مجتمع

تحقيق: تثمين تمور زاكورة .. بين حلم موؤود ومشروع وزاري موعود

بنايةٌ كبيرة بلون بُنّي انتصبت على مساحة شاسعة بمركز مدينة زاكورة تبلغ 180/170 م مربع، لا تحمل من المعالم سوى اسم “شركة تمور زاكورة”، لكن لا شيء يحيل على أن الأمر يتعلق بمعمل، فالمكان يسوده صمت رهيب منذ حوالي 20 سنة، لا يكسره إلا وقع أقدام الحارس وهديل الحمام، الذي اتخذ من بعض النوافذ أعشاشا، وعناكبُ جعلت من المكان بيوتا لها.

البدايات

قبل 22 سنة نُسجت حكايات في هذا المكان، وعلق عليه مئات الفلاحين آمالهم العريضة، وضجّ بالحركة والنشاط، وأهدرتْ فيه ملايين الدراهم. إنه معمل التمور بمدينة زاكورة الذي افتُتح سنة 1979 قبل أن يغلق أبوابه ومعها آمال مئات الفلاحين والمستخدمين في 1994 بعد “إفلاس” الشركة المسيرة له.

بعد إنشاء سد “المنصور الذهبي”، على واد درعة بمدينة ورزازات، بثمان سنوات، أسست وزارة الفلاحة سنة 1979 شركة “تمور زاكورة” لتسيير وحدة لتجهيز وتغليف منتوج التمر بالمنطقة، لكن الشركة، التي بدأت العمل سنة 1980، أفلست بعد 13 سنة من انطلاقها، فما حقيقة الإفلاس؟ وكيف خُذلت المنطقة في تثمين أغنى منتوجاتها؟ ولماذا فشلت محاولات إعادة تشغيل المعمل؟ وكم أهدر هذا الواقع من فرص للتنمية والتشغيل في منطقة أصبح الفقر أحد عناصر هويتها؟، وما هي ملامح المشروع الموسوم بالطموح الذي تبشر به وزارة الفلاحة اليوم؟

المشروع الذي كلف 22 مليون و500 ألف درهم سنة 1980، ظل إنتاجه ضئيلا جدا طيلة سنوات اشتغاله، لذلك لا بد أن يكون قد واجه عراقيل قوية جعلته يتوقف، إذ يبدو أنه من الأسباب الوجيهة التي قد تكون وراء توقف مشروع معمل التمور، البنية التحتية للمعمل، وعدم قدرته على معالجة وتغليف كميات كبيرة منه تُمكنه من در أرباح كافية، فهل كانت بناية المصنع قادرة على استيعاب تمور كل مداشر الإقليم؟

الجواب على السؤال أعلاه تقدمه وثيقة حصرية حصلت عليها جريدة “العمق”، تفيد بأن سعة تخزين المصنع تبلغ 2500 طن، فيما تبلغ قدرة إنتاجه السنوية 6000 طن، علما بأن ما يجنيه فلاحو المدينة من تمور يفوق هذه الكمية بكثير في بعض السنوات التي يكون فيها المنتوج وفيرا.

الوثيقة ذاتها أشارت إلى أن المصنع، وخلال 13 سنة من اشتغاله لم يتجاوز متوسط مشترياته من التمور خُمُس قدرته الإنتاجية أي 975 طن، إذ بلغت أكبر كمية اشتراها 2400 طن في موسم 1980-1981، فيما تراجعت كمية المشتريات بشكل ملحوظ في الموسم الموالي حيث لم تتجاوز 500 طن. وظلت كميات التمور التي يعالجها المصنع في تذبذب، إلى أن وصلت في 1992-1993 إلى 60 طن، وهو آخر موسم قبل إغلاق المصنع.

ثقافة محلية

من خلال الأرقام السابقة يتأكد أن خلفية إغلاق المصنع لم تكن بسبب ضعف طاقته الاستيعابية، بل في قلة مشترياته من تمور المنطقة، فهل عجز المصنع الوحيد بالمدينة آنذاك عن إقناع الفلاحين ببيع منتوجاتهم له؟ أم أن أسبابا أخرى حالت دون ذلك؟.

يمتد نخيل منطقة زاكورة على طول وادي درعة من منطقة أكدز إلى منطقة امحاميد الغزلان، ما يعني انتشاره على مسافة عشرات الكيلومترات، وهو ما يشكل عقبة أمام معمل التمور لجمعه في فترة وجيزة دون تعرضه للتلف، ناهيك عن ضرورة مراعاة النوع الجيد والرديء منه، وقبل ذلك على المصنع أن يجمع منتوجات عشرات الفلاحين الموزعين على طول المنطقة..

دراسة للمكتب الإقليمي للتنمية الزراعية (ORMVAO)، تتوفر جريدة “العمق” عليها، كشفت أن من بين الإكراهات التي واجهت المصنع عدم وجود مركز لجمع التمور على مستوى كل بستان نخيل أو كل واحة على الأقل، ما يمكّن من استقبالها وتخزينها مؤقتا قبل وصولها للمصنع. وهو ما يكشف وجود سبب ثان يفسر توقف المعمل، إذ يتعلق الأمر بغياب وحدات محلية لتجميع التمور من الفلاحين.

المعمل المذكور، جاء بفكرة جديدة على منطقة زاكورة وهي تغليف التمور وتجهيزها، في وقت، (فترة الثمانينات)، اعتاد فيه سكان المنطقة، بل حتى المُستهلك الوطني، على رؤية ومُعاينة التمور بكميات كبيرة دون تعبئتها وتغليفها، غير أن التكاليف شكلت عائقا أمام المستهلك ما اضطر الشركة إلى خفض سعر البيع لمواكبة السوق، علما أن الشركة تعاني نقصا في رأس المال في بداية حملات التسويق، الأمر الذي وقف عائقا أمام تموين المصنع وبالتالي فتح مجال أكبر للمنافسين، الذين يشتري أغلبهم التمور دون الفرز ومباشرة من بساتين النخيل، أوفي الأسواق وفي بعض الأحيان حتى قبل الجني، وهو ما أكده مصدر تابع لوزارة الفلاحة بمنطقة زاكورة لجريدة “العمق”. هكذا تكون ثقافة شراء التمور بالمنطقة أحد الأسباب المفسرة للإفلاس.

تدبير سيء!

كل العراقيل المُشار إليها تطرح تساؤلات حول الجهود والإجراءات التي اتخذها مسيرو الشركة لجعل المعمل يستمر ويواكب المنافسة ويتغلب على مشاكل التموين، الجواب كان صادما وفق ما وصلت إليه “العمق” من خلال وثيقة ومعلومات تفيد “عدم عقد أي اجتماع عام للشركة منذ 1988، رغم أن النظام الأساسي للشركة ينص على أن يتم عقد الجمعية العمومية سنويا في غضون 6 أشهر بعد انتهاء السنة المالية”.

مصدر مسؤول بمدينة زاكورة، فضل عدم الافصاح عن عن هويته، كشف لجريدة “العمق” أن سنة 1983 كانت عصيبة بالنسبة للمصنع، إذ تضافرت الأسباب الذاتية والموضوعية (الجفاف والتدبير) لتنهك المصنع، إذ أوضح المصدر أن المصنع تأثر بفعل موجة الجفاف التي ضربت المغرب سنة 1982، مشيرا إلى أن عمل المصنع في الفترة الممتدة بين سنة 1983-1988 كان شبه متوقف، وتابع أن الشركة المسيرة واجهت مشاكل مالية سنة 1983، حتى إنها تأخرت في دفع مستحقات الفلاحين الذين اشترت من عندهم كميات من التمور.

محسوبية وزبونية

من بين الأسباب التي تفسر أيضا فشل تجربة المعمل في الاستمرار، ما حكاه فلاح ابن المنطقة لجريدة “العمق”، مؤكدا أن “المشرفين على المعمل كانوا يتعمدون تفضيل بعض الفلاحين على آخرين، مضيفا أن المعمل يقبل التمور التي يقدمها إليه بعض الفلاحين في حين يرفض أخرى”.

واتهم الفلاح الذي تعامل في تلك الفترة مع المعمل وفضل عدم الكشف عن اسمه، إدارة المعمل بأنها كانت تمارس المحسوبية والزبونية في شراء التمور من الفلاحين، مؤكدا أن الإدارة كانت تقتني بعض التمور الفاسدة “فيها الناموس” بحسب تعبيره، من فلاحين بعينهم، في حين تصر على رفض الشراء من فلاحين آخرين رغم جودتها.

المصدر ذاته، أضاف أن عددا من الفلاحين فضلوا عدم التعامل مع المعمل بسبب تأخره في صرف تعويضاتهم المالية، مشيرا إلى أن بعض الفلاحين كانوا يُعانون من تأخر تحصيل تعويضاتهم المالية الذي قد يصل لشهور، وهو ما دفع الكثير منهم في الأخير إلى صرف النظر عن التعامل مع المعمل بسبب “سوء السمعة” التي حصل عليها بين الفلاحين.

فرصة ضائعة

كان لتعثر المشروع في الاشتغال بالشكل المطلوب، أثر سلبي على مواطني الإقليم ممن يستغلون فترة جني التمور خلال فصل الخريف من كل سنة، إذ أن هذا الفصل يُعد مناسبة لجَني مداخيل مالية تؤمن لهم العيش على طول السنة، خاصة في ظل غياب مشاريع اقتصادية بإمكانها أن تؤمن لهم موارد مالية إضافية، وقد اشتهر في زاكورة عبارة “عطيني أو سلفني أو .. حتى قدوم الخريف”.

لقد كان المشروع، لو استمر في العمل بطريقة طبيعية أن يؤمن مورد دخل مالي لفائد 1700 فلاح من واد درعة، كما أن المعمل كان سيوفر مئات فرص عمل مباشرة وغير مباشرة على طول السنة. بالإضافة إلى ذلك، فإن المعمل كان سيجعل من مدينة زاكورة محجا وطنيا ودوليا للتجار الراغبين في اقتناء التمور ذات الجودة العالية وإعادة بيعها في الأسواق الداخلية والخارجية. كما قد يجعل من المغرب منافسا قويا في تصدير التمور للدول الأجنبية خاصة مع تنوع وغنى المنتوج المحلي مقارنة بما تصدره دول أخرى كالجزائر وتونس.

فشل إعادة الإحياء

بعد مرور أزيد من 10 سنوات على توقف المعمل بصفة نهائية، عادت إلى الواجهة سنة 2005 محاولات لإعادة إحيائه من جديد، حيث عملت مؤسسة محمد الخامس خلال شهر ماي من السنة المذكورة على ضخ ثلاث مليون درهم في حساب المعمل الذي مازال تابعا لوزارة المالية، كما قام مجلس المدينة بتصميم خطة في هذا الصدد، من بين أهدافها شراء 50 بالمئة من حصص المصنع لأجل توفير قروض للفلاحين.

وفي الوقت الذي أحيت فيه أخبار عملية إعادة تنشيط المعمل أمالا كبيرة في نفوس الزاكوريين، تفاجأ الكل بأن الأموال المرصودة كتسبيق لاعادة تشغيل المعمل غير كافية لسد نفقات المصنع، وهو ما أعاد الحلم إلى نقطة الصفر، ليتم بعد ذلك طرح اقتراحين اثنين لإعادة تشغيله؛ ويتعلق الأمر بخصخصة المصنع أو نقل مساهمات الدولة لتعاونية الفلاح.

واعتبر متتبعون أنه لو تم تفعيل الاقتراح الأخير للقي المصنع الطريق الصحيح نحو اعادة تشغيله، إذ تشير مصادر مطلعة أن نقل مساهمات الدولة لتعاونية الفلاح كان هو موضوع الاتفاقية التي صُودق عليها خلال الدورة العادية لمجلس جهة سوس ماسة درعة سنة 2005، حيث تنص شروط تلك الاتفاقية على أن تستحوذ مؤسسة محمد الخامس على المعمل بـ 2 مليون درهم، في أفق التنازل عليه لفائدة تعاونية الفلاح.

كما نصت الاتفاقية المُشار إليها على تخصيص ميزانية غير قابلة للتجديد قيمتها 100 مليون سنتيم من أجل تشغيل المعمل في شكل إدارة ذاتية، وذلك بهدف تجاوز النقص وعدم الوقوع في نفس الأخطاء السابقة، حيث تم الاتفاق حينها على تشكيل لجنة مراقبة من أجل تأطير المشروع وتتبعه والسهر على احترام خطة إعادة تنشيطه، غير أن كل ذلك لم يأخذ طريقه إلى التنفيذ.

مشروع وزاري طموح

في إطار سعيها إلى تجاوز المشاكل التي تخبّط فيها قطاع التمور بإقليم زاكورة على مدار العقود الماضية، تعكف وزارة الفلاحة حاليا على إعداد مشروع جديد يبدو من خلال ملامحه الكبرى أنه طموح، يمكن أن يحقق ما يهدف إليه فلاحو المنطقة من رد الاعتبار إلى هذا المنتوج الذي يُعد مفخرة للبلاد، وأحد رموزه الحضارية في منطقة شمال إفريقيا والبحر الأبيض المتوسط.

وبحسب معطيات حصلت عليها جريدة “العمق” من وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، فإن منطقة زاكورة تتوفر على ثروة هائلة من أشجار النخيل تناهز 1.624.000 شجرة تتواجد على مستوى حوضين مائيين وهما درعة الوسطى (الري الكبير) الذي يستفيد من مياه سد المنصور الذهبي وأحواض الري الصغير والمتوسط بالمعيدر، حيث يبين الجدول التالي الأرقام والإحصائيات المتعلقة بالتمور بالإقليم:

ونظرا لأهمية سلسلة التمور الاستراتيجية، قررت وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات إدراجها في إطار المخطط الفلاحي الجهوي لدرعة تافيلالت الذي يعتمد على مقاربة مندمجة ترمي إلى معالجة جميع الحلقات القيمية للسلسلة انطلاقا من الإنتاج إلى عمليات ما بعد الجني.

“وفي هذا الشأن، تمت بلورة خطة لتثمين التمور ترتكز على إحداث وحدات لتثمين المنتوج على مستوى أهم واحات إقليم زاكورة تماشيا مع سياسة القرب التي تعتمدها الحكومة وفقا لأهمية الإنتاج في كل منطقة على حدة”، يقول مصدر من وزارة الفلاحة.

وأورد المصدر ذاته أنه في إطار المخطط الذي تفعّله وزارة الفلاحة بشأن تثمين منتوج التمور، تمت برمجة 12 وحدة لتثمين المنتوج بسعة إجمالية تبلغ 2380 طن أنجزت منها 10 وحدات، بسعة 1.880 طن، حيث تتوزع تلك الوحدات على الشكل التالي: 

وتشير المعطيات ذاتها، إلى أنه “في إطار مواكبة الفاعلين في السلسلة خصوصا التنظيمات المهنية والمجموعات ذات النفع الاقتصادي، تم إدماج السلسلة في إطار مشروع تنمية سلستي التمور والزعفران بشراكة مع الوكالة البلجيكية للتنمية، حيث يهدف هذا المشروع إلى دعم قدرات المنتجين والتنظيمات المهنية في جميع مراحل إنتاج وتثمين وتسويق التمور”.

وفي هذا الإطار ولضمان تحسين وسائل الإنتاج وجودة التمور، شرع المكتب الجهوي للاستثمار الفلاحي لورزازات بشراكة مع فريق المشروع في توزيع معدات صيانة النخيل وجني التمور إضافة إلى تنظيم 500 يوم عمل تهم عمليات التكوين والتحسيس في هذا المجال لفائدة التنظيمات المهنية. كما تم تكوين أبناء الفلاحين في مجال التدريب على الممارسات الفلاحية.

كما قام الشريكان بدعم التنظيمات المهنية في مجال تدبير الوحدات من خلال تأطير المسيرين للحصول على رخص السلامة الصحية وإعداد دلائل الممارسات الجيدة لضمان جودة المنتوج وإعداد مخططات العمل والتواصل والتسويق، وقد حصلت 3 مجموعات ذات النفع الاقتصادي وتعاونيتان على الرخص الصحية. كما تمكنت 4 مجموعات من الحصول على مخططات العمل والتسويق وعلب التلفيف التي تستجيب للمعايير الصحية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • غير معروف
    منذ سنة واحدة

    ونعم البادرة، المعمل جدير بالاهتمام نظرا لأهميه الحيوي بإقليم زاكورة ..خدمتا لتجويد التمور وتطوير الإنتاج والخدمات... بالمنطقة

  • معاد اوباعقي
    منذ 6 سنوات

    الله يحفظ مكين غير فشل فشل

  • ضد الفساد
    منذ 6 سنوات

    دابا إذا كانت الدولة كتتصرف مع المواطنين ديالها فالمناطق المهمشة بهاذ الطريفة البئيسة.. وملي كينوضو يحتجوا ويثوروا على الظلم .. كتتهوم بانهم انفصاليين ومثلمين .. مزيان هكا غادي تجيبو المونديال يا رباعة الشفارة

  • هشام
    منذ 6 سنوات

    تحقيق مهم يكشف كيف يتعرض أبناء المغرب العميق للتهميش والتفقير المستمر من عقود في مختلف المجالات.. يجب الإكثار من مثل هذه التحقيقات لفضح الواقع البئيس لهذه الدولة

  • zagori
    منذ 6 سنوات

    brafo al3omk.. zagora meskina mafiha walo ghir l9ahr wl7ogra wddolm..

  • Âbdo Šamido
    منذ 6 سنوات

    خاص يديرو شي وزين ديال التمر فزاكورة

  • Abdellah Acherawi
    منذ 6 سنوات

    اتمنا من الوزارة ان تعتني بتمور زاكورة وخلق سوق محلي لببع المنتوج داخل الاقليم

  • Hassan Hassantn
    منذ 6 سنوات

    هدا هو حال المسوولين الفشل

  • الباعفيلي
    منذ 6 سنوات

    مقال متكامل . لامس عن قرب ما يعانيه تثمين التمور بزاكورة و الذي يعتبر المورد الاساسي لدخل فلاحي المنطقة

  • حسن بويخف
    منذ 6 سنوات

    عمل جيد، ينم عن مهنية وجهد ميداني كبير وغنى في المصادر جيد. بالتوفيق