مجتمع

“خادمات الموقف”.. البحث عن لقمة عيش قد يتحول إلى استغلال ودعارة

في ساحة رابعة العدوية بحي أكدال الراقي وسط العاصمة المغربية الرباط، تصطف مجموعة من النساء، تتراوح أعمارهن ما بين 30 و60 سنة، أغلبهن يرتدين جلابيب باهتة وغطاء للرأس، وكل واحدة تحتفط بقطعة كرتون تقيها برودة الرصيف.. ما إن تقترب منهن إحدى السيارات حتى ينطلقن جميعاً في الإشارة لها بأيديهن.

تمر العشرات من السيارات قبل أن تقف واحدة تقودها سيدة، لتختار اثنتين، “إنهما محظوظتان.. أن تحظى بفرصة للعمل في الساعات الأولى من الصباح يجب أن تكون محظوظاً”، تقول فاطمة لـ”هاف بوست عربي” وعيناها لا تكف عن متابعة جميع السيارات المارة من أمام تجمّع “نساء الموقف”.

فاطمة، واحدة من النساء اللاتي يقصدن كل صباح مكاناً يُطلِق عليه المغاربة “الموقف”؛ بحثاً عن زبون يريد من ينظف له منزله، و”قد تضطر إلى تنظيفه هو أيضاً”، كما تقول بشيء من الخجل، “قد نتعرض للاستغلال والاحتقار والضرب. وفي بعض الأحيان، يطلب منا الزبائن إمتاعهم..”، هي مواقف، أية خادمة من “نساء الموقف” قد تتعرض لها في سبيل البحث عن لقمة العيش.

رحلة البحث عن لقمة العيش

غادرت سيارة السيدة التي اختارت اثنتين، وعادت بقية النسوة للجلوس مجدداً على الرصيف، في انتظار أن يجود عليهم القدر بزبون يقيهم شر الانتظار. بالنسبة لفاطمة، فإن الانتظار قد يستمر من الثامنة صباحاً إلى السادسة مساء، “كثيرة هي الأيام التي تعود فيها أغلب النسوة إلى منازلهن بصفر درهم”، رغم ذلك فإن الابتسامة لا تفارقها، فبالنسبة لها الانتظار ساعات أفضل من العودة إلى المنزل من دون شيء، “ما في بزطامك (محفظتي) حتى ريال.. فمنذ خروجي الاضطراري قبل 5 سنوات للوقوف هنا بحثاً عمن يريد تنظيف بيته، كثيرة هي الأيام التي أفشل فيها في الحصول على عمل”، فالموضوع بالنسبة للسيدة ذات الـ50 ربيعاً مرتبط بالأرزاق والحظ، وليس له علاقة بالكفاءة.

ظروف اجتماعية قاسية

كل النساء اللاتي كنّ على رصيف ساحة رابعة العدوية، قرب أحد أفخر أسواق العاصمة، رمت بهن قسوة الظروف الاجتماعية للانضمام إلى مجموعات “نساء الموقف”، وهي الظاهرة التي نجدها في الكثير من المدن المغربية، و”الموقف” لا يقتصر فقط على النساء؛ فهناك تجمعات خاصة بالرجال من “العمال المياومين”، وقد تجد زوجين متفرقين بين موقف النساء وذلك المخصص للرجال؛ بحثاً عن لقمة العيش.

نعيمة، متزوجة وأم لطفلين، تضطر إلى الخروج كل يوم من الإثنين إلى السبت؛ للانضمام إلى “كتيبة” الباحثات عن فرصة للعمل، “زوجي مجرد طالب معاشو (عامل يومي)، وبسبب متطلبات الحياة اليومية وإعالة الطفلين، كنت مضطرة إلى الخروج بدوري لمساعدة زوجي”. ويبدو أن نعيمة، (45 سنة)، ليست مقتنعة كثيراً بوجودها في “الموقف”، فمنذ أن اقتربنا للحديث معها وهي تضع منديلاً على وجهها، لا تظهر منه سوى عينيها، شأنها في ذلك شأن مجموعة من النسوة.

بالنسبة لنعيمة، فإنها تعتبر محظوظة؛ فهناك قصص معاناة كثيرة في الموقف، فهو مكان لتبادل القصص الشخصية وحكايات معاناة الحياة ومواقفها الصعبة، “هناك سيدة التحقت بنا قبل سنة من الآن وما زالت ترتدي الجلباب الأبيض بعد وفاة زوجها، الذي تُوفي ولم يترك لها شيئاً باستثناء 3 أطفال تعيلهم”.

وهي تتحدث إلينا كانت نعيمة تقطع حديثها؛ لتقصد سيارة قد توقفت للتوِّ، وهي العملية التي تكررت أكثر من مرة، “وأخيراً، جاء الفرج، الله يعينكم”، قالت لنا نعيمة بابتسامة عريضة وهي تستعد لركوب سيارة زبون بعد أن اتفقا على المقابل المادي لتنظيف شقته، التي لا تبعد كثيراً عن مكان “الموقف”، لكن هذا الاتفاق قد ينقضه صاحب البيت أو زوجته في أي لحظة.

استغلال ربات البيوت

“صحيح أن الناس يختلفون وفيهم الطيبون، لكن العديد من نساء الموقف سبق لهن أن تعرضن للاستغلال”، تشرح فاطمة، فخلال 5 سنوات من اشتغالها بالمنازل كمنظِّفة، تعرضت في أكثر من مناسبة للاستغلال من طرف مشغِّلها “في إحدى المرات، اتفقت مع سيدة على أن أنظف شقتها مقابل مبلغ من المال، بعد أن أوهمتني أن الأمر لن يستغرق أكثر من 3 ساعات، لكن المفاجأة كانت كبيرة، عند وصولي اكتشفت أن الأمر يتعلق بمنزل من 3 طوابق”.

هذا الأمر قد يتكرر مع أكثر من زبون، لكن ما يحزٌّ في النفس أكثر، بالنسبة للسيدة فاطمة، هو الاحتقار الذي يتعامل به بعض المشغلين تجاه “نساء الموقف” عندما يجئن بهن إلى منازلهم، “في بعض الحالات، قد يرفض المشغل أن يمنحك كل المقابل الذي تم الاتفاق عليه في الأول، ويتراوح عادة ما بين 100 درهم (نحو 10 دولارات) و200 درهم (نحو 20 دولاراً)، ودائماً يكون مبرر الزبون أن العمل لم يعجبه”.

كل ذلك يمكن أن تتقبله المرأة، إلا أن يقوم الزبون بتجاوز حدوده، تضيف فاطمة، وبحسرة، لـ”هاف بوست عربي”، فالنساء معرَّضات لشتى أنواع الاستغلال، “وضمن ذلك، التحرش ومحاولة الاستغلال الجنسي من قِبل المشغل”، تقول فاطمة وهي متأسفة؛ لأن بعض النساء تُسئن إلى البقية عندما يكنّ متسامحات أكثر من اللازم.

خادمات في قفص الاتهام

إذا كان هناك إجماع على أن “خادمات الموقف” يتعرضن للكثير من المشاكل في سعيهن لكسب لقمة العيش، فبدورهن قد يصبحن مصدراً للكثير من المشاكل، ويُسئن بتصرفاتهن أحيانا إلـى “مهنة” الخادمات القادمات من “الموقف”.

ويبدو أن صراع الأجيال قد انتقل حتى إلى “خادمات الموقف”؛ إذ تعتبر فاطمة ورغم أنها لم تتجاوز السنوات الخمس في المجال، فإن بعض النساء أسأن كثيراً إلى خادمات الموقف، “كايقولو المغاربة حوتة وحدة كاتخنز الشواري (سمكة فاسدة واحدة قد تجعل كل القفة نتنة)”، بعض النساء اللاتي بدأن في التوافد على الموقف “يقدِّمن خدمات أخرى للزبائن إلى جانب تنظيف البيوت”، يوضح لنا عزيز، حارس السيارات المرابض في الموقف، بنبرة غاضبة، فهناك بعض الزبائن الذين يبحثون عن إرضاء غرائزهم الجنسية بين نساء الموقف، “حتى باتوا لا يفرقون بين النساء الباحثات عن لقمة عيش حلال وأخريات مستعدات لتقديم خدمات من نوع خاص”.

فعلاقة “خادمات الموقف” بالمشغل المؤقت تبقى صعبة في ظل غياب قانون منظِّم للمهنة، على الرغم من وجود قانون خاص بعاملات البيوت، من القاصرات، صدَّقت عليه الحكومة المغربية في شهر يوليوز من سنة 2016، إلا أنه لا ينطبق على “خادمات الموقف” اللاتي قد يجدن أنفسهن في مواجهة اتهامات بالسرقة وحتى الدعارة، ورغم ذلك هن مضطرات، كل صباح، إلى افتراش الرصيف وانتظار سيارة تقف لتتلقفهن.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *