وجهة نظر

المغرب والجزائر..بداية ذوبان الجليد

مثلما يحدث في الخصومات بين الأشخاص الطبيعيين تعود المياه إلى مجاريها كذلك بين الدول رويدا رويدا خصوصا عندما يكون العداء مزمنا أو حينما تبدو القطيعةكما لو كانت مستحكمة لا شفاء منها.

الملك محمد السادس اقترح فتح الحدود بين المغرب والجزائر،و دعا للجنة مشتركة لإرساء آليات التعاون بينهما ،والجزائر من جهتها استجابت للدعوة، ولو ان ذلك أتى بشكل غير مباشر و كان متأخرا نسبيا، ولكنه اتى ،فهذا هو المهم في النهاية. لان التجاوب بين الإخوة يبقى تجاوبا ولو كان على استحياء، او تغلف بغلاف ديبلوماسي من مثل ماقامت به الجزائر من خلال المناداة إلى عقد لقاء لوزراء خارجية المغرب العربي .إنها لغة الإشارات والايماءات والرموز تحل محل اللغة الصريحة يتم اللجوء اليها للتعبر عن القناعات الدفينة بأن لا خلاص للكل إلا في إطار الاتحاد والالتحام. وهي ايضا تلك الإشارات التي تسبق عادة الانفراجات والمصالحات الكبرى والتاريخيةالتي تغير مصائر الأمم.

وعلى احتشام الرد الجزائري هذا الذي لم يكن قبولا صريحا بالعرض المغربي فإنه يبقى ايضا بارقة أمل تنصاف إلى بارقة الأمل الأولى التي وردت في خطاب العاهل المغربي بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. إنه يبدو كما لوكان اقتراحا يصدر عن الطرف الجزائري لترتيب لقاء في منتصف المسافة الفاصلة بين الأخوين اللدودين.

هذه الخطوة الجزائرية يتعين اغتنامها وتفعيلها ليس فقط من طرف القادة الخمسة للدول المغاربية، بل وأيضا من طرف الجماهير المغاربية التي لها الآن الوسائل التواصلية الكفيلة بتبليغ صوتها الصادح بضرورة نبذ الخلافات والتفرغ للبناء .

المنطقة تعيش على وقع حالة العماه التي تضرب المشرق العربي منذ الحمل الكاذب للثورات العربية بالديمقراطية والتنمية المنشودتين. كما انها تكابد نفس المشاكل سواء على مستوى التهديدات الإرهابية ،او على مستوى البطالة التي تنخر همم الشباب أو الهجرة نحو الغرب التي تحرمها من أبرز كفاءاتها وطاقاتها الخلاقة، أو تعثر القطاعات الاجتماعية كالصحة والتعليم ، أوتدهور كل خدمات الرعاية الإنسانية التي اصبحت حقا لا غنى عنه للمواطن في شتى بقاع العالم .

اعتقد ان على ديبلوماسيتنا أن تتجاوب بشكل بناء مع الدعوة الجزائرية فما لا يدرك كله لا يترك بعضه.واظن قطعا الآن أن لتونس بالخصوص دورا مهما تلعبه حاليا لتحفيز انعقاد هذا اللقاء الذي ينبغي أن يكون بأجندة واضحة تروم فقط بحث ما يجمع وتغض الطرف عن كل ما يفرق.

تونس تحظى بغير قليل من الحياد بين شقيقيها الكبيرين وبكثير من القبول من طرفهمما كما أن تمتعها بالاستقرار مقارنة مع الشقيقة ليبيا التي تهوي إلى مستنقع الدمار، وتجربتها الديمقراطية التي نتمنى أن يشتد عودها،وحاجتها هي ايضا المغرب عربي قوي يشكل عمقا استراتيجيا لانطلاقتها الاقتصادية .كل ذلك يؤهلها أكثر من غيرها لأن تلعب هذا الدور التاريخي في هذا المنعطف الخطير الذي تمر منه المنطقة المغاربية والعربية والإسلامية من خلال الحرص على المزيد من تذويب الجليد و تقريب وجهات النظر وتبديد المخاوف بين الإخوة المتصارعين .

الوحدة المغاربية هي قضية حياة أو موت.وإحياء المغرب العربي ليس ترفا أو حلما للنخب. والمعول الآن أن نضع كل الخلافات السياسية والترابية في الثلاجة لعقد من الزمن على الأقل ونركز على عامل التعاون الاقتصادي والاجتماعي، ونترك كل تلك المسائل الخلافية العالقة إلى الأجيال القادمة لتحلها بعيدا عن التعصب والشنآن والنظرة المحدودة الضيقة وبعيداعن الثارات والحزازت التي لا تعد شيئا يذكر في مجرى التاريخ الطويل.

نتمنى ان يعي الجميع دقة الظرف التاريخي الذي نمر به بما في ذلك ايضا القوى الإقليمية التي نتجاذب النفوذ في ليبيا المنكوبة . وأن ينظر الكل إلى تبادل التحايا بين المغرب والجزائر بوصفه النبراس المضيء في بهيم ليل الفرقة العربية الحالك البارد القاسي الذي لمع في الوقت البدل الضائع ليس للمغاربيين فقط بل ولكل أبناء الأمة العربية.
*بروفيسور بكلية الطب بالرباط ودكتور في العلوم السياسية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *