مجتمع

ما بعد الباكالوريا .. فتيات يروين تجارب أيامهن الأولى بالدار البيضاء

تلاميذ الباكالوريا

سكينة البطيحة – الدار البيضاء

تطمح معظم الطالبات بعد حصولهن على شهادة الباكالوريا، إلى تحقيق أحلامهن بولوج أهم الجامعات بمختلف مدن المملكة الخاصة الكبرى منها كمدينة البيضاء.

هن فتيات قادتهن الأحلام الوردية، إلى حزم أمتعتهن والتوجه صوب المدينة الإقتصادية لإتمام دراستهن، وتحقيق ذواتهن بعيدا عن قيود الأهل ونظرتهم المحدودة للمستقبل.

قرار ترك منازل أهلهن والعيش بمفردهن بحثا عن التعليم، لم يكن بالأمر المقبول لدى جل العائلات، التي تعتبر استقلالية الفتاة بذاتها انحرافا وتجردا من التقاليد والعادات المتعارف عليها، خاصة بالنسبة لساكنة البوادي.

معاناة وخوف من المجهول

حنان 22 عاما، تنحدر من إحدى البوادي ضواحي مدينة زاكورة، حصلت على أعلى معدل وطني بالجهة شعبة الآداب والعلوم الإنسانية تقول: “الباكالوريا بالنسبة لي كانت بمثابة المفتاح الذي سيحررني من سلطة الأهل التي كانت تؤرقني باستمرار، وبالرغم من تفوقي في الدراسة إلا أن فرحتي لم تكتمل”.

وتابعت: “أسرتي لم تتقبل فكرة إتمامي للدراسة خارج الوسط الذي ترعرعت فيه لسنوات، أبي أبدى رفضه التام للموضوع ولازلت أتذكر ملامح وجهه التي كانت تشبه بركان بصدد الإنفجار”.

لوهلة ظنت حنان أن أحلامها تبخرت فتركت أحلامها الحلوة وعاشت واقعها المر، إلى أن وطأت أقدام إحدى الجمعيات باب المنزل، والتي قررت تبني حنان على المستوى الدراسي، والإشراف على تكاليف تعليمها لتتمكن من إقناع والدها بصعوبة شديدة.

تقول حنان: “لمعت عيناي من شدة الفرح فلم أتردد في حزم أمتعتي بشكل مستعجل منتظرة طلوع الشمس التي ستعلن عن بداية حياتي الجديدة المليئة بالطموحات والنجاحات”.

حنان لم تكن تعلم أن سجن البادية وسلطة والدها أرحم مما ينتظرها بالمدينة الإقتصادية، تقول: “مدني أبي بمبلغ مالي قيمته 400 درهم، فاستقليت الحافلة متوجهة نحو البيضاء للمرة الأولى، كانت الساعة تشير إلى العاشرة ليلا عندما استيقظت على عالم جديد وأناس مختلفة”.

وتابعت: “تملكني الخوف ولم أستطع مغادرة الحافلة خاصة وأنه لم يكن في انتظاري أي شخص فطلبت من سائق الحافلة أن يسمح لي بالمبيت داخلها، لم يتردد في الموافقة غير أن نظراته لي كانت مرعبة، كنت متعبة جدا إلا أنني لم أخلد للنوم كلما تذكرت نظرات السائق التي لم تفارق مخيلتي إلى حدود الآن”.

ضعف الحالة المادية لأسرة حنان حالت دون تمكن الطالبة الطموحة من تجاوز أول مرحلة والمتعلقة بالوصول للموعد المحدد لملاقاة رئيسة الجمعية تقول حنان: “لم يكن بحوزتي من المال ما يكفي لكي أستقل سيارة أجرة لأصل في الموعد المحدد اضطررت للمشي ساعات طويلة كما أنني أضعت الطريق مرات عديدة لكنني تمكنت أخيرا من التواصل مع أعضاء الجمعية وبدأت المشوار الدراسي”.

عنف وندم

“مينتو” 24 عاما فتاة صحراوية، مجتهدة وطموحة. النجاح بالنسبة لها يقاس بمدى تفوقها مهنيا في المستقبل، أسرتها لم تعارض قرار مغادرتها الأراضي الجنوبية للإستقرار والدراسة بالبيضاء.

تقول مينتو: “بالرغم من أنه لم يسبق لي أن زرت مدينة الدار البيضاء من قبل، إلا أن إرادتي ورغبتي في تحقيق أحلامي كانت أقوى من حلولي بمدينة اقتصادية والإختلاط بأناس جدد”.

وتابعت: “أوضاعنا المالية متوسطة أبي وعدني بمساعدتي ماديا إلى أن أستقر، تعرفت على طالبة من “جيبوتي” تدعى “عوا”، فقررنا أن نستأجر شقة معا، وبالفعل تمكنا من إستئجار إحدى الشقق بحي وسط المدينة، قضينا الأيام الأولى معا إلى أن توافد على المنزل صديقات جدد لـ”عوا”.

مينتو لم تكن تعلم أن الأوضاع ستنقلب رأسا على عقب، بعد قدوم الطالبات الجدد تقول الفتاة الصحراوية: “في يوم من الأيام طلبت من “عوا” أن تلقي بكيس القمامة بالمكان المخصص لها لأنه كان دورها، فرفضت أن تقوم بذلك وأقدمت على شتمي ولم تكتف بهذا فقط بل طلبت من زميلاتها أن يبرحونني ضربا إلى أن فقدت وعيي”.

وتابعت: “قدمت إحدى الجارات وقامت بنقلي إلى المستشفى ثم قمت بوضع شكاية لدى مخفر الشرطة وعندما عدت إلى البيت وجدت أغراضي أمام باب الشقة طرقت الباب مرات عديدة ولم يردن علي، الساعة كانت تشير آنذاك إلى 1 ليلا”.

ماتعرضت له مينتو خلف لديها استياء نفسيا وندما شديدا لتركها منزل والديها وقدومها للبيضاء من أجل تحقيق أحلامها خاصة وأنها لم تكن تتوقع أنه من الممكن أن تصادفها مشاكل من هذا القبيل.

تقول مينتو: “اضطررت لقضاء ليلتي بأحد المقاهي، بعدما سمح لي صاحب المقهى بذلك إلى أن بحثت على مسكن آخر باليوم الموالي، بالفعل كانت تجربة قاسية لكنني استفدت منها كثيرا”.

تهور ثم انحراف

رشيدة 27 عاما، فتاة ترعرعت بقرية ضواحي الجديدة، أخفت تحررها وتشبثها بمبدأ حرية المرأة لسنوات عديدة خوفا من نظرة وسطها القروي، عانت من إكراهات منذ طفولتها جعلتها تقاسي في حياتها اليومية، ما خلف لديها حقدا دفينا جعلها تستغل أول فرصة، للهروب بحجة الدراسة بعد حصولها على شهادة الباكلوريا.

تقول رشيدة: “تمكنت من التخلص من الوسط التقليدي المتخلف القروي، لكن حاجتي الماسة للمال ونظرة الطالبات الدونية لي، جعلني ضحية ذئاب المدينة فسلكت طريق الإنحراف، تعاطيت للمخدرات ودخنت السجائر، تخليت عن دراستي وقادني تهوري إلى الغوص، في دوامة لم أستطع الخروج منها إلى حدود الآن”.

القوي يأكل الضعيف

أغلب الفتيات اللواتي يقررن الدراسة بعيدا عن أسرهن، يلجأن للأحياء الجامعية المخصصة بصفة خاصة للطالبات اللواتي ينحدرن من مدن بعيدة، غير أن الواقع يختلف تماما عن المتداول.

صفاء طالبة تنحدر من مدينة أكادير، لا يتجاوز عمرها 19 سنة، بنبرة غاضبة تكشف كواليس الحي الجامعي عين الشق بالبيضاء.

تقول صفاء: “أقدمت على التسجيل في الحي الجامعي في الوقت المحدد، غير أن المسؤول عن الإقامة بالحي رفض ولوجي للإقامة بحجة أن الملف، لا يتناسب مع الشروط المطلوبة، لأتفاجأ فيما بعد أن إحدى الزميلات التي تقطن بالبيضاء تمكنت من حجز سرير لها، بالرغم من أن الحي الجامعي مخصص للطالبات اللواتي يقطن بعيدا فقط”.

وتابعت: “وعندما استفسرت عن الموضوع قالت لي زميلتي، الأمر ليس بالصعب كما تظنين يكفي فقط استعانتك بالوساطة لبلوغ أهدافك”.

تحرش وابتزاز

تقمصت دور طالبة تقدم للبيضاء للمرة الأولى، فتوجهت صوب أحد “السماسرة” فخاطبته قائلة: “مرحبا سيدي، رغبتي في ولوجي إحدى الجامعات قادتني إلى مدينة البيضاء، وصلت للتو لا أعرف أحدا وأبحث عن مسكن بسيط”.

نظراته كانت غريبة فأجابني: “مسكن بسيط فقط لما لا، لم تطلبي شيئا ثمينا، على العموم بإمكانك قضاء هذه الليلة مجانا إلى حين استقرارك بإحدى الشقق”.

أجبته باستغراب: “مالذي تقصده”.

حاول تدارك الموضوع بسرعة فقال لي بنبرة غاضبة: “ثمن الغرفة شهريا يصل إلى 2000 درهم بهذا الحي الشعبي”.

فقلت له: “إنه حي شعبي ثم إنني طالبة فقط كيف لي أن أدفع هذا المبلغ الباهظ”.

فرد علي بعنف: “إنها البيضاء وليست البادية، يبدو أنك ستضيعين لي الوقت فقط فلتذهبي”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *