مجتمع

مصرية تروي للعمق رحلة بحثها عن الناجي العربي الوحيد في “تيتانيك”

أحمد الهيبة صمداني – العمق المغربي

في سابقة تحقيقات عربية ودولية، قامت الصحفية المصرية ياسمين سعد، بتقفي أثر “حمد حسب”، الناجي العربي الوحيد في أكبر كارثة غرق عرفتها الإنسانية، ويتعلق الأمر بغرق باخرة “التيتانيك” عام 1912.

وفي أول حوار لها مع جريدة مغربية، تحكي ياسمين سعد حصريا “للعمق”، تفاصيل رحلتها المشوقة بحثا عن العربي “الغامض”، كما أسمته في تحقيقها، نظرا لندرة المعلومات عنه، وكما تناقلت عائلته حكايته على متن الباخرة حين حادثته الحسناوات على “التيتانيك”، فلم يجبهن وأسموه بـ”الرجل الغامض”، إذ كان “حمد حسب” الناجي العربي الوحيد من غرق “تايتانيك”.

بعبارات يلفها الحماس والفرح بما حققته، تستهل ياسمين سعد حديثها عن تحقيقها بالقول: “أمضيت 3 سنوات بحثا عن طيف لم أكن متأكدة حتى من صحة اسمه، ولم أتخيل أنني سأنفرد بتفاصيل قصته وصوره ورسالة نادرة بخط يده”.

وتنفرد “العمق” في هذا الحوار بنشر صور حصرية حصلت على حقوق نشرها من صاحبة التحقيق، التي أفصحت في ثنايا حديثها عن تفاصيل مثيرة.

وهذا نص الحوار:

ما الذي دفعك لخوض رحلة البحث عن هوية العربي الناجي الوحيد من مأساة “تيتانيك”؟

الدافع الذي جعلني أبحث عن “حمد حسب”، هو شغفي بالصحافة، فهذه هي الموضوعات التي أولع بها، وكانت هذه فرصتي في أن أضع بصمتي في عالم الصحافة، ليس على مستوى مصر فقط، بل في العالم العربي والغربي أيضا، لأن “تيتانيك” موضوع عالمي بامتياز.

كما أنني أحلم بصناعة فيلم عالمي يحصل على جائزة الأوسكار، وقد رأيته فيلما جيدا منذ اللحظة التي قرأت عن “حمد” فيها، وقد حولت القصة بالفعل إلى رواية، وأتمنى أن تتحول إلى فيلم قريبا، وأحقق حلمي الذي انتظرت تحقيقه لمدة ثلاث سنوات، كانت هي مدة رحلتي في البحث عن “حمد”، وكتابتي للتحقيق وللرواية.

كيف تبادرت الفكرة إلى ذهنك؟

عرفت أن السفينة على متنها عرب، من خلال مشاهدتي لتقرير لبناني عرض في مئوية غرق السفينة عام 2012م، كان يعتبر تأبينا للراكبين اللبنانيين، وعندما شاهدته اندهشت لجهلي بالمعلومة، فبحثت على جوجل لأجد موقع “إنسيكلوبيديا تايتانيكا (Encyclopedia Titanica)، الموقع العالمي الرسمي الذي يوثق كل شيء عن السفينة، وبحثت بالجنسية، وكانت محض صدفة أن رأيت جنسية مصرية، فوجدت “حمد”، ووجدت الموقع نفسه يبحث عن قصته، فقررت أن أجاوب على جميع الأسئلة التي لم يجاب عنها من قبل، وبالفعل نجحت في فعل ذلك.

ما هي الصعوبات التي واجهتك في أولى خطوات بحثك؟

الصعوبات التي واجهتني هي أولا نقص المعلومات، فلم أجد أي معلومة تخص “حمد حسب” في أي مكان مما بحثت عنه فيه، مكتب البريد، فندق “مينا هاوس”، دار الوثائق والكتب، دار المحفوظات، شركة “توماس كوك” للسياحة، دار “هاربر” للنشر، وكأنه لم يكن. حتى أنني نشرت جزءً أوليا للتحقيق في عام 2015م، كان يقتصر على رحلتي في البحث عنه، فالأمل الوحيد الذي تبقى لدي، كان في رؤية عائلته للتحقيق والتواصل معي لنشر جزء ثان مفصلا بالمعلومات الحقيقية.

ثانيا كانت صعوبة الإيمان بالفكرة، فلا أحد كان مقتنعا بأنني سأصل إلى “حمد”، ولا أحد كان متوقعا هذا النجاح للفكرة، لدرجة أن الجميع نصحني حرفيا بالابتعاد عن الصحافة، والعمل في وظيفة ثابتة بمرتب ثابت، وترك “حمد” إلى الأبد، والعيش مثل بقية الناس، ليس كفتاة حالمة تجري وراء شخصا كان على سفينة غرقت من 106 عام، ولكنني لم أستمع، آنست نفسي واستمريت في طريقي.

كيف تأكدت أن “حمد حسب” هو الناجي العربي الوحيد؟

تأكدت أن “حمد” هو المصري الوحيد الموجود على متن “تيتانيك”، لأنني بحثت على الموقع الرسمي الخاص بتوثيق جميع الركاب على السفينة، ولم أجد مصريا سواه، كما أنني تواصلت مع الموقع بالفعل، وسألت هل يوجد مصري آخر ولم أنتبه له؟، وهل من الممكن أن يكون مصري آخر على متن السفينة لم يسجل، صعد على متنها متهربا؟ فأكدوا لي أن “حمد” هو المصري الوحيد.

كيف وصلت إلى بيت “حمد حسب”؟

توصلت إلى منزل عائلة “حمد” عن طريق نشر الجزء الأول من تحقيقي، رحلة البحث عن “حمد” التي لم تسفر عن شيء، فحمدا لله، حدث ما كنت أتمناه. إذ قرأت جارة حفيد “حمد حسب” التحقيق، ثم تركت لي تعليقا تقول فيه، بأن لديها جار يقول أن جده كان على متن “تيتانيك”، فتواصلت معها عن طريق الفيس بوك، وأعطتني رقم زوجته، وبالفعل تواصلت معها، وذهبت لمقابلتهم، على أمل أن تكون المعلومة صحيحة، وأن لا أكون قد تورطت مع أناس يكذبون عليّ على الإنترنت، ووفقني الله، وبالفعل قابلت حفيد “حمد حسب”.

كيف استطعت أن تقنعي عائلته بإعطائك المعلومات؟

في البداية تخوّفت عائلة “حمد” من الحديث معي، وهذا حقهم، لأنهم فوجئوا بصحفية شابة تحاول التوصل لقصة انتهت منذ عشرات السنوات، ولكنني نجحت في إقناعهم بأن يعطوني المعلومات التي لديهم عن جدهم، بعدما طرحت سؤالا منطقيا، ما الذي سأفعله بالقصة من الممكن أن يؤذيهم؟ أو يؤذي جدهم؟ إنه تراث مصري، أخذ أهميته كونه جزء من حدث عالمي، ويجب أن نرويه للعالم.

كيف حصلت على الوثائق المكتوبة بخط يد “حسب”؟

عندما بحثت عن “حمد” للأسف لم أجد أي وثائق، فبالنسبة لي مصر كانت نهاية مغلقة، فبحثت على الإنترنت لأجد أي وثائق عنه في الخارج، وبالفعل وجدت وثيقتين تحملان إمضاء “حمد”، في موقع يؤرشف للمحاكمات الأمريكية القديمة، فبعد غرق السفينة، تم إجراء محاكمتين، واحدة في بريطانيا، والأخرى في أمريكا، لمعرفة السبب الحقيقي لغرق “التيتانيك”، ولإجراء هذا التحقيق تم الحصول على شهادة جميع من كانوا على متن السفينة، ومنهم “حمد حسب”، فهذه كانت الوثيقة الأولى، شهادته وإمضاؤه بخط يده عليها.

شهادته وإمضاؤه بخط يده عليها

الوثيقة الثانية، كانت إمضاؤه على ورقة بها المقتنيات التي كانت معه على السفينة، حيث أعطت السفينة تعويضا لكل من كان على متن السفينة، مقابل مقتنياتهم التي غرقت في قاع البحر، فوجدت الوثيقة الخاصة بمقتنيات “حمد”.

الوثيقة الخاصة بمقتنيات “حمد”

بعد نشري للتحقيق في جريدة المصري اليوم كاملا، وجد حفيد “حمد حسب” برقية بخط يده كان قد أرسلها لعائلته بعد غرق السفينة ليطمئنه عليهم، وقد نشرتها بعد ذلك في تحقيق خاص بموقع Vice.

برقية بخط يد حمد حسب أرسلها لعائلته بعد غرق السفينة

هل من معلومات إضافية عن سنة وفاة “حمد حسب”؟

توفي حمد حسب” بين عامين 1964 أو 1965، لأن عائلته للأسف لا تتذكر السنة بالضبط، وكان يقارب عمره 100 عام وقت وفاته.

بماذا يمكن أن تنصحي الصحفيين الشباب الصاعدين، خاصة المهتمين بالتحقيقات؟

أنصح شباب الصحفيين بأن يفكروا خارج الحدود التي توضع لهم، وبأن يتمسكوا بأحلامهم مهما كانت كبيرة، وأن يسعوا لتحقيقها على أرض الواقع، ولا يلتفتوا لأي شخص من الممكن أن يقلل من أحلامهم، فالأحلام، فالمستحيل يقنعنا المجتمع بوجوده، لكي يضع لنا إطارات نتحرك بداخلها، ونتخيل أن الخروج منها مستحيل، ولكن في الحقيقة، المستحيل ليس موجودا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *