مجتمع

باحثان: المدرسة القروية تعاني وضعا كارثيا والبطالة نتاج ضعف التنمية

قال الفاعل الجمعوي والباحث الاقتصادي عبد العالي بنشقرون خلال عرضه المعنون بـ”التعليم أولوية الأولويات، رؤوس أقلام لإثارة النقاش” إن النهضة المجتمعية رهينة بنهضة التعليم.

وأضاف في لقاء نظمه عدد من المثقفين التقدميين والديمقراطيين بالرباط، أن هذه النهضة التعليمية تعتمد قبل كل شيء على توفر مدرسين ذوي مستوى عال من الكفاءة والقدرة على الأداء الجاد والمبدع، شريطة توفرهم على ظروف مادية ومعنوية تضمن لهم الاعتراف والإحساس بالكرامة.

وأوضح لدى حديثه عن العناصر الأولية للتشخيص أن من أكبر الأخطار نقص الجودة وانعدام الحافز لدى المدرسين، وانحطاط القيم النبيلة للعمل والعلم وسوء احترام حرمة المدرسة كما أن الطرق البيداغوجية بالية، وأن أجيالا بكاملها لم ولا تستفيد من التعليم الأولي حيث تلج المدرسة دون الحد الأدنى للتربية والاستعداد، فضلا عن أن المحيط المدرسي والمناخ العام غير صحي وعرضة للانحرافات والمدرسة القروية تعاني من وضع كارثي.

كما أشار إلى سوء الحكامة سواء منها الخاصة أو العمومية، وهو ما يشكل عائقا خطيرا أمام وضع الخطط و تدبيرها، فضلا عن انعدام تقييم منهجي للأداء والتقويم والجزاء عليه، وسيادة الإفلات من العقاب خاصة في الصفقات، كما أن أغلب الوحدات المدرسية تدبر تدبيرا متخلفا وأحيانا كارثي.

وبخصوص مقومات خطة النهضة التعليمية، أكد المحاضر على ضرورة إرساء سياسة جديدة للموارد البشرية بحيث يتم توظيف معلمين وأساتذة أكفاء، نجباء و محفزين للإنتاج الجاد والمبدع، وإرساء سياسة أجرية وشروط سكن وحياة تضمن العيش الكريم للمعلمين والأساتذة، ورفع الأجور للمعلمين والأساتذة لتحسين قدرتهم الشرائية وشروط العيش مقابل ميثاق الإنتاجية والاجتهاد المهني المبدع، وإقامة ألف مدرسة جماعاتية وألف دور الطالبة والطالب خاصة في البوادي ومحيطات المدن وإرساء إستراتيجية تدارك تأخير التعليم الأولي وتأسيس حملة تواصلية توضح بشكل دائم التوجهات الإصلاحية كرافد للنهضة الوطنية للقطاع.

وأبرز إلى ضرورة إقامة جامعات تجيب على حاجيات الاقتصاد والمجتمع وذلك بإنشاء جامعات بكليات الطب والهندسة في المدن الكبرى وإرساء مسالك ما بين التكوين المهني والجامعات ومدارس الهندسة، وتقويم وتثمين دراسة الآداب والفنون والفلسفة والتاريخ وعلم الاجتماع والأنتروبولوجيا، وإنعاش الإنتاج والبحوث في هذه الميادين وإشاعة ثقافة وخبرة المقاولاتية وإنشاء حاضنات مشاريع مبدعة واستهداف أعلى مستويات البحث العلمي في الجامعات ومعاهد الهندسة والمقاولة وإعادة هيكلة حقل البحث العلمي أهدافا و خططا.

وخلص إلى ضرورة تحميل هيئات القرب، من جماعات وجمعيات، مسِؤولية متجددة لتأطير القطاع، وإخضاعها لتكوين تشاركي فعلي لتدبيره، ودعم مبادرات العمال المهاجرين وشتات المغاربة الراغبين في إنشاء مدارس في مناطق المنشإ وتحميل الشركات والمجمعات الاقتصادية مسؤولية إقامة مدارس وداخليات في مواقعها، خاصة من أجل إنشاء مدارس جماعاتية، خالصا إلى أن النهضة هي الإرادة السياسية والإبداع والحكامة والتقويم.

من جهة أخرى، وخلال تناوله لمحور الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، اعتبر أن هذا القطاع يعد، فكرا وممارسة، حاملا للتغيير ولنموذج اجتماعي يكون منتشرا عبر المجالات الترابية، ينطلق من مقاربة تشاركية وينخرط ضمنه المنتخبون المحليون والمقاولون والمواطنون خاصة بالبادية عبر مؤسسات الاقتصاد الاجتماعي (من جمعيات تنموية وتعاونيات)، وذلك بغاية معاينة المشاكل وحاجيات الساكنة الاجتماعية وبلورة أحسن الحلول الممكنة، كما دعا إلى إرساء قانون خاص بهذا القطاع، وتشجيع المقاولات التي تطلق مشاريع لصالح القطاع.

من جهته تحدث الفاعل الجمعوي والباحث الاقتصادي نور الدين السعودي في عرضه المعنون ب”السياسة الاقتصادية بدون تنمية حقيقية، المعيقات، البديل” عن مميزات الوضعية الاقتصادية والاجتماعية مشيرا إلى وجود اختلالات مقلقة تتجلى في هيمنة اقتصاد الريع، ووجود نسبة تنمية متواضعة، وعجز مالي وتجاري هيكلي، ومديونية في ارتفاع، وفوارق اجتماعية وجهوية كبيرة.

وأشار السعودي إلى انتهاج الدولة لسياسة نيوليبرالية، بانسحابها التدريجي من الاقتصاد لفائدة السوق، والقطاع الخاص بصفته محركا له، واعتماد التصدير كرافعة للتنمية والاندماج الشامل في سياق العولمة دون إعداد وإشراك جدي للفاعلين، فضلا عن تداخل مقلق بين السياسي والاقتصادي الشيء الذي نتج عنه الريع والفساد الإداري.
وهكذا، يشير السعودي إلى أنه في الفترة الخماسية 2012-2016، ورغم تضافر عوامل إيجابية (موسمان فلاحيان استثنائيان2013 ، 2015 ؛ وانخفاض كبير في سعر النفط؛ وهبة مالية بـ 5 مليار دولار من دول مجلس التعاون الخليجي)؛ لم يتجاوز متوسط ​​معدل النمو السنوي للناتج الداخلي الإجمالي 3.2٪ !

وأوضح أن المستفيد من انسحاب الدولة كانت بالدرجة الأولى الفئات الحاكمة والأجانب والقطاعات التي لا يمكن اعتبارها قاطرة للتنمية كهيمنة “الشركة الوطنية للاستثمار” على أهم القطاعات الاقتصادية العصرية (البنوك، التأمين، المناجم، البناء، الفلاحة…).

وكبديل لهذا الواقع، ارتأى نور الدين السعودي ضرورة الخروج من الاقتصاد النيوليبرالي واعتماد الاقتصاد التضامني التآزري، مشيرا إلى أنه في كل التجارب التي تقدمت فيها الدول (الصين وكوريا…) لعبت فيها الدولة دورا استراتيجيا في تحقيق التنمية الاجتماعية.

وأوضح أن الدولة المغربية شعرت منذ بداية التسعينات (كنتيجة للتقويم الهيكلي) بخطر الواقع الاجتماعي فطرحت فكرة القروض الصغرى التي انطلقت بشكل محتشم قبل أن تتخذ في عهد الملك محمد السادس شكلا أكثر فعالية، وتتمثل هذه الفكرة في تقديم سلفات صغيرة لدعم إنشاء أنشطة مدرة للدخل لمن لا تقبلهم البنوك (حرفيون بسطاء، تجار صغار، تعاونيات…) مضيفا أن هذه القروض عرفت بعد إطلاقها في أواخر التسعينات تطورا هائلا إلى حدود 2012، حيث بلغ عدد زبنائها حوالي 850.000 شخص (75 % منهم نساء)، والقروض الممنوحة 4 مليار درهم، وخلقت 6.000 منصب شغل مباشر وآلاف المناصب غير المباشرة.

إلا أنه تبين –حسب المتدخل- أن السوق تحتكرها ثلاث جمعيات من ضمن 13 (84 % ) مما جعل نسبة الفائدة مرتفعة (حوالي 20 % في المتوسط)، ومن ثمة صعوبة إرجاع الدين.
وأضاف أنه بموازاة مع ذلك، وبالنظر لعدم فعالية القروض الصغرى خاصة بعد أحداث 16 ماي 2003، – ارتأت الدولة أن تطلق سنة 2005 المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بهدف دعم مشاريع مدرة للدخل من خلال المعدات والتكوين وتقوية قدرات الفاعلين.

واستطرد أن إنجازات المبادرة بلغت حسب الأرقام الرسمية، 44.000 مشروع (من ضمنهم 8.300 أنشطة مدرة للدخل)؛ وأزيد من 10 مليون مستفيد (40 % من النساء)؛ و40 مليار درهم كاستثمار إجمالي (مساهمة المبادرة منها بلغت 26 مليار درهم).

واعتبر أن هذا الإنجاز ساهم بشكل ملحوظ في تقليص الفقر والهشاشة، إلا أنه لم يعالج كما ينبغي الفوارق الاجتماعية والمجالية موضحا أن المرصد الوطني للتنمية البشرية سجل بأن المبادرة حققت نجاحا تقنيا-ماليا، لكن توزيع التوظيفات لم يستجب إلا جزئيا لجغرافية الحاجيات.

وأشار إلى أن طريقة تدبير هذه المبادرة كشفت عن سوء حكامة نظرا لتحكم بعض رجال السلطة والمنتخبين فيها، حيث شجع عدد منهم جمعيات ساهمت في دعم الفساد وتحويل مبالغ الدعم لأغراض أخرى مستطردا أن هناك عدة مؤسسات (التعاون الوطني، وكالة التنمية الاجتماعية، المبادرة…) من المفترض فيها أن تعمل على مكافحة الفقر والهشاشة، إلا أنها بعيدة عن تحقيق ذلك، لافتقادها الرؤية والحكامة الجيدة، ودون أن يتم تنسيق أعمالها وخلق سبل التعاضد بينها، الشيء الذي جعل المغرب في مؤخرة الدول في ما يتعلق بالتنمية البشرية حسب مؤشر برنامج الأمم المتحدة للتنمية، حيث يحتل المرتبة 123 بعد الجزائر وليبيا والعراق (2018).

أما بخصوص البطالة فقد لاحظ أن المغرب يعاني من بطالة هيكلية مرتفعة، ناتجة عن ضعف التنمية وطبيعة السياسات العمومية خاصة في مجالي الاقتصاد والتعليم-التكوين، حيث أن التوجه الاقتصادي ركز على قطاعات الفلاحة والسياحة والخدمات، مع تهميش التصنيع، وتعليم لا يستجيب بشكل كبير لحاجيات السوق، معتبرا أن نسبة البطالة الحضرية تجاوزت خلال العقد الأخير 14 % فيما بلغت نسبة البطالة القروية 4 % والنسبة الوطنية 10%، حسب الإحصائيات الرسمية، وتجاوزت هذه النسبة 27 % بالنسبة للشبان (15-24 سنة)، مما ترتب عنه انعكاسات اجتماعية وخيمة (هجرة الأدمغة، مخدرات، سيدا، هجرة غير نظامية، تطرف…).

واقترح المحاضر عددا من البدائل منها ضرورة تحقيق نهضة لنظام التعليم والتكوين الذي يعد رافعة أساسية للتنمية ونهج إستراتيجية للتنمية الاقتصادية المستدامة والمُدمجة والمنصفة، مع إيلاء أهمية للتصنيع، وإصلاح النظام الضريبي لتحقيق العدالة الضريبية، وتمكين الدولة من توفير موارد مالية مهمة للاستثمار المنتج للثروة ولمناصب الشغل، وإصلاح منظومة التعليم – التكوين بغرض ملاءمتها مع حاجيات سوق الشغل، ودعم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني، كرؤيا بديلة وركيزة للتجديد الاجتماعي المناهض للمجتمع الاستهلاكي، وإصلاح قطاع القروض الصغرى بهدف ضمان تنافسية فعلية وتحديد سقف معقول لنسب الفائدة، وتيسير الولوج إلى التمويل.

وكانت عروض كل من الباحثين نور الدين السعودي وعبد العالي بنشقرون عن بعض محاور الدفاتر المنشورة على الفايس بوك، والمتصلة بالقطاعات الاجتماعية والتوجهات الاقتصادية والحكامة ومهام الجماعات المنتخبة، وذلك من خلال نقد الاختلالات واقتراح بدائل.

وقد دار نقاش هام على هامش العرضين، أثيرت خلاله آراء غنية تتعلق بالمدارس الجماعاتية خاصة في القرى التي تتسم بواقع الشتات في السكن، وبالمسألة اللغوية والمسألة الدينية ودور الدولة في التنمية وإشكالية التخطيط والسياسة الضريبية والضريبة على الثروة والإرث والتهرب الضريبي والنهضة القروية والمجتمعية.

واتفق المجتمعون على حيوية هذا النقاش وعلى مبدأ تنظيم لقاء بشكلي دوري مرة في الشهر، مع نشر هذه الآراء وتوسيعها وسط المثقفين الديمقراطيين المهتمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *