وجهة نظر

أخطاء “إسلاميي الحكم” في المغرب.. هل ستنهي وجودهم في الحكم؟

قد يكون الخطأ الأكبر الذي ارتكبه الإسلاميون في العالم العربي- في اعتقادنا- بعد “نجاح” الربيع الديمقراطي الشعبي أنهم قبلوا أن يكونوا “أيقونات” التغيير في إعادة تشكيل الخرائط، والسياسات والأجندات، في وقت كانت الشعوب العربية، سواء التي عرفت رياح التغيير، أو التي تسمَّرت جانب الحائط، تراقب الأحداث من بعيد، تنتظر من الحكام الجدد “ما لاعين رأت ، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” !!

لقد أخطأ “إسلاميو” الحكم حينما قبلوا أن يكونوا السباقين إلى تولي السلطة في بلدان خرجت لتوها من “ثورات” ماحقة، أسقطت رموز الفساد والاستبداد، ويقودوا مخاضا حُكْميا غير مستقر. كما أخطؤوا- أيضا- حينما قبلوا أن يكونوا “فئران تجارب” لسياسات جديدة، ويؤسسوا لخرائط طرق ما بعد الربيع الديموقراطي الشعبي، دون أن يتأكدوا من مدى قدرتهم التدبيرية على حكم شعوب لن تقبل منهم بغير الرخاء التام، والحرية الكاملة، والعطاء الذي لا ينقطع، والقطع النهائي مع الفساد، والاستبداد، والأمية، والعطالة، وكل أمراض الأنظمة المنقرضة.

كما أخطأوا- وهذا أخطر- حينما ظنوا أن الزخم الشعبي الذي يملكونه يغنيهم عن كفاءة التسيير، وبراعة المراوغة ضد مكائد الخصوم، و يوفر لهم “الأصوات” الحامية ضد المعارضين، ويجعل لقراراتهم “اللاشعبية”، مناصرين و قابلين ومصفقين ومؤيدين وحامين،…ناسين، أو متناسين، أن الاستناد إلى القاعدة الشعبية مهما كانت شساعتها، ومهما كان امتدادها الجغرافي والعددي، لا يعفي، أبداً وقَطُّ، من امتلاك ناصية الحكم الرشيد الذي يعني، فيما يعنيه، القدرة على توفير العدالة للجميع، والكرامة للجميع، والخبز للجميع.

فالجمهور الحقيقي الذي يعتبر الداعم والنصير والمقوي للحاكم، هو الجمهور الذي يكتسبه، هذا الحاكم، بعد سنوات من التدبير المحكم والناجح للشأن العام. أما جمهور الحملة الانتخابية، وصندوق الاقتراع، فهو جمهور خدَّاعٌ، وغيرُ منضبطٍ، ما يلبث أن ينقلب على “حبيبه” الذي صفق له، وأعلاه سدة الحكم، بمجرد ما يحس منه إخلافا أو تخلفا (!)؛ تماما كما يصنع الجمهور الكروي الذي يطبل ويصفق لفريقه قبل المباراة، فما يلبث أن يحول كل هتافات التشجيع إلى هتافات الشجب والسب واللعن، بمجرد ما تنتهي المقابلة لفائدة الخصم، أو يفشل الفريق في ترضية فضول جماهيره في اللعب الجيد، والنتيجة المرضية !! .

فأكبر تحدٍّ يواجه الإسلاميين، ليس هو تحدي إقناع الجماهير ببرنامجهم الانتخابي، أو السلوك اليومي لأفرادهم في الشوارع والقرى والمداشر،… لكن أكبر تحدٍّ يواجه “الأحزاب الإسلامية” التي تحكم، هو القدرة على تحويل الوعود الجميلة إلى حقائق حية تدب على أرض الواقع. و هو ذات التحدي الذي فشلت فيه الأحزاب المغربية الحاكمة قديما وحديثا، كما فشل فيه- للأسف- الحزب الحاكم اليوم في المغرب؛ بل الشيء الذي عمق فشله أكثر- لسوء حظه- أنه جاء بعد ربيع عشريني علق عليه الشعب المغربي آمالا غير مسبوقة في تحقيق الانتقال الديمقراطي الحقيقي، والارتقاء بالمغرب نحو نهضة حقيقية، تنتشله من ربقة التخلف والفساد والخوف والاستبداد و”الحكرة”،… مما عقد مهمته وجعلها شبه مستحيلة. إذ كان على الحزب، لو أراد النجاح، أن يقتحم هذه العقبة الكأداء بكل ما يملك من رصيد أخلاقي، وشعبي، وفكري، ونضالي،… وهو يؤسس لِلَبِنات البيت الحكومي في نسخة جديدة ومختلفة.

ولقد حاول، فعلا، أن يقدم منتوجه التدبيري الفريد والمتميز، لكن ما لبث أن فشل في تشكيل ملامح هذا المنتوج بعد أن توالت عليه الضربات، والتدخلات، والتنبيهات؛ أسقطت في يده، وأربكت مساره، وحولت وجهته إلى إكراهات، وتحديات لا قبل له بها. مما اضطره إلى استدعاء رصيده الجماهيري لإقناع الشعب بأن التحديات فاقت الطموحات، وأن الإكراه الحاصل مدعاة للمزيد من الصبر والتحمل للقرارات “المؤلمة”؛ مما أوقعه في استهلاك خطير لرصيده الشعبي الذي لم يعد يحتمل الانتظار !!!!

لقد “أخطأ” إسلاميو الحكم في المغرب حينما “مارسوا” الأخلاق المقدسة في حقل السياسة “المدنسّ”( !!!)، وقرروا أن “يصارحوا” (من خُلُق الصراحة الحميد) الشعب المغربي، الذي تطبَّع على قبول الكذب و”اتشلهيب” السياسي، بما يجوز وبما لا يجوز؛ في أمور السياسة والاقتصاد. وظنوا، “في سذاجة”، أن رصيدهم الشعبي كافٍ ليمكنهم من تمرير قراراتهم “اللاشعبية” دون مشاكل، في اعتماد فج وغير مؤسس على موازنات فقهية ومقاصدية في تدبير شأن سياسي مجالٍ للاختلاف، والصراع، والتأويل، والأخذ والرد، وفي واقع غالبية “مواطنيه” أميون لا يفقهون في الدين ولا في السياسة ولا في الاقتصاد شيئا !!!.

نعم، لقد أخطأ “إسلاميو” الحكم في المغرب حينما وعدوا الشعب المغربي بترك الحكم إذا حيل بينهم وبين الإصلاح ومحاربة الفساد حائل؛ فلم يوفوا، وظلوا يدبرون وسط العاصفة، ويواجهون العالم من حولهم في عناد بدأت تداعياته الثقيلة والمكلفة تأتي على “رصيدهم” الشعبي من القواعد، وهو ما سيتفاقم ما لم يبادروا إلى مصارحة المغاربة بعجزهم، ويعلنوا تنحيهم نهائيا عن تدبير شأن تداعت إليه الأطماع، واجتمعت حوله الذئاب والسباع والتماسيح والعفاريت و”الحياحة”…وهَلُمَّ مخلوقاتٍ وأشباحاً !!.

وأخطأوا، وهذا أكبر، حينما قبلوا أن يدخلوا في تحالفات هجينة، من اليمين الإداري الممخزن، إلى اليسار الإصلاحي المهادن، ويشكلوا حكومات كيفما اتفق، لإرضاء جشع في نفوسهم لحكم البلاد مهما كان الثمن، حتى سقطوا في خدمة أجندات الفساد والاستبداد، التي رفعوا شعار محاربتها أيام الحملات الانتخابية.

واليوم، هاهو البيت الداخلي للتحالف الهجين قد بدأ يتصدع من جديد، والتراشقات بالخيانة، والسعي إلى تخريب البلاد، وو… تنضح على السطح، ويتلقاها العموم بالكثير من الاستغراب، في ظل تشكل ولاءات جديدة، من داخل وخارج التحالف الأغلبي، في حين، بدأ الحزب الإسلامي ينحصر وحيدا وسط تململات تسعى لسحب البساط من تحت قدميْه، وتهيء لـ”بلوكاج” جديد” يأتي على ما تبقى له من وجود حكمي، ومن امتداد شعبي بعد أن استنفذ رصيده الشعبي بسبب القرارات اللاشعبية التي اتخذتها الحكومة، خلال الولايتين، وحُمِّل فيها الحزب الحاكم، دون غيره من أحزاب التحالف، جريرة الدين والدنيا؛ وهو ما يمهد لسيناريو “الانقلاب الناعم” الذي أشرنا إليه في مقالات سابقة، والذي تنبئ كل مؤشرات المخاض الداخلي الأخير أن هناك ترتيبات تُبَيَّت في الخفاء لتصريفه قبل نهاية الولاية الجديدة، عبر “بلوكاج” جديد.

فهل ستَسْلم الجرَّة هذه المرة، وينجح إخوان العثماني، على غرار ماحدث مع السيد بنكيران منتصف ولايته الحكومية، في رأب الصدع، ولملمة المواقف، والاختلافات بين “الإخوان” وسواهم داخل التحالف الأغلبي؟. أم ستكون هذه المرة القاصمة التي لن تبق ولن تذر؟..

هذا ما سيكشف عنه مخاض ما يعتمل، هذه الايام، في دهاليز التحالف…

دمتم على وطن.. !!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *