مجتمع

تعرف على العذراء الهاربة من السلاطين صاحبة الضريح المجاور للكتبية (صورة)

قبة بيضاء تقع على جانب ساحة مسجد الكتبية وسط مراكش الحمراء، تلفت أنظار الزائرين والمواطنين، ويجعلها الكثيرون نقطة التقاء وعلامة تسهل التموقع بساحة الكتبية الفسيحة، غير أن القليلين فقط من يعرفون قصة ذاك الضريح الذي اكتسى البياض ولا يزوره أحد.

عذراء السلاطين لقبها واسمها لالة زهراء الكوش، عابدة زاهدة نهلت من المشارب الصوفية، ومقاومة مجاهدة ابنة المجاهد عبد لله الكوش الذي واجه جنود البرتغال بشراسة بثغور مدينة أزمور.

أجمع المؤرخون الذي تناولوا سيرتها على وصف لالة الزهراء بالفاتنة والمثقفة الزاهدة، التي كانت تقيم حلقات النقاش بين النساء وتحدثهنّ عن مزايا الجهاد، عاشت في عهد الدول السعدية أواخر القرن السادس عشر وبداية السابع عشر، وماتت عزباء تدرس الأطفال أصولَ الدين والفقه وتفسير القرآن.

رفضت زهراء الكوش عرض السلطان السعدي زيدان بن المنصور للزواج بها، مثيرة استغراب أهل مدينة مراكش، فسجنها السلطان المرفوض عرضه ولبثت في السجن مدة من الزمن قبل أن يصفح عنها وتعود إلى إكمال حياتها في عالم التصوف ونظم الشعر والتدريس والتعبد.

توقفت الشاعرة الفرنسية كلود كولييت طويلا عند سيرة هذه الشّاعرة المتصوفة، وزارت مراكش مرارا وتردّدت على ضريحها، بل وأعادت صياغة قصتها في قالب شعريّ يُعيد ترتيب تاريخ امرأة جرّدت من جميع الأسلحة إلا سلاح الكبرياء، وقصة فتاة أشهرت في وجه السلطان عبارة الرّفض، في قصر كانت فيه الحيطان تدين بالطاعة والولاء، رافضة الزّواج والقرب من الحاكم، مفضلة لقب «جارية» على أن تكون من حريم السّلطان.

وتحدّث البعض عن وضعها في الأسْر مباشرة بعد قرارها الرّافض الزواج من السلطان زيدان بن منصور، الذي حكم البلاد لمدة لا تزيد على عقدين ونصف، وتذكر الرواية الشفوية أنها بقيت مدة في السجن إلى أن أعرض عن الزّواج بها وأطلق سراحها، وهو ما جعله يراجع موقفه منها، ثم يهبها ممتلكات شاسعة في مراكش، ويُقرها في ظهير تحتفظ به العائلة الكوشية..

الزهراء الكوش المتوفاة سنة 1027 هجرية الموافقة ل 1617 ميلادية، ولدت بمدينة مراكش من أبيها عبد الله الكوش وأم من أصول فاسية، وعاشت في منزل قريب من مسجد الكتبية بحي الكتبيين يومها، وقضت فيه كامل حايتها إلى أن وافتها المنية، ويقال أنه كان في نفس المكان الذي يتواجد به الضريح اليوم.

تتلمذت الزهراء على يد والدها وأخذت عنه أصول الشريعة والفقه، وكان لها شيخا في التربية الروحية والصوفية، حيث تتحدث بعض الروايات أن المجاهد عبد الله الكوش كان يطعم ألفين ومئتي شخص فاشتهر بين أهل مراكش بالكرم، الشيء الذي جعل السلطان السعدي زيدان بن أحمد المنصور يحتاط منه.

واشتهرت زهراء بكثرة الصلوات والأذكار والصدقة، وتصنف في الأوساط الصوفية بين أولياء الله المتبعين، والنساك الصادقين العارفين، كما أن رفضها الزواج من السلطان وتفضيلها لقب “أمة الله” عوض زوجة السلطان زاد من شهرتها، ونسَجت المخيلة الشعبية حولها أساطير وقصص، إذ يقال إنها تتحول ليلا إلى “حمامة” تنشر السّلام في مدينة مراكش والنواحي، ووجودها بالقرب من مسجد الكتبية جعلها تحمل لقب «حمامة مراكش».

لا يمكن حصر شهرة الزهراء في والدها، بل إن التاريخ الشفوي يتحدّث عن دور والدتها الفاسية ليس فقط في بناء شخصيتها، بل في دعم المجاهد عبد الله الكوش، الذي رابط طويلا في أزمور وأسِر فيها، رغم جهل الناس باسمها وإسنادها إلى أبيها، إذ غالبا ما تغفل مجمل كتب التاريخ حضور المرأة في حياة الأولياء والعلماء والشّيوخ.
https://al3omk.com/wp-content/uploads/2018/08/YmWJ60140569778060146494b6336014748a22116014917c01126018443fed5c6018552d194a0.jpg

اترك رداً على يوسف غاندي إلغاء الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تعليقات الزوار

  • يوسف غاندي
    منذ 6 سنوات

    تقدم تعليقي بالأمس حول علاقة صاحبة الضريح للازهرة الكوش بالسلطان زيدان السعدي عودوا إليه في صفحتي