدائها الإيديولوجي لكل ما فيه رائحة الإسلام، مزايدا عليها، مُداخلا بِكَتِفيه الضعيفتين فيما لا طاقة له به، وما لا ينسجم مع توجهات حزبه إن كانت لحزبه توجهات…مقتفيا آثار وزيرة سابقة أزعجها أذان الفجر، فأرادت للمغاربة أن يناموا نومة هنية، مشتركا معها في الدعوة إلى النوم، حريصا معها على نوم المغاربة أو تنويمهم… يُدَرَّبون على النوم صغارا في المخيمات، ويمارسون النوم كبارا في البرلمانات…ويأتيهم رزقهم رغدا… ومن يشابه أبه فما ظلم؟

لا يخفى على أحد أن خرجات رئيس الحكومة السابق، وانتقاداته العلانية للحزب الذي قاد مؤامرة البلوكاج… وراء خرجة الوزير الأزرق، إذ يُعرِّضُ بالحزب الذي لم يخضع لتحكُّمِ حزبه ومَن وراءَه، وتم الانقلاب عليه، في مسرحية هزلية مفضوحة، وإلا فمنْ، إن كان هذا حاصلا، يوقظ الأطفال لصلاة الصبح؟ مخيمات العدالة والتنمية… الحليف اللدود؟ … ولا شك في أن مواجهة بن كيران بمنع مخيمات شبيبته هو عين الجبن، مع ما في ذلك من قلة المروءة، لأن تحالفكم مع الحزب ورئيسه مازال قائما…فضلا عن الاعتداء على المغاربة بتسفيه أمور دينهم!لقد كان أولى بالوزير إذا أراد أن يناطح رئيس الحكومة السابق الذي حجَّم أحزابا بأضعاف حزبكم، وقزّم أخرى بأضعاف أضعاف حزبكم، بصراحته ومصداقيته وشفافيته، أن يكون الأزارقة أكثر صدقا ومصداقية ونظافة يد من السيد بن كيران… رئيسُ حكومةٍ، يكفيه فخرا أن يُذكر عند الذاكرين مع عبد الله إبراهيم، وعبد الرحمن اليوسفي، فهؤلاء فقط، هم رؤساء الحكومات في مغرب ما بعد الاستقلال…وما سواهم دمى، ليس بينهم وبين رئاسة الحكومة والديموقراطية إلا العدل والإحسان؟ …

كما درجت أحزاب المصالح والرِّيع، على استدعاء الجوقات وكتائب الصدى لدعم الوزراء في خرجاتهم، فاصطفاف عدد من الجمعيات ذات اللون الأغلبي الباهت المتقارب، مع خرجة “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة” ليس غريبا، ولا مستبعدا، فهذا مما جرت به العادة، وما جاء على أصله لا يسأل عن علته… لكن لا أحد من أولئك، يجرؤ على كشف ما يقع في مخيمات الطرف الآخر، الذي يستيقظ متأخرا ليقوى على قيام الليل بإحياء الليالي الملاح، وما يصاحبها من عربدة، وزيارات ليلية…ألم تخبرك العصفورة؟… أم أن هؤلاء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون…

إن المنطق المعكوس يجعل السهر طول الليل مفيدا لصحة الأطفال، ويجعل القيام باكرا للصلاة مضرا… ويكون التعرض للشمس في صلاة الجمعة لنصف ساعة، مضرا، كما يكون التعرض لها طول النهار في الشواطئ مفيدا…وتكون الأناشيد والأمداح مضرة… والسهرات الغنائية الصاخبة مهدئة للأعصاب…هكذا يريد “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة” أن يقنع المغاربة، وهكذا تريد وزارته أن تهيكل المخيمات، وقد يكون استفاد هذا من اللامركزية والنظام المالي…أي لغط وأي منطق وأي تعليل… وأي سقم في التفكير والتبرير؟

إنّ من باب حرية الاختيار والتدافع والتنافس أن تخط الجمعية، أي جمعية ما تشاء من برامج، مع موافقة أولياء الأطفال، في ظل المحافظة على ثوابت الأمة وقيمها، وليس من اختصاص الوزير أو غيره أن يحشر أنفه فيما لا يعنيه، وقد ولى زمن الرقابة والاستعمار، والحجر على الناس، والتضييق عليهم…وإذا كان أمر الطفولة، عفوا، مما يعنيه، فأطفال الشوارع، والمدمنون والمتسولون والخدم في البيوت والمقاهي وماسحو الأحذية والنشالون… ملء السمع والبصر، فَلْيُرِنا عجائب قدرته وعبقريته في حل مشاكلهم والخروج بهم من هذا التردي…فأولئك لا يُصلُّون صلاة الصبح ولا صلاة الجمعة؟ ويمكن أن يكونوا رصيدا انتخابيا في زمن عنوانه العريض: الرداءة والتردي، وإسناد الأمور إلى غير أهلها…!

إن التدريب الطوعي على قيام الليل، وصلاة الجمعة… جزء من تربية الأسر المغربية المسلمة الأصيلة لأبنائها، وهو تدريب على القيم والسمو والانضباط…فالنوم المبكر والصحو المبكر مما لا ينتطح عنزان في فوائدهما أيها “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة”، المغاربة حين يختارون مخيما ويفضلونه على غيره، يختارون بمحض إرادتهم، وينشدون القيم والوقار والأمان والتربية…ويجب أن تعلم أن الأطفال الذين يقصدون مخيماتكم هو أبناء الفقراء الذين ضاقت بهم السبل حتى صرتم تتحكمون في سلوكهم وحريتهم وتمنعوهم من الصلاة، أما أبناؤكم ومن في طبقتكم، فمخيمات المغرب والمغاربة لا تليق بهم…
ويبدو أن التربية على الخنا وقيام الليالي الملاح في المخيمات…والرقص والبرم والتلمس والتحرش الناعم… وما خفي كان أعظم، ليس مما يزعجكم على ما يبدو… السيد “الخبير الدولي في اللامركزية والنظام المالي المحلي لدى الوكالات والأبناك المانحة” لن يسألكم المغاربة السماح لأطفالهم بصلاة الصبح، ولن يستأذنوا، فهذا ليس من اختصاصكم…إنما يحاسبونكم عن منعهم، وعن إكراههم على ما تحبون ولا يحبون … وسيكون وصمة عار في تاريخكم إن تجرأتم على منع الأطفال من الصلاة ومن الارتباط بالفضيلة… في سابقة ستبوؤون بإثمها، وتحملون أوزارها… ولن يغفر لكم التاريخ وربُّ التاريخ الاجتراء على محارمه ودينه، لأنكم تُسهمون من حيث تعلمون أو لا تعلمون في إذكاء الفتن وروح الكراهية، وترسيخ التحكم والطغيان…وتجلبون على أنفسكم النقد والتشنيع والسَّخَط بسبب مسلككم… فتكونون ساعتها تحت طائلة المساءلة (أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى)…و(لإن لم تنتهِ…) فبئس السالك والمسلك، وبئس الرفد الموعود…!

الدكتور رشيد بلحبيب، أستاذ جامعي ، وجدة

 

اترك رداً على جوهر إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • جوهر
    منذ 6 سنوات

    بعض الوزراء، عفـــا الله عنهم...، وليس ... عفى الله عنهم، خطأ فظيع ما كان للأستاذ "الكتور" رشيد بلحبيب أن يقع فيه !

  • مصطفى العادل
    منذ 6 سنوات

    جزاك الله خيرا سيدي رشيد نعم العالم المثقف الذي لا يشغله علمه عن الصدع بالحق....

  • صدر رحب
    منذ 6 سنوات

    وددت من السي حميد أن يعلق أو يعقب على ما جاء في المقال بدل أن يشتم ويحقر صاحب المقال. متى ترتفع بمستوانا الأخلاقي عند الحوار والنقاش فنقترب قليلا من المتحضرين.

  • امحمد
    منذ 6 سنوات

    ما الفرق بينك السي حميد و بين الذي إذا أشار أحدهم لشيء ركز على الأصبع و ليس على الجوهر...كون تحشم

  • حميد
    منذ 6 سنوات

    واش من شعبة عنذك و ما الفرق بين الأستاذ والدكتور ولمذا الازدواجية في التسمية في نضري كنت اكتفي مواطن غيور لان الدكتور أو الأستاذ تجاوزه الدهر وبقي بين الحفر المدرجات و مزروة امام ازقت البرلمان وجهة نظر وتحياتي